أبي إلى القلبِ عُدْ

قبر

أبي، عُدْ فما الحياةُ بعدَكَ أُطيق، ولا الطّريق بوحشتِه يُسلَك، وما يعينُني الخيرَ بعد اللهِ إلّاك، عُـدْ إلى الرّوحِ وخلَجاتِ النّفس، وكن أنت سِرّي بعدَ جهري، ودافعي نحو العُلا ومؤمِّلي، كنْ لي كلَّ شيءٍ أرادَهُ اللهُ، كنِ الحبَّ بعدَ بُغضِ النّاس، كُنِ المؤنِسَ في ليلِ الحائرِ المتهالك، كُنِ الجمرَ بعدَ خفوتِ نورِ الإيمان.

أبي، ضيّعتُ الفرائضَ وأقللتُ السّننَ، والحرامَ اقترفتُ، والذّنبَ احتويت، والأجرَ هجَرتْ، وما والله أحبُّ إليَّ إلّا لو أنِّي بَلَغتُ وأنا بينَ أحضانِكَ وأفضالِك، وكبُرتُ وأنتَ أهلُ عيالِكَ وأبنائك تمُدُّ لي كفَّ التّربيّةِ الحسَنَةِ فأخذتُها، والتّربيّةَ الإيمانيّة فقصّرتُ في النّهلِ من جدولك الصّافي، ونبعِ طاعةِ الله.

أبي، لإن كانَ القدرُ العيشَ بالبُعدِ عنكَ؛ لَهوَ أصعبُ البلاء وأقساه، وأشدُّه وأضناه، فواللهِ لَقدْ كنتَ خيِّرَنـا ومختارَنا، فكنتْ ممن اختارهُ اللهُ ورضيَ عنه.

أبي، عَظُمَ المُصاب، واشتَّد بي خيرُ ظنِّ النّاسِ وشرُّه، فأعدني إلى روضِ الحبِّ والإيمان والعطاء.

قدْ كنتُ يا ربي أحاولُ بسطَ الكفِّ لتنعُمَ بجميلِ رضاكَ وعفوك، وما كانتِ المطالبُ محققةً إن أنت قلت " لا تكن " فما دعائي لميتٍ عظُم شأنُّه وصبرُه إلّا لأنّكَ أحببتَه فأحبَّهُ أهلُ الأرض، فلعلَّ من كرمِكَ الدّنيّ أن تجرَّنا بدعوةِ أمواتنا إلى عَبَقِ أزهارِ إيمانكَ وحسنِها وبهائها.

وكنْ يا ربِّ الموفق والمنّان.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.