قتلتُه بقلمي .. ولم يشف ذلك غليلي بعد

تلك هي حياة المحرر الصحفي ..

بعد إنتهاء يوم من العمل الشاق إن لم يكن جسديًا فمن المؤكد أنه سيكون شاق ذهنيًا، ويتراوح ذلك بين يوم وآخر بناءً على الأحداث التي تجتاح عقل المحرر الصحفي دون إذن منه.

بعد يومٍ مليء بالأحداث المؤلمة من قتل أو استشهاد أو اغتيال أو اعتقال أو اغتصاب أحيانًا .. يذهب عقلي بعيدًا جدًا إلى حياة أخرى بل خيال يتصوره عقلي حياة، عندما أمشي في الشارع يخيل إلي أنني لن أصل أبدًا، أكون مستعدة دائمًا لأي حدث مؤلم قد يصيبني كما يصيب أولئك الناس أو دعوني أطلق عليهم لقب " أبطال الخبر"، يخيًل إلي دائمًا أنني قد أموت كل لحظة قتلًا أو في حادث سيرٍ مثلًا ..

ولكن هل تخيّلت إحداكن مرّة وهي تقرأ خبرًا ما أنها قد تتعرض لعملية اغتصاب ومن ثم تقتل فيجدون جثتها بعد أيام وقد حرقت؟

أنا لا أتخيل ذلك بل يؤلف عقلي قصة أخرى أكون أنا الناجية بها، فعندما أحرر خبرًا بطلته فتاة قتلت وشوهت جثتها بالحرق أحيانًا أو بوسائل أخرى تأخذني مخيلتي هناك، إلى القاتل، أتصور فقط أنه يحاول قتلي لكنه لا يستطيع، يسبقه خيالي إلى عملية التنفيذ فأجدني أقتله حتى يفارق الحياة.

بعد لحظات قليلة جدًا يذهب خيالي إلى أبعد من ذلك، فأجدني لم أقتل شخصًا بعينه، بل قتلت مجتمعًا كاملًا .. مجتمع ظالم، قاتل، جشع، يقتل كل فتاة منا آلاف المرات يوميًا، أو على الأقل عند قراءته لخبر بطلته قد قتلت أو اغتصبت ! ينهشها ظانًا أنها المخطئة دائمًا وأبدًا.

هذه هي حياة المحرر الصحفي وقد تختلف عن حياة أي شخص آخر أو حتى عن حياة الصحفي المراسل أو الكاتب أو غيرهم، لأنه في أبسط الأحوال يعيش الأخبار كلها، يتجسدها وكأنها رواية يقرأها أو فيلم درامي يشاهده، وهذه هي حياتي أتخيل القلم سكينًا فأقتل المجتمع كلّ يوم ولكن لم يشف ذلك غليلي إلى الآن.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.