تراتيل الرحيل

جلس بجانب أريكته بعد أن رمى معطفه عنه جانباً اللذي أشعره بالثقلِ تماماً كثقلِ جبلٍ على أمل، أشعلَ سيجارتهُ من علبة التبغِ التي لم يتبقى منها الا ما أشعلها بكلتا يديه، تلفتَ ناظراً لجهة اليمينِ من خلال الشباكِ المطلِ على واحتهِ التي تكاد تخلو من أي شجرة  أو وردة أو حتى عشبة صغيرة، ناظراً فقط، دون أدنى حركة تدل على أدنى دليلٍ على سريان أي دمٍ في جسمه، حرك يده اليسرى التي يمسك بها سيجارته كعادته، عبَ من دخانها ما كان يريد أن يشعره بالاختناق، ثم عبَ مرة أخرى ونفثه من فمه لأعلى، لأعلى لأعلى ثم أخذ يتلو على نفسه ما كان أعده سابقاً لنفسهِ فقط لتكون منولوجه الداخلي الخارجي مخاطباً حسه الداخلي وخموله الخارجي:
- يجب أن أغادر، ما كان أصلا يجبُ على البقاء ها هنا، بمذا كنت افكر عندما قررت البقاء ها هنا، لمذا كنت اريد ان ابقى هنا ؟؟
- ثم لو ذهب مذا سيتغير، لا شيئ انا اعلم علمي بلون قلمي الأزرق الان ان لا شيئ، لكن كان من الممكن ان يكون قراراً يلوح بما نسميه وفقاً لقاموسنا المحكي ب " فشة غل ".
- يجب علي ان انفث غبار التصاقي بهذه الأرض، هي ادنى ما تكون الى واحتي التي انظر منها الان، قفراءَ صفراءْ ؟؟؟
- اه الهي اه الي هل هذا ما اعددتهُ لي ولنا، هل هذا ما كنا نريد؟؟
- أنا ولا أحد سواي من كتب لي ما حصل، لم يقرر أحداً عني نيابة عن الدهر العجوز وعن تخاذل الدنيا علي لا أحد لا أحد.
لا زال اغترابي يسري مني مسرى دمي، وأنا الان في العقد العاشر من عمري ولا زلت أندب تلك اللحظة التي جائتني بها تلك الفرصة الذهبية ولمرة واحدة ووحيدة بالبقاء في وطني.
سمعتهُ على حينِ غرة يتمتمُ شعراً علمتُ فيما بعد قائله :" اه يا جرحي المكابر، وطني ليس حقيبة وأنا لستُ مسافر".
 

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.