عن صديقتي الجنرال وحرث الجمال

طوني خليفة

تناوشتني الصديقة ناهد أبو طعيمة أنا والزميل فادي العاروري بمنشور طويل عبر صفحتها على الفيس بوك تنتقد فيه تأييدنا للصحفي طوني خليفة حول موقفه من المؤسسات النسوية اللبنانية ودورها في الحراك المجتمعي في لبنان الشقيق، وهو ذات الحراك الذي تقوم به المؤسسات النسوية الفلسطينية، إن لم يكن ( أسخم) من ناحية الهرولة وراء التمويل، وصراع المناصب، والشقاق فيما بينها، وإغتراب العديد من برامجها عن واقع المرأة وحاجاتها الحقيقية. وللأمانة فقد أديت موقف خليفة لأن به الكثير من الصدق وتشريح هذا العمل، ومحاكاته ومحاكمته في الصميم.

أذكر أخر مرة ألتقيت فيها بالصديقة أبو طعيمة ( قد تغضب الآن لأنني أنعتها بإسم عائلتها الذكوري) تعاملت معي بحدية وكأنها تريد مقاطعتي بسبب منشور سابق لي عن المؤسسات النسوية الفلسطينية، وعاتبتني لأنني حسب رأيها ( بطل هناك مواضيع تكتب عنها غير المؤسسات النسوية)، وفي الحقيقة فاجأني موقفها جدا، وإستغربت حدة تعاملها لدرجة أنني أجبتها ممازحا ( ناهد.. كأنك مثل الجنرال الناطق بإسم أجهزة الامن... يفرح إن كتبنا عنهم وعن انجازاتهم، ويثور وياخد منا موقف ونصبح خونة وأعداء للوطن).

لعل السؤال الأبرز الذي يطفو على السطح الآن، في ظل كل المتغيرات الفلسطينية والعربية الجارية الآن: ماذا تفعل المؤسسات النسوية الفلسطينية، وكيف تنفذ برامجها، ومن تستهدف تحديدا؟؟ ولعل التركيز الأكبر يجب أن يكون على سؤال محوري أكثر أهمية يتمثل في: كيف يتم فحص نتائج هذه البرامج، وهل حقا تؤثر وتغير في المجتمع؟

شخصيا ( ومن خلال تورطي مع المؤسسات النسوية الذي حاولت ناهد أن تتهمني به بمنشورها المشار إليه ) أستطيع أن أعد وأحصي دراسات التغذية الراجعة، والتحليل الحقيقي لمشاريع هذه المراكز، والتي لا تغني ولا تثمر ولا تؤسس لأي فعل حقيقي، أو تراكم يؤسس في حرث حقيقي مستمر يمكن أن نصفق له، ونبني عليه في مقابل مئات والأف المشاريع والمسميات التي تنطلق من هذه المؤسسات. وإن قررت أن أكتب عن عما عايشته ورأيته وحاولت تغييره في هذا التورط لما أتسع لذلك مقالي هذا من محاولة أقصاء الشباب والشابات، واستغلالهم في برامج وهمية من تدريب وورشات وسفر ( يكون في مجمله لأصدقاء وصديقات مسؤولين ومسوؤلات في هذه المؤسسات)، ورحلات وما شابه، أو إهدار المال بطرق مختلفة في الفنادق والمواصلات والمكافآت التي لا داع لها. ولعل هذا ليس حالة إستثنائية في حرث المؤسسات النسوية، بل أنه حالة عامة في معظم المؤسسات الأهلية والرسمية الفلسطينية، وبالتالي لا يمكن لنا أن نفكر في ( تقديس) المؤسسات النسوية وإبعادها عن الحالة الفلسطينية وربما العربية العامة.

وهنا يمكن أن أستثني وبشدة المؤسسات النسوية القاعدية في الأرياف والمخيمات.... هذه المؤسسات التي تنأى بنفسها عن صراعات التمويل والسفر، وتحاول بصدق تام أنا متورط فيه حد النخاع في تطوير واقع المرأة ورفع قيمتها عبر مشاريع تشغيلية وإنتاجية تكون المرأة فيها محورا حقيقيا في البناء والصمود والتغيير الإجتماعي. ولعل عملي مع هذه المؤسسات في سلفيت وجنين وطوباس والخليل وأريحا عمل أفخر به، وأعمل دوما على ترويجه بمختلف الطرق والوسائل. وهو التورط الحقيقي الذي يؤسس لحرث تراكمي قيمي.

أطلب من الصديقة ناهد أن تجيبني عن الأسئلة المفتوحة التالية:
- كم عدد المؤسسات النسوية الفلسطينية؟ وهل تتفق جميعها على ذات المباديء والقيم؟
- لماذا لا يتشكل إتحاد كامل من هذه المؤسسات موحد في القيم والرؤى؟
- لماذا تحارب المؤسسات النسوية بعضها البعض، وتقدم معلومات مغلوطة عن بعضها البعض
- ما هي الرسالة الحقيقية لكل هذه المؤسسات؟
- ماذا يفعل البيت الأمن، وهل حقا يحمي الفتيات والنساء؟ ولماذا الصراع الكبير على إدارة هذه البيوت، وطريقة عملها بين هذه المؤسسات، وكيف تغادر النزيلات البيت الآمن بعد إنتهاء فترة مكوثهن فيه وإلى أين؟
- هل يتم فعلا تطوير القدرات والمهارات الحقيقية للنساء عبر هذه المؤسسات الكبرى؟
- هل يتم فعلا توظيف المهارات الجديدة لدى المتطوعين الشباب في هذه المؤسسات؟
- هل النساء العاملات في هذه المؤسسات قادرات فعلا على إحداث التغيير، وهل ما يمارسنه في عملهن يمارسنه في بيوتهم؟؟؟
- هل ساهمت هذه المؤسسات بتخفيف وتيرة العنف الأسري؟

صدقت الزميلة ناهد حينما كتبت أن الراقصات أكثر صدقا من غيرهن، وصدقت حينما راهنت على وضوحهن وإنتمائهن للمجتمع، فالمجتمع، والتغير الثقافي الأيدلوجي لا يحتاج إلى جنرالات يتوجب علينا أن نصفق ونضرب التحية لهم فور رؤيتهم، وأن نبارك أفعالهم مهما كانت فقط لأنهم جنرالات. ولا أن نثني على عملهم ( الذين يتقاضون راتبا عليه) لمجرد أنهم يعملون في وظائفهم فقط.

إن تغيير الوضع السائد، لا يحتاج فقط إلى نظريات ، وورشات عمل، وسفر للأصدقاء... والحرية تتجاوز حدود المدينة... نحن بحاجة حقيقية لعمل نسوي مبني على الحاجة وتطوير النظم الإنتاجية للمرأة، ومنع إغترابها في برامج مؤقتة قائمة على التمويل ورغبات الدول المانحة.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.