في ذكرى النكبة قضية مستمرة وتحديات كبيرة

النكبة

يحيي الشعب الفلسطيني في الخامس عشر من مايو

من كل عام ذكرى النكبة, ليؤكدوا تمسكهم
وحقهم بالعودة إلى ديارهم وأرضهم التي
هجروا منها وإن طالت سنوات اللجوء في مخيمات
الشتات على مستوى العالم, وإيماناً منهم
بعدم التنازل والتفريط وإسقاط عن هذا الحق
مهما توالت السنين وتعددت الأجيال, فحق
العودة لا يسقط بالتقادم, تحل الذكرى
السابعة والستين للنكبة في ظل بيئة محلية
مضطربة منقسمة وبيئة إقليمية ودولية
متصارعة, إلا أن حلم العودة راسخ وثابت لدى
كافة أبناء الشعب الفلسطيني.

كانت البداية حينما عُقد المؤتمر الصهيوني
الأول في مدينة بازل بسويسرا عام 1897, ودعا
خلاله ثيودور هرتزل بإنشاء وطن قومي لليهود
في فلسطين, لتتوالى الهجرات اليهودية إلى
فلسطين من أجل تحقيق ما دعا إليه المؤتمر.

كما كان لبريطانيا الدور الرئيسي في
التخطيط لمشروع تقسيم فلسطين منذ اللحظة
الأولى لاتفاقية سايكس بيكو مروراً بتصريح
بلفور ومؤتمر سان ريمو وكافة اللجان التي
شكلتها في سبيل امتصاص غضب الشعب الفلسطيني
جراء ممارساتها وسياستها القائمة على تشجيع
قدوم اليهود والإقامة في فلسطين ودعمها
للمشروع الصهيوني, فأول تلك اللجان كانت
لجنة هايكرافت وما تلاها من صدور الكتاب
الأبيض الأول, و"لجة شو", وصدور الكتاب
الأبيض 1930, وصولاً إلى "لجنة بيل" وخطة
التقسيم, ومن ثم الكتاب الأبيض 1939, و"اللجنة
الأنجلو – أمريكية", ومؤتمر لندن الثاني 1946,
إلا أن تم تدويل القضية الفلسطينية
وأحالتها إلى الأمم المتحدة, وصدور قرار
التقسيم 1947, وبدء بريطانيا للانسحاب من
فلسطين دون التنسيق مع الأمم المتحدة لتكمل
انسحابها في الخامس عشر من مايو 1948, بعد أن
مكنت الحركة الصهيونية من السيطرة على
الأراضي والمناطق التي استولت عليها,
تمهيداً لإقامة دولة إسرائيل, وبذلك تكون قد
نفذت مخططها, بإعطاء حق لليهود والحركة
الصهيونية في فلسطين (إعطاء من لا يملك لمن
لا يستحق).

مُنذ أن أُعلن عن قيام إسرائيل يتعرض الشعب
الفلسطيني لأبشع عمليات البطش والإرهاب
والغطرسة من خلال عمليات القتل والتنكيل
وارتكاب العديد من المجازر, والاستيلاء على
الأراضي وطرد وتهجير السكان الأصليين من
أراضيهم ومنازلهم وإحلال اليهود بدلاً
منهم, والسعي الدائم لتهويد الأرض والأماكن
والمقدسات, لطمس الهوية والثقافة العربية
للشعب الفلسطيني ونزع الانتماء للأرض,
والتنكر لكافة حقوق الشعب الفلسطيني. فشهدت
فلسطين منذ اللحظة الأولى للاحتلال واندلاع
الحرب موجة هجرة كبيرة حينما اضطر الآلاف من
الفلسطينيين ترك ديارهم للنجاة بأرواحهم
وحماية لأنفسهم واللجوء إلى مناطق الضفة
الغربية وقطاع غزة وإلى العديد من دول
الجوار العربي, لتبدأ معها فصول من المعاناة
مازالت مستمرة منذ سبعة وستون عاماً, إلا أن
الشعب الفلسطيني مازال متمسك بحق العودة
ويواصل النضال والصمود والتصدي لكافة
المخططات الساعية إلى تهجيره من أرضه ووطنه
ومن مخيمات اللجوء المتواجد بها.

لقد توالت القرارات الدولية الصادرة بحق
اللاجئين الفلسطينيين والتي تدعو للتوصل
لحل عادل لقضية اللاجئين والتي كان أشهرها
اصدار مجلس الأمن القرار رقم 194 والقرار رقم
242 والقرار رقم 338, ولكن دون الإشارة إلى حق
العودة والاكتفاء بإيجاد حل عادل لقضية
اللاجئين, دون أن يكون هناك موقف رسمي وعلني
وواضح من قبل المجتمع الدولي إزاء قضية
اللاجئين. فقد شكلت قضية اللاجئين جوهر
الصراع العربي – الإسرائيلي وجوهر القضية
الفلسطينية, فمنذ أن بدأت عملية السلام بدءً
من مؤتمر مدريد وما تبعها من اتفاق أسلو
وغيرها من المؤتمرات, لم تحظى قضية اللاجئين
بالاهتمام من قبل المجتمع الدولي ولم يتطرق
إي منها للقضية إلا في حدود إيجاد حل عادل
وتأجيلها لقضايا الحل النهائي بين الطرفين
الفلسطيني والإسرائيلي, في ظل استمرار
الرفض الإسرائيلي بحق العودة والتوصل لحل
لقضية اللاجئين من منطلق التخوف من إحداث
اختلال في الميزان الديمغرافي والقضاء على
المشروع الصهيوني وتبدد حلم الدولة
اليهودية, وبالرغم من ذلك تتمسك القيادة
الفلسطينية وكافة الفصائل بحق العودة لكافة
اللاجئين دون تقديم أي تنازل في مقابل حل
القضية, لاعتبارها من القضايا المركزية
والثوابت الأساسية, والتي لا يمكن إخضاعها
لأي مساومات أو مراهنات, فلا حل للقضية
الفلسطينية بمعزل عن حل قضية اللاجئين.

تتعرض قضية اللاجئين للعديد من التحديات
ومخططات التصفية, فالمساعي الإسرائيلية
المستمرة بإقامة دولة يهودية وطرحها للعديد
من المشاريع الرامية إلى توطين اللاجئين في
الدول العربية التي لجأوا إليها, والإهمال
والمعاناة المستمرة وصعوبة الأوضاع
الحياتية التي يعيشها اللاجئين في مخيمات
اللجوء مع قلة فرص العمل والعلاج والتعليم,
والمحاولات المستمرة لزج مخيمات اللجوء في
المشاكل الداخلية كلبنان, واستهداف مخيم
اليرموك في سوريا من قبل النظام والجماعات
الإرهابية وفرض حصار ظالم, إلى جانب
التغيرات الجارية في منطقة الشرق الأوسط
والاهتمام والانشغال من قبل القوى
الإقليمية والدولية بتأمين مصالحهم, وما
أفرزه الانقسام الفلسطيني من نتائج كارثية
وتداعيات سلبية, من تراجع في فاعلية وحيوية
القضية بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل
عام, فإن كافة تلك التحديات تجعل قضية
اللاجئين في خطر.

وأمام هذا الواقع وتلك التحديات في ظل
استمرار التعنت والتنكر الإسرائيلي لكافة
الحقوق الفلسطينية, والضرب بعرض الحائط
لكافة القرارات والمعاهدات والتشريعات
الدولية, والاستمرار في السياسة
الإسرائيلية الإحلالية القائمة على تفريغ
الأرض من سكانها الأصليين واستبدالهم
باليهود, وفي ظل حكومة إسرائيلية يمينية
متطرفة مستمرة في سياسة فرض الأمر الواقع,
وفي ظل تعثر عملية السلام وعدم التوصل لحل
عادل وشامل للقضية الفلسطينية, ومع مرور
الذكرى السابعة والستين لذكرى النكبة
واستمرار الانقسام الفلسطيني, يتطلب من
القيادة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية
الوقوف أمام مسؤولياتها التاريخية
والوطنية والسياسية والقانونية من أجل
تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية وطي
صفحة الانقسام والاتفاق على برنامج وطني
شامل, وبلورة استراتيجية وطنية للتصدي
للمؤامرات التي تحاك ضد المشروع الوطني
الفلسطيني الهادفة إلى إنهاء القضية
الفلسطينية, والاستمرار بالتمسك والتأكيد
على حق العودة وعدم التنازل مهما بلغت
الضغوطات والتحديات, وذلك بالانضمام للمزيد
من المعاهدات والمنظمات الدولية, والمضي
قدماً في حشد التأييد الإقليمي والدولي
لإعادة فاعلية القضية الفلسطينية, والتوجه
لكافة المحافل الدولية وتحديداً مجلس الأمن
لإصدار قرار بإنهاء الاحتلال والاعتراف
بالدولة الفلسطينية المستقلة, لتكون الخطوة
الأولى في طريق العودة وإنهاء معاناة أكثر
من خمسة مليون لاجئ.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.