الدروس الخصوصية...موضة عصرية

الدروس الخصوصية

"الدروس الخصوصية" رؤية تحليلية

في الآونة الأخيرة وبالتحديد في الخمس السنوات الماضية وحتى هذه اللحظة انتشرت ظاهرة الدروس الخصوصية، وإن حق القول بانها ظاهرة إنما يدل على كثرة انتشارها وتداولها بين الناس. بل أصبحت كالموضة العصرية لها سوقها وزمنها الخاص، في بداية ظهروها كانت تختص بالطلاب ضعيفي التحصيل أما هذه اللحظة أصبحت تشكل الملاذ الأول والأخير لتوصيل المعلومات للطلبة، في هذا المقال أتحدث عن هذه الظاهرة بسلبيتها فقط، فماهي العوامل التي أدت إلى انتشارها بسرعه، وماهي آثارها، وأخيراً الحلول المقترحة لتفادي هذه الظاهرة.

العوامل النفسية والاجتماعية، وهي العوامل المخفية غير المباشرة والتي قد لا يتوافق ولا يعترف بها الناس، منها الطاعة العمياء، بما أن الدروس الخصوصية كأي ظاهرة جماعية ترتبط بجماعة وثقافة أصبح على الفرد الذي يتبع جماعته وأن يتحلى بكل صفاتها وخصائصها، وكما صرح غوستاف لوبون في طرحه في علم نفس الجماهير بأن الأفراد عندما يتبعون جماعة ما تنمحي شخصيتهم الذاتية في هذه الجماعة ويصبح الاقتداء بأي أقوال أو أفعال ممكناً جداً دون الوعي بآثارها السلبية إلا أنه ذاتياَ وشخصياً غير متفق، وإذا ظهرت آثار سلبية فإن الأفراد يتبرءون من المسؤولية، وبالضبط تتماشى ظاهرة الدروس الخصوصية مع هذا الطرح، فالطالب الذي يجد نفسه الوحيد الذي لم يأخذ الدروس الخصوصية وباقي أصدقائه العكس ربما قد يتضايق ويشعر بالراحة إذا أصبح على ماهم عليه. ينقل الطالب شعوره بالمضايقة لذويه وبالتالي يقوم الوالدين بالاتفاق إذا رأوا أن أغلب الأسر تسير مع هذه الظاهرة، دون التطلع إلى الحاجة الفعلية لابنهم في أخذ حصص دروس إضافية.

الاعتقادات والظنون  : يظن الطالب ما أن لم يسلك درب الدروس الخصوصية سيبقى متأخراً في التحصيل الأكاديمي وأن باقي الطلاب سيسبقونه حتماً، إلا أن حتمية هذه الدروس لطالب ضعيف في مادة معينة بعيدة عن الشكوك والظنون يعتبر من القوى المساعدة في تطوير وتحسين مستواه، أما طرحي يتعلق بالطالب ما أن يستريح من تعب المدرسة أراه يحمل حقيبته مساءاً مرة أخرى على ظهره ويجوب بها الطريق لمعلم الدروس الخصوصية الذي لا يوجد لديه مانع في تدريسه كل المواد .

وهذه الظنون تشمل الوالدين أيضاً فيظنون أن طفلهم ضعيف وأنه بحاجة ماسة إلى الدروس الخصوصية ويظهرون ذلك بالاهتمام وتوفير كل الوسائل لطفلهم التي تمده بالمعلومات دون أن تتركه ليخوض تجاربه الشخصية في حل المسائل الرياضية مثلاً. وهذا الظن مقلق ومظلم ولا يعترف به الوالدين بل يعترفوا باهتمامهم الظاهري.

إن الاعتقادات والظنون هي بمثابة إبر مخدرة لاعتراض العقل الباطني وعدم موافقته على هذا التصرف فيؤمنوا بشكل تام بنجاحها وفعاليتها، بالتالي يطلق الفرد مجموعة من الظنون  ليضحك بها على العقل الباطني فيسكت.

المساءلة والمواجهة المجتمعية: فالمعلم الذي يسأل طلابه من يأخذ دروساً قد يشكل نقطة محبطة والشعور بعدم الارتياح لمن لا يداوم بالدروس الخصوصية، فلا يهدأ له بال إلا بعد أن يصبح مثل أصدقائه حتى يتجنب هذا الشعور مرة أخرى.

اعتبارها بديل ضمني: اعتبار الدروس الخصوصية بديل مخفي غير مباشر لاستكمال الأهداف أو الشعور بالراحة والتكاسل، فالمعلم الذي يوقن جيداً أن طلابه يأخذون الدروس الخصوصية، أصبح لا يوجد لديه الدافع لتوصيل المعلومة بشكل جيد جداً لطلابه، وبعض الأحيان ترى إحدى الطلاب يسأل المعلم سؤال ذكي استمده من الدروس الخصوصية أو يحل سؤال بطريقة عبقرية، وبشكل تلقائي يشعر المعلم أن لا حاجة لتوصيل المعلومة او التعب في الشرح، وهذا يظلم طلاب آخرين.

وفي المقابل المعلمين الذين يدرسون هذه الدروس الخصوصية أصبح لديهم بديل يضمن لهم لقمة العيش بعد عنائهم في البحث عن عمل تحت سقف البطالة و المحسوبية.

صعوبة المناهج والاستقواء على الطلاب : عندما بزغت هذه الظاهرة على أرض الواقع كان الطلاب يذهبون ويخجلون إذا أحد رآهم لأنه من يأخذها يعني أن لديه ضعف في المواد، أما حالياً الطلاب على مختلف مستوى تحصيلهم، ومختلف مستوى درجتهم في الصفوف يأخذون الدروس، لما أرهقتهم قوة المناهج الرسمية  وزخمها فيتجه المعلم صوب الطريقة التلقينية في أسلوبه التدريسي الجف، ونتيجة كثرة عدد الطلاب في الصف الواحد، قد تتخافت فكرة أو طرح معين ونتيجة كثرة عدد الطلاب كذلك، ترى هنالك طالب خجول وطالب متكلم ذو شخصية متمردة وآخر عنيف وغيرهم مما يشكل حاجز يصد الطالب الخجول عن المساءلة والاستفسار، أو قد لا يتيح المعلم وقت مخصص للاستفسارات مما يشكل عقبة في نفسية الطلاب لعدم تشجيعهم على الاستفهام أكثر، فيروا في الدروس الخصوصية ما يشبع حاجاتهم في الاستفهام، ونظرأ لأن الطالب قد يتاح له المجال أن يسأل ويستفسر أكثر لأنه ببساطة يدفع للمعلم.
  
  إن كثرة الدروس الخصوصية تشكل في نفسية الطالب التبعية وعدم الاستقلالية وسهولة الانقياد، تعتبر هذه من أقوى الآثار السلبية وذات أثر بعيد المدى يمتد لحياة الطالب حتى عندما يكبر ويتخرج ويؤسس حياته الشخصية والمجتمعية، إن الطالب الذي يذهب من المدرسة إلى البيت وبعدها إلى الدروس الخصوصية يتشكل لديه منفذ سهل وسريع وحل ذهبي لواجباته ومهماته الملقاه عليه والتي لابد له أن يتعب ويجد ويجتهد ليحل بنفسه، عندما تصل للطالب كل الأجوبة والاستفسارات بسهولة هكذا تنشأ لديه صفة التعويد، فيتعود على الحصول على الأشياء من غير جهد أو تعب بل يصبح تابعا للطلاب المجدين في الجامعات، وضعيف الشخصية لا يوجد له رأي قوي في حياته المستقبلية.

ضياع وقت الطالب الثمين، يصبح جدوله اليومي متخبط بعد ذهابه إلى البيت فيكون على استعجال في الحصول على الوقت ليرتاح ويأكل ويذهب سريعاً للدروس، وبعد ذلك لا يرجع الطالب الى البيت ليدرس وحده وربما قد أنهكه التعب بسبب جهده المتواصل،  قد تلغي هذه الظاهرة قيمة استغلال الوقت بشكل جيد.

ارهاق الأسرة مادياُ ومعنوياً، إن تواصل هذه الدروس يشكل ارهاقا ماديا يصل به المبلغ لمئات الشواقل ومن الأولى أن تحصل عليها العائلة، الإرهاق المعنوي يتمثل في ارتفاع حدة المشاكل بين الوالدين بسبب الدفع المادي، أو أن لا يتحسن الطالب في تحصيله .

عدم التفاني بالعمل عند بعض المعلمين: بعضهم في المدارس لا يعطون الطلاب حقهم في الشرح وتوصيل المعلومة كونهم يعلمون من البداية أن الطلاب يأخذون الدروس فلماذا لا يقلل من جهده، هذا ما يراه المعلم، أذكر مرة جائتني أم لطفل تسأل عن تأخر ابنها في التحصيل كي أساعدها في توجيهه بعد طرحي أسئلة كثيرة عليها سألتها هل ذهبتي إلى مرشد الطلاب في المدرسة؟ قالت: نعم ذهبت وحالما شكيت له قال لي ابنك يأخذ دروس خصوصية؟ وكأن نجاح وتفوق الطالب هو على عاتق معلم الدروس الخصوصية وليس معلم المدرسة!!

ولابد من ذكر الحلول المقترحة لتفادي هذه الظاهرة، إن شعلة تحقيق التقليل من هذه الظاهرة تبدأ من الأم والأب أنفسهم، بتغيير الفكرة السائدة المغشوشة التي باءت تتجذر في فكرهم وتطبيقهم، بالاقتناع التام أن هذه الدروس ماهي إلا اهدارا للوقت والمال، طالما يروا أن طفلهم باستطاعته أن يدرس وحده ولا يعاني من أي صعوبة أو ضعف.

تغيير فكرة الأم والأب عن طفلهم بأنه بحاجة إلى الدروس الخصوصية  وبتصور آخر تغيير فكرتهم أن طفلهم ضعيف، تغيير صورة أن الطالب لكي ينجح لايجب عليه أن يمر بعقبات من الممكن أن ترسبه، بل كي ينجح لابد له أن يكون مجبولاً بالخبرات والتجارب الايجابية والسلبية، فيتعلم من التجارب السلبية ويقوي نفسه من التجارب الايجابية. وبعد أن تتغير الرؤية الأساسية في فكر الوالدين، يصبح من السهل  تغيير الطفل ايجابياً، قال الله تعالى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" صدق الله العظيم،

تشجيع الطفل نفسياً: في كتاب "قوة التحكم في الذات" يعطي د.ابراهيم الفقي مثالاً على قوة الاعتقاد الايجابي الذي يحقق نجاح الفرد، إن بطل الملاكمة الأمريكي محمد علي الذي كان دائماً يردد: "أنا أعظم ملاكم...أنا أعظم ملاكم" استطاع أن يصل إلى درجة الإمتياز وأصبح من أعظم الملاكمين بسبب قوة اعتقاده بنفسه، وعندما سئل عن سر نجاحاته قال محمد علي: "لكي تكون بطلاً يجب أولاً أن تؤمن وتعتقد أنك الأفضل، وإذا لم تكن الأفضل تظاهر وأنك الأفضل" ليس صعباً أن تشجع الطفل وتقول له بأنه الأفضل، وأنه قوي في المدرسة، بل يحتاج إلى تغيير مسار التوجيه ليصبح توجيه ايجابي مباشر بعدما كان توجيها سلبيا غير مباشر.

قيمة الوقت: توعية الطفل بقيمة وقته، وعمل جدول زمني موضحاً الأعمال التي سيقوم بها الطفل بالشراكه مع والديه، وتخصيص وقت يجلس الطفل بها مع نفسه ليدرس ويحل واجباته بنفسه، واقناعه بأن أي شي يقوم به من تلقاء نفسه يعتبر عندهم قمة النجاح طالما صدر من نفسه، ويشعرهم بالافتخار حقاً.

متابعة الأهل والمرشد لتحصيل الطالب: متابعة الأم والأب لطفلهم سواء في البيت أم في المدرسة يشكل دافعا قويا ومميزا يدفع بطفلهم للدراسة والجد والاجتهاد لينال الدرجات من تلقاء نفسه.

المدرسة والتي قد تتشكل بعدم مساءلة المعلم لطلابه عنها، وأن لا تشكل خلاصا ومنفذا يعطيه الراحة في سير عمله، بل عليه أن يتفانى في عمله ويعطي من جهده قدر ما يستطيع، لأنه من الواجب عليه ذلك ومن حق الطلاب كذلك، وما أجمل أن تبقى صورة المعلم ذات الهيبة "قم للمعلم وفه التبجيلاً... كاد المعلم أن يكون رسولاً" يستحق العناء أن يكون المعلم كما الرسول حقاً وبأقل شيء عدم الاعتراف بنجاح وفعالية الدروس الخصوصية وأن المعلم هو المصدر الأساسي للمعلومات.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.