أيتها الفكرة العظيمة، ماذا حلّ بكِ ؟

مهرجان المشمش

إن التأكيد على أن وراء كل انجاز عظيم فكرة وان كبرى الاشجار في العالم هي ايضا في أصلها بذرة لخير دليل على أن الاشياء تبدأ صغيرة وتكبر حتى تصبح معالم وانجازات يستمتع بها ويتغنى بها البشر جميعا، وهذا يقود إلى فكرتنا التي بدأت في الثمانينات من القرن الماضي وأخذت تترعرع في كنف نادي جفنا حتى لامست كتفها السماء.

بنت الاربع وعشرين ربيعا مشمشيا كبرت وأصبحت كعروس يلبس كل عام مع بزوغ شهر حزيران، اجمل صرخات الموضة وتتزين البلدة معها من اجل ذكرى عزيزة حفرت عنوانيها في قلب كل شخص احبها وترعرع وكبر معها وحماها من الريح والاعصارات. استحقت لقب المستكاوي الجفناوي وارتبط اسمها بهذه القرية الوديعة الطليعية الى ان أضحت نموذجا يحتذى، ففي أكثر من مكان في فلسطين صرت ترى عناقيد للفكرة بمسميات متنوعة تزيد من جمالية المكان. كانت امنة مطمئنة تترعرع في كنف عائلة احبتها كثيرا وبذلت الكثير وتعبت من اجلها لكي تكبر.

إلا ان قرار هذا العام في عدم ممارسة الطقوس الاحتفالية لإقامة مهرجان المشمش كان له اثرا كبيرا وألما صامتا تتحسر له النفوس وتنتحب له القلوب. وكان ما كان. لم نشهد الاستعدادات كما عهدناها منذ بداية العام تحضيرا لهذه الفكرة حيث ترى الشباب والشابات كخلية النحل كل له دور ومهمة يتسابقون عليها. شعرت باليتم، كل شيء توقف، نعم توقفـ. لم تعد تسعفه التسويفات والتعهدات كأنها مؤامرة احيطت بالفكرة من كل الجوانب ولم تعد تقدر على التنفس.

لا اخفي على احد صعوبة لملمة بعض المفردات للتعبير عن حالتي لأنني التصقت بالفكرة منذ ولادتها، لقد كنا صغارا انذاك وأصبحت جزءا اصيلا من ثقافة هذا البلد الصغير. بدأ المشوار بخطوات طفل يتلمس طريقه الا أن ترعرعت وكبرت فينا الفكرة وأصبحنا نكرّس الكثير من الجهد والوقت من اجل تثبيت هويتها وحفر بصماتها في التاريخ.

لم يرق للبعض ان يرى ذلك الجمال ولا يعبث به،، ففي نظره اعتبر حلالا لا بد من قطفه

لم يرق للبعض ان يصمد امام هذا الانجاز العظيم،، فكان لا بد من النخر ثم النخر ثم النحر

لم يرق لأصحاب النفوس المريضة والتي تخاف النور،، فكان لا بد من ان تجاهد لتنسف تلك المنارة

فمع مطلع العقد الثاني من هذا القرن، بدأت العديد من النفوس في التحرك من اجل مجابهة الفكرة والحرص على ألا تكبر اكثر من اللازم، كل له مبرراته: فمنهم من رأى في ذلك مخالفا لما يعتقد، ومنهم من رأى ذلك مخالفا لما لا يحتمل ان يراه من انجاز لغيره، ومنهم اكلته الغيرة ومنهم اكلته الحسرة ومنهم ومنهم ومنهم.
لم يكن خافيا على منظمي المهرجان هذه التحديات والمخاطر فقد وضعت خطة بديلة لمنظمي هذا المهرجان من اجل مجابهة التيار والعواصف الكثيرة المتدحرجة وبدأوا يجندون اموالا يفترض ان تكون من اجل تطوير الفكرة حيث صرف اكثر من ربع مليون شيكل في الاعوام الثلاث الماضية من اجل حماية الفكرة ضمن ما بات يعرف بالحماية الامنية حيث اتخذت الاجراءات والتدابير زيادة الاعداد البشرية وكذلك وضعت المؤسسات الامنية والحكومة وما يسمّى بالممثّلين، وهم كذلك، الخطط الذكية للحيلولة دون وئد تلك الفكرة فتمخضت فولدت فأرا، لا بل زاد الطين بلّة.

لم تفلح الجهود في درء العواصف ولم تعد تجليات الفكرة تظهر كما كانت حيث هبط مستواها الى ادنى من تحقيق اهدافها وهكذا قررت الفكرة نفسها ألا تظهر هذا العام للحفاظ على صورتها الجميلة وعدم تشويشها مسجّلة استنكارا شديد اللهجة واحتجاجا جامحا لما ينسج ويساق لها.

ماذا حل بك ايتها الفكرة العظيمة؟ لقد كنت فرصة ونافذة للحياة، لقد كنت املا للحيوية، كنت عاشقة للروح، والاستدراك هنا ضروري، لا بل انت الروح!

ولأنك كبيرة وأصيلة فربما نقبل اعتذارك هذا العام فقط،

لكننا حتما سنراك غدا وإنّ غدا لناظره قريب.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.