عرب آيدول، أو... معبود العرب!

عندما بحثت عن معنى آيدول في المعجم وجدت الكلمات الآتية: صنم، وثن، معبود...

بداية أحب القول بأنني أتشرف بعبادة الله وحده، ولن أتخذ من دونه أصناماً، ولن أعبد فناناً حتى وإن كان هذا الفنان هو مزيج من ملحم بركات وصباح فخري ووديع الصافي، وفوقهم طوني حنا!! ولذلك اقتضى التنويه.

ألا يوجد في قاموس اللغة أسماء تطلق على البرنامج سوى(معبود العرب)؟ أو إله العرب؟ أو صنم العرب؟

الحديث عن ظاهرة عرب آيدول المتمثلة اليوم بمحمد عساف هو أشبه بالسفر في حقل ألغام، فالنفوس ملتهبة والحماس مرتفع، وكل كلمة ناقدة ستعتبر بمثابة إفساد للفرحة...ولكنني سأكتب وأرجو أن أعود من هذه الرحلة سالماً، لن أتحدث عن محمد عساف كشخص وكصوت، ما يهمني هنا هو الظاهرة، هو البيئة الثقافية والجو السياسي المرافق للظاهرة، والمناخ العام المحيط بها. سأقول كلماتي وأمري لله:

1- لقد تم تحميل الموضوع أكثر مما يحتمل، فمحمد عساف هو فنان خاض تجربة واجتهد ونجح، ودعونا نقف هنا ولا نقول كلمات مثل: رفع رأس فلسطين عالياً... أوصل صوت فلسطين لكل الدنيا... رمز العزة والأمل... رمز للشموخ الوطني والكبرياء النضالي... وإلى آخره.

2- قد يقول قائل إن هذا هو التحضر والابداع وهكذا يعملون في الغرب، لا بأس، في الغرب يبقى الغناء في المسارح والنوادي ولا يأخذ أكبر مما يجب، ولا يربطه أحد بشطحات ثورية وتطلعات بطولية وغيره، الفن هو الفن، والرجل تسابق ونجح وانتهى الأمر ولا داعي للقول أن فوز محمد عساف هو نصر مبين وأنه الخطوة التي تسبق تحرير كامل التراب الفلسطيني. مرة أخرى أتحدث عن حجم الموضوع في داخلنا وتفاعلنا العجيب معه، فهل من الطبيعي أن تأخذ تجربة غنائية كل هذه الأبعاد السياسية؟ هل يحصل هذا في كل مكان؟ وإن كان عندنا فقط فلماذا؟؟

3- ومن نافل القول أن شركات الاتصالات جمعت الملايين من جيوب المواطنين المحتاجين، وذهبت الأموال إلى جيوب الحيتان الذين لا يشبعون، بمعنى أن الفن الذي يراد له أن يظل (نظيفاً وراقياً) أصبح يخضع للتسويق، ويباع ويشترى.

4-يقول الباحث والكاتب الأمريكي جوردان ماكسويل: "إن الحكومة تصرف المليارات على برامج التسلية والترفيه، وتنشر ثقافة الانحلال والخمور والسموم والهوس الجنسي، ولكنها تجني ثمن ذلك بالمقابل، هم لا يريدون لابني وابنك أن يقفوا في وجه المهمين". وكلام ماكسويل هذا يعني أن الحكومات حتى في الغرب وليس عندنا فقط، تؤمن بأن المواطن لن يستطيع ولن يرغب بأن يتصدى لصناع القرار والسياسيين(المهمين) طالما هو مشغول بالمتع واللهو والملذات وإشباع الغرائز والحاجات.

ومن هنا فإنني أجزم بأن برامج ونشاطات مثل كرة القدم النسائية والرقص والغناء وعروض الأزياء هي ليست مجرد فنون بريئة و(إبداعات) كما يروق للبعض تسميتها، بل هي تتعدى ذلك لتصبح نوع من المخدر والمميع، لتصبح أدوات إفساد وتسفيه للمجتمع. لتحقيق أهداف بعيدة المدى أبرزها خلق جيل جديد منفصل عن عقيدته وعن قضيته المركزية، جيل كل ما يهمه هو المتعة والانبساط، جيل متسامح تجاه حقوقه المشروعة ومتساهل تجاه قضيته، هذا إن كان يعرف عنها الكثير أصلاً.

5- لقد تسببت السلطة السياسية في بلادنا وحتى في بلاد الغرب بإشغال التيار العام من جيل الشباب القابل للترويض بقضايا تافهة، تقوم الحكومات بتضخيمها وجعلها محور الاهتمام، وبدلاً عن ذلك على القيادة مثلاً أن تفصح عن جدوى التسوية السياسية التي انطلقت منذ عشرين عام ولم توصلنا إلى شيء، أو تقدم إجابات حول البطالة، والفقر، والجهل، أو تخبرنا ماذا حصل مع الاستقلالين السياسي والاقتصادي اللذين لم نرى منهما شيء إلى يومنا هذا. نحن بلا شك أمام نموذج سياسي يقوم على التخدير والتمييع وإشغال التيار العام بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع، وتتناقض مع الحس الديني والثقافي لدى أبناء فلسطين.

6- إن رد فعل الشارع في الأيام الأخيرة وتفاعله مع إعلان النتيجة لهو مؤشر خطير وواقعي وملموس يكشف عن فراغ فكري، وعن اندفاع لا يبشر بخير، وبدون تعميم. ولكن رد الفعل فاق بكثير جداً تفاعل الجماهير مع العدوان على غزة أو إهانة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أو جرائم المستوطنين اليومية في مدن الضفة الغربية وقراها، أو الاقتحامات اليومية للمسجد الأقصى على سبيل المثال. أسأل الله تعالى أن يأخذ بيدنا ويرحمنا ويعجل لنا بالفرج، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وللختام، أتذكر كلمات سمعتها ولا تكاد تفارقني، قالها الصحفي فوزي بشرى معلقاً على الصدامات التي تلت مباراة مصر والجزائر: "عندما تغيب الانتصارات الكبيرة، نبدأ بالبحث عن انتصارات صغيرة". وعليه فلربما يجب أن يتركز البحث هنا.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.