ألان كردي: ما أصعب الكلام!

الطفل الغريق

ألان كردي!
هل سيصحو العرب!
أكيد سيصحون، إنهم يملؤون الفضاء غضبا وماء!
ومن لم يصح اليوم كيف سينظر إلى نفسه وفيها!
ينام على بطنه وجنبه كما يلذ للأطفال أن يناموا هانئين، بعد طول لعب وركض، أما وقد عركته الأمواج فصار الموت نوما أخيرا، نوما خالدا يطير النوم من أعين البشر!
لم نتحمل الصور!
لطمة الصباح والمساء!
طفل الموج والرمل!
كانت تلك النهاية لبداية لم تكتمل، لنعيش عمرنا حسرة على من مضوا، وعلينا نحن الماضون لحزننا الطويل، فلا رثاء بقادر على أن يسعفنا، ولا غضب!
في الصباح العربي، يداري الناس أنفسهم، فلا يفتحون الحديث، يتجنبونه، وفي أنفسهم، وعلى رؤوس ألسنتهم طفل الموج، نطأطئ العين لعلنا نرحم أنفسنا من هذا العار.

وفي المساء العربي، نهرب إلى أي شيء يخلصنا من حديث الموج، خجل كبير، وحزن وغضب، ثم نطوي أنفسنا منكمشين، فمتى ينتهي النهار بصباحه والمساء!
صعب هو الكلام في الهروب من الشعور، هل نستطيع كعرب وكبشر؟

وهل كان طفل الموج ضروريا لتصحو الضمائر؟
وهل يصير طفل الموج مخلصا لشعبه؟

مأساة الان كردي عظيمة جدا، لكن ثمة مآس أخرى تتعلق بنا نحن تفوقها، وهي أننا نطلب كعرب من العالم أن يعملوا نيابة عنا على تخليصنا: سوريا وغيرها. المأساة الكبرى أننا نحمل بعضنا المسؤولية!
لو أن كل عربي يجلس ويفكّر بدوره، مهما كان هذا لاالدور صغيرا، فإن مجموع ومحصلة الجهد الفردي العربي ستخلصنا من عبثية الاصطفاف مع اي نظام أو رئيس، أو من هو أو هم ضد، لنقف مع الشعوب المقهورة، مع أنفسنا.
طفل الموج بلا أب ولا أم، بلا حارة، بلا لعبة، بلا طعام وماء، في عالم بلا قلب وبلا عقل، كأنه غطى وجهه، أو الأمواج فعلت فعلها، يا لوجهه الجميل البريء كما كشف وجه النظم القبيحة والمجرمة!
فإذا لم يحرك ابن البحر الضمائر والمؤسسات العربية والقرارات الدولية باتجاه وقف المأساة الآن، فمتى إذن؟ وما المطلوب؟ وكم طفل بحر يحتاجون؟ كم لاجئ/ة أوصد العالم أبوابه لهم فلم يجدوا إلا باب البحر!
ليس البحر هو الغدار يا شاعر، بل الساكنون بأمان على بره، من هنا إلى هناك، من لم يعد يفرق بين الواقع والخبر، من سكب على النار زيتا، وحين هربت العصافير من أعشاشها لم تجد شجرا تحط عليه غير رؤوس الأمواج!

يلعب الموج معه، يمشط شعره، يداعبه، كأنه غير مصدق..بعد قليل يصحو هكذا قال الموج لنفسه وانتظر طويلا لكن لم يصح أحد لا طفل الموج ولا أحد.
من الشام إلى تركيا والبحر، بلوزته الحمراء، وبنطاله، والصندل، أين مضت الذكريات؟ وهل سيجد من يتحدث عن ذكرى تلك الملابس!
"سامحُونا ..
إن تجمَّعنا كأغنامٍ على ظهر السفينَهْ ..
وتشرّدنا على كل المحيطات سنيناً .. وسنينا ..
لم نجد ما بين تُجَّار العَرَبْ ..
تاجراً يقبلُ أن يعلفَنا .. أو يشترينا .."
وماذا أيضا يا نزار؟
" إنَّنا نبحثُ ..
عمّنْ لا يزالون يقولونَ كلاماً عربيّاً
فوجدنا دولاً من خَشَبٍ ..
ووجدنا لغةً من خَشَبْ ..
وكلاماً فارغاً من أيِّ معنى"
كان هناك على البرّ قبل قليل، ببلوزته الحمراء، وذات البنطال، يلعب بالكرة، لا يدري أية أمواج ستعلب به وبشعبه!
وهذا نزار الشامي يصحو من منامه، لعله كان يتحدث عنا، عن فلسطين، فإذا الكلام يصير عن بلده، فهل سيبقى ما نجتمع عليه نحن أبناء العروبة!
"سامحونا ..
إن قتلنا مرة آباءَنا ..
وشككنا في روايات أبي زيدِ الهلاليِّ
وفي شخصية الزِير .. وفي عَنْتَرةٍ ..
سامحُونا إن شككنا ..
في نُصُوص الشعر والنثر التي نحفظُها
وحديثِ السيفِ .. والرمحِ .. وفي (كانَ) و (كُنَّا)..."
نم يا نزار!
لم نصح اليوم، ولا في الغد، إذن كم من أطفال للموج سيولدون!
لم نعد قادرين على الشعور!
لا الرثاء ولا الحزن ولا الغضب، لعلنا نكون قادرين على التفكير!
ستطول لطمة ابن الموج لنا إن لم يجتمع العرب على وقف المأساة:
خلاص سوريا هو الهدف، خلاص الشعب المشرد واللاجئ، وهو خلاص لنا كما هو خلاص لكل العالم، وإلا من سيحتمل هذه المأساة!
-       لا أحد!
-       فهل سيجتمع العرب على خلاص أنفسهم؟
-       "سامحُونا ..
إن رفَضْنَا كلَّ شيءٍ ..
وكسَرْنَا كلَّ شيءٍ ..
واقْتَلَعْنَا كلَّ شيءٍ
ورمينا لكُمُ أسماءَنا
فالبوادي رفَضَتنا .. والمواني رفَضَتْنا
والمطاراتُ التي تستقبل الطيرَ صباحاً ومساءً .. رَفَضَتْنا
إنَّ شمسَ القمع في كل مكانٍ .. أحرَقَتْنا .."
.....
وما لم يقله نزار: أغرقتنا!
-       أعطنا بعض الأمل لنحيا!
-       الأمل فعل!
-       و؟
-       وانتهى الكلام!

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.