برافر يا ابن الكلب

بقلم: 

لا أدري إن كانت الكتابة عن الحدث خيانة لجوهره، كما تكون الصور أحياناً خيانة للذكرى، و لا تعبّر عنها كما يجب. لكنّي لا أستطيع احتمال الغصّة في حلقي...

#برافر لن يمرّ برافر لن يمرّ

لأول مرّة أكمل مظاهرة لنهايتها، لا أدري لماذا... كنتُ أتحجج بصغر سنّي و انشغالي بالدراسة، و بعدم وجود حشد كافٍ...
اكتشفتُ أنّك حين تكون في وسط الأصوات الغاضبة و الثائرة، لا تسمع إلا لحن الثورة، و لا يهمّك من يحدّق بك على الرصيف، الشعور جنّة! بالنسبة لجحيمي الذي أشعر به حين أمرّ عن مظاهرة و أكمل طريقي خافضةً رأسي أسمع: "عيب ع اللي بتفرّج!".

تبدو الوجوه مألوفة في المظاهرة، بعض الأصدقاء و المعارف كفيلون بأن يجعلوك بعيداً عن الشعور بالغرابة. و شعرتُ بأنّ الحشد جيد جداً كمّاً نسبياً، و نوعياً.
مشينا، هتفنا، علت الهتافات، تعبنا، بدأت أصواتنا تتقطّع، عادت تعلو، من أي طريق نذهب؟
"الشرطة واقفين! مش رح يخلّونا نروح على المقاطعة"، ثار البعض ظانّاً بأنّه من الجبن أن ننصاع إليهم و نغيّر الطريق، و أنا أيضاً ظننتها خطوة جبانة إلى أن فهمت أنّنا متجهون إلى بيت إيل، عدنا للهتاف، علت الهتافات، تعبنا، أصواتنا تتقطّع، رنّ هاتفي...
"لما، فيه حاجز قدّامكم، قوليلهم"...
ذهبتُ أخبر أحد الشبّان، و حين نطقتُ بالجملة، أدركتُ أنّني لا أدري إن كان حاجزاً من الاحتلال أو السلطة!

شبّان يبدون أقوياء البنية متكاتفين على هيئة حاجز، بلباسهم الأسود، و الدروع... و حاجزٌ آخر مثله بعدهم بمسافة قريبة...
لم نمرّ!
و كلّ من حاول اجتيازهم كان يلقى من "التدفيش" ما يدفعه أمتاراً إلى الخلف، و لعلّه يقطّع أزرار قميصه، و يوجعه! جسدياً و نفسياً...
خفت!
أكذب لو قلت لم أخف!
أول مرّة أرى القباحة في عينيّ، لم أدر أنّها لهذه الدرجة... لم أرَ الصورة عن قُرب.
الهتاف يعلو، و السخرية تملأ المكان، أسمعهم المتظاهرون ما قد يحرق ضمائرهم من سخرية "هل تحموننا أم تحمونهم؟"
"هلّا دوامكم، و بالليل بتسلّموهم؟"
"أي ساعة بخلص التنسيق عشان خلينا نرجع!"
نظرتُ إليهم، صامتين، يشتم من ورائهم رجلٌ بلباس أزرق الشبّان، يشتم و يعلو صوته محتمياً بأجسادهم...
حدّقتُ بهم، بماذا تفكّرون؟
هل يؤلمكم ما نقول؟
هل تحترقون من الداخل؟
هل هذه الخوذة عازلة للصوت؟
اسمعووووووووووووا!
لماذا ضحكتم حين هتفوا أنّكم شركاء في برافر!
يا شرطي يا صديق، يللا افتح الطريق
ماذا تفعلون، من علّمكم ما تعلمون و تعملون؟
دعنا نمرّ، دعنا نمرّ!  برافر لن يمرّ.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.