عمرها عامان من غزّة، قلبت حياتي فوقاني تحتاني!

طفلة

في عمّان، جمعتنا الطريق بصدفةٍ شهيّة، وقلب أبيض، يقود مركبة صفراء. حدث ذلك قبل حوالي 10 أيام. وتحديداً بعد مباراة فلسطين والسعودية بيوم واحد.

كنا متوجهّين نحو مقرّ إقامتنا، قبل أن نصدُف سائقاً، قدّرنا عمره بـ 50 عاماً. هادئ، لكنه يترنّح في حديثه عندما يتكلم، وبسيط جداً، يحبّ الناس لأجل المحبّة.

إلى الآن كل الأمور عادية.

عندما وصلنا نصف الطريق رنّ هاتفه النقال، ودار بينه وبين "طفلة" صوتها خرج من السماعة الداخلية، الحوار التالي:

- بابا، جيبلي معاك زاكي.

هو: ولا يهمك بابا. كمان شوي برجع عالبيت وبجيبلك.

- بابا بابا ... بدي زاكي بدي زاكي.

هو: بابا ههه، ولا يهمك شو قلتلك انا ؟ يلا شوي عشان انا معي ركّاب.

انتهت المكالمة، قلت في نفسي: "50 عام، وطفلة صوتها يادوب 3 أعوام! .. يبدو أنه انجب 10 أبناء وهي أخرهم".

لم أتابع تفكيري، إذ قاطعني السائق، موجّهاً حديثه لي ولصديقي:

" عارفين مين هاي الي ع التلفون؟ هاي بنتي. بنتي فداء. عمرها سنتين بس! انا ما بجيب ولاد. هي أهلها ماتوا كلّهم. قصفوا بيتهم بغزّة قبل حوالي سنة. كان عمرها وقتها 9 أشهر ... تواصلوا معي معارف بغزّة .. ما ترددت، قلتلهم جيبوها، أنا أبوها! ... واليوم يا جماعة هالبنت هي حياتي، وقلبي .. بتعرفوا؟ قلبت حياتي .. فوقاني، تحتاني".

أغمضت عيني ولم افتحهما إلا في الحين الذي نزلنا فيه من السيارة. وفقط قلت له: "الله يخليلك بنتك. دير بالك عليها"، حينها وكأنما استمعت لصوت بعيد .. والله شعرت وأنما أحدٌ غيره أجابني، الصوت قال لي: "تسلم يا ابني .. فداء بالحفظ والصون"!.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.