كيف يجلعنا الفيسبوك أكثر تعاسة؟

صورة توضيحية

من الغريب فعلًا، أن يبدأ كاتب بالطلب الفوري من قارئي كتابه من مستخدمي الفيسبوك أن يقفلوا حساباتهم لمدة ثلاثين يومًا، دون الدخول إليه ضمن أية مبررات يفترضونها لدخولهم العالم الأزرق، ليدركوا أخيرًا أن حَياتهم بدونه تبدو أقلُ تعاسة.

يَستهّل الكاتب اللبناني طوني زغبيني في مقدمة كتابه " كيف يجلعنا الفيسبوك أكثر تعاسة"، عبارة لآينشتاين تقول(لقد أصبح من الواضح جدًا أن تكنولوجيتنا تخطت إنسانيتنا)، وبهذا التبرير بدأ الكاتب يطرح تساؤلات مثل: هل نتخيل حياتنا بلا فيسبوك؟ هل يساعدنا حقا على التواصل؟ وهل يعزز الإدمان ونقص الانتباه وخزعبلات نفسية أُخرى؟ وهل يصنع الثورات؟ وأسئلة متنوعة يحاول الإجابة عليها بمقتضيات التفكير والمنطق القائم على الأبحاث السابقة و التجربة، تجربته هو شخصيا.

إليك أيها المستخدم..
معظم مستخدمي الفيسبوك لا يمكنهم تخيّل يومهم دون وضع زر تسجيل الدخول وتعرّضهم لمحتوى الموقع المرغوب أو غير المرغوب، وانطلاقًا من حاجتنا لأدراك تأثيره الحقيقي على حياتنا طالب طوني الزغبيني مستخدمي الموقع إلغاءة مدة شهر كامل، لملاحظة التالي: كيف يؤثر على حياتنا؟ هل تغيرت نحو الأفضل أم الأسوا خلال هذا الشهر؟ هل تحسنت علاقتنا مع من هم قريبين منا؟ هل أصبحنا أكثر حضورا في أيامنا؟ هل أصبح يومنا أكثر إنتاجية أم العكس؟ ما الذي خسرناه وربحناه من اقفال الفيسبوك؟

من خلال تلك التجربة يستطيع القارئ أن يكمل الكتاب ويقارن فعليًا ما كتبه طوني من تجربته الشخصية وما بين خلاصة تجربة القارئ في إقفال الفيسبوك.

سطوة انسانية!
يفترض الكاتب بأن لا يمكن أن يتخيل أي مستخدم  حياته بلا "الموقع الأزرق"، ذلك الموقع الذي يعرّف نفسه بأنه مؤسسة اجتماعية تصل الناس بالأصدقاء الذين يعملون ويدرسون ويعيشون بقربهم، لكن واقعيًا يرى الكاتب هذا التعريف يقتضب جزئيات عديدة تعدّت كونه مجرد موقع، فيقول" إن الفيسبوك ظهر كمكمّل ثانوي للعلاقات الاجتماعية  لكنه يتحول من دون أن نشعر إلى بديل عن التفاعل الاجتماعي الحقيقي،  فالنتيجة تراجع كبير للعلاقات الحميمة، فالفيسبوك تحول إلى ركيزة أساسية في علاقتنا، والخروج منه على حد تعبير أحد الصحفيين، كمغادرة المدينة والعيش في قرية نائية، فمن ينتقد الفيسبوك كأنه ينتقد حياة اجتماعية بحد ذاتها أو ينتقد التقدم التكنولوجي، رغم أنه مجّرد موقع".

ولا يُنكر الكاتب ايجابيات الموقع بفتح آفاق العالم على بعضه، لكن السَطوَة التي بدأ يمارسها على أبعادنا كبشر من خلال العلاقات، وأخذه منّا أكثر ممّا يُعطينا، باتت تتطلب وضعه تحت المجهر وفق دراسات نقديّة.

خلاصات غير مفاجئة !
في بعض الأبحاث التي ذكرها الكاتب مثل بحث البرفيسور شيري توركل في كتاب" وَحّدَنا معًا، لماذا نتوقع المزيد من التكنولوجيا، والقليل من بعضنا البعض"، تستخلص الباحثة من خلاله وعود التكنولوجيا الكثيرة بتعزيز التواصل الاجتماعي، هي التي تجعلنا واقعيّا أكثر وحدة وتوتر وتقول " نحن نتطلع إلى التكنولوجيا لملء الفراغ، لكن كلما تقدَّمت التكنولوجيا كلّما تراجعت حياتُنا العاطفية والاجتماعية".

وفي أحد العبارات التي ذكرها طوني أن أحد الصحفيين الأجانب قال " الفيسبوك هو وسيلة تقوم على تركيز الانتباه على  الجزء الأكبر من انتباهنا على أنفسنا من خلال علاقتنا مع الآخرين، إنها مرآة تتنكّر على أنها نافذة".

وما  تتحدث عنه العبارة التي اقتبسها الكاتب عن مدى استخدام الموقع في إثبات مدى الرضى عن النفس من خلال الآخرين وصداقتهم، فنحن نقوم بتجميع الأصدقاء والإعجاب بما يكتبون ونحن لا نعرفهم حقا، وليس بيننا رسالة واحدة، لنرضي نفسنا، ويصف الكاتب الوصول الأخير لهذه العلاقات بالأرقام  والأقنعة التي نرتديها ولا تعّبر عنا كأشخاص، والسبب الجذري لكل تلك المشاكل يرجعها الكاتب إلى "التَسطيح"، فعلاقة إنسان بإنسان هي شيء، وعلاقة الصورة بصورة هي شيء آخر، فالعديد من المستخدمين يعتقد نفسه صديقا حميما لأحدهم مجرد أن وضع له تعليقا وغازله بصورة له نشرها وهو في مطعم فخم، وهو غير ذلك واقعيا، والحصيلة مزيدا من التوتر والشلل الاجتماعي، والسطحية في التعامل مع الآخرين.

وتختزل كاتبة أمريكية سبب تركها للفيسبوك "عالمي بالفعل هو أصغر الآن لكنه أكثر عمقا".

الأخ الأكبر!
يؤكد الكاتب فرضيته في زيادة تعاسة الإنسان باستخدامه الفيسبوك، من خلال مقال نُشر على مجلة علم النفس الامريكية " Psychology Today" تحت عنوان " مغادرة الفيسبوك قد تجعلك أكثر سعادة"، تحدث المقال عن بحث شمل  425طالب جامعة في الولايات المتحدة، لخص إلى أن الذين يقضون وقت أطول على الفيسبوك هم أكثر تعاسة من أقرانهم.

والسبب الرئيسي الذي لخصت إليه النتائج إلى مشكلة المقارنة الاجتماعية من خلال نشر الإنجازات والمفاخرة المادية والاجتماعية وغيرها، والمقارنة مع الآخرين، كما يعلم كل طلاب علم النفس بأنها السبب الأساسي للتعاسة.

وفي خلاصات أُخرى للكاتب في إثبات زيادة تعاسة المستخدم، هو تحويل الفيسبوك إلى "الأخ الأكبر"، من خلال انتهاك خصوصيتنا، وتحويلها إلى أموال لصالح الشركات وأجهزة الإستخبارات، لأن الفيسبوك ببساطة يمتلك الحق في التصرف بأية صورة أو كلمة نقوم بنشرها حتى بعد محوها، وهذا انتهاك بحق نفسنا في عالم الحريّات والإنسانية.

لتصبحوا أقل تعاسة...
دخول الكاتب في معضلة تأثير الفيسبوك على الثورة، وأبعاد ذلك التأثير بدت كأنها صورة مختزلة لا ترجّح سلبية أو ايجابية هذا التدخل، بقدر ما تعطيه مساحة إضافية لمزيد من التحليل بقدر يجعل "الثورجي" متّزن بين حائط الفيسبوك وساحات الثورة.

فيرى الكاتب أنه من المبكر الحديث عن الفيسبوك بأنه خُمرة التغيير، وفاتحة حريات الرأي والتعبير، فهو في الكثير من الأماكن يكون التأثير فيه عكسيًا، يمارس السطوة على الفرد بدلًا من أن يعطيه صوت، يتشرذم بالرأي بدلا من أن يصنعه ويعطي المدمن الالكترونية صوت أعلى، الفيسبوك قد يساعدنا في صنع ثورة، لكنه أيضا قد يُجهضها قبل أن تولد".

ومن التغيير الثورجي على أنظمة الاستبداد، ينتقل الكاتب إلى الثورة على الذات وتغييرها، عن طريق الدعوة إلى عدم استخدام الفيسبوك.
فيختتم أخيرا سلسلة مقالاته بقوله " إذا كنا مقتنعين بأن أثر الفيسبوك سلبي على حياتنا، فليس من المنطقي أن نبحث عن بدائل الكترونية، فالمسألة ليست تتعلق باسم أو لون الموقع، بل تتعلق في الموقع ذاته، ووضع ابتسامه على الفيسبوك لا يحّرك أي عضلة في الجسم، أما الضحك مع الأصدقاء فيحرك عضلات القلب واحدة واحدة...

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.