ما في زلمات!

معروف الرفاعي

كان والدي - رحمه الله - قد اعتاد على أصطحابي في نهاية الأسبوع إلى مدينته التي يعشق ، و التي قال لي عنها يوما :  أتمنى أن أعيش و أموت في القدس .

وذات مرة كنا نستقل الباص متجهين صباحا إلى مدينة القدس التي تبعد عن قريتنا عناتا بضعة كيلو مترات فقط و في الطريق اوقفنا حاجز للاحتلال في بيت حنينا وصعد جنديا من الدورية المتواجدة في المكان و قال: كل الزلمات تنزل ..

نزل والدي و بقية الرجال من الباص على الأرض بجانب الباص استعدادا للتفتيش على الهويات و مسلسل الإهانات و الشتائم و اللكم لبعض الشباب الذين كنت انظر إليهم من نافذة الباص المغلق و كنت أخشى على والدي كأي طفل يخاف على والده من الضرب و الإهانة .

صعد الجندي ذاته إلى الباص ليبدأ بفحص هويات ما تبقى من النساء و يجري عملية بحث سريعة داخل الحافلة ، فإذا به يفاجأ برجل خمسيني يجلس خلف السائق متكئا على الماسورة التي كانت تفصل بينه و بين السائق و يدخن سيجارة من التبغ العربي ( الهيشي ) .

الجندي بصوت عال : انا مش بكول كل الزلمات تنزل عل أرض .. ليش إنتي مش بنزل ..

الكهل الخمسيني ببرود : انا مش زلمة يا خواجا، انا لو زلمة كان ما بطلع واحد زيك يفتش علي و ينزلني من الباص .. انا مش زلمة يا خواجا ..

ما يحصل في القدس الآن و ما يحصل في المسجد الأقصى كل يوم يجعلنا كلنا " مش زلمات " . .

و رحم الله أيام الرجال الرجال الذين أشعلوا الأرض تحت أقدام شارون عندما دنس الحرم القدسي عام 2000 ..
بعدهم ما في زلمات ..

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.