الشرطة في عيون الإعلاميين

في مدينة القمر التي لم نرَ منها سوى كلية ذات مبانٍ كثيرة ومسيجة، تعلوها الصيحات في الميدان والأوامر العسكرية، وصلنا كلية فلسطين للعلوم الشرطية استقبلنا الضباط، وحضرنا إلى مبنى الإدارة واجتمعنا مع العقيد زاهر الصباح والمقدم لؤي ارزيقات استكمالًا لمشروع " الشرطة في عيون الإعلاميين"، الذي تم تنظيمه من قبل الناطق باسم الشرطة ارزيقات بالشراكة مع نقابة الصحفيين، وكان على ثلاث مراحل.
في المرحلة الأولى اجتمع أكثر من 130 صحفيًا في الكلية، الذي تمّ فيه اللقاء الأول مع مدير الكلية العقيد الصباح، والمدربين الضباط، وتم إلقاء المحاضرات التعريفية في الكلية الشرطية والحديٽ عن هدف المشروع، الذي يتجلى في تقريب وجهات النظر بين جسمين مهمين في المجتمع الفلسطيني (إلاعلام والشرطة)، إذ أكد لنا المقدم ارزيقات أهمية المشىروع في كسر الحالة الندية بين الشرطة والصحافة في الميدان، التي تنجم عن عدم فهم كلا الطرفين لطبيعة عمل كل منهما.
وخلال اليومين اللذين أمضيناهما في الكلية توسعنا في شرح بعض الأمور الصحفية والتغطية الميدانية في ظل وجود الشرطة، وحصلنا على تدريب عملي في الدفاع عن النفس من قبل النقيب الحقوقي أحمد أبو محميد، عدا عن التوصيات التي خرجنا منها بنتيجة جيدة في تفهم كلينا لمهننا.
كان لا بد من مرحلة ثانية ينزل فيها الصحفيون إلى الشارع مع الجهاز الشرطي كل في محافظته، والتعاون في التعرف عن كثب عن واقع العمل الميداني للشرطي وطبيعة عمله، وبهذا عاش الصحفيون  مهنة الشرطي، أعتقد كل منا في هذا البلد يجب أن يوقظ الشرطي الداخل فيه لننهض في المجتمع وحتى يصبح القانون ثقافة وليس عقابًا، لئلا نلقي المهملات على الأرض ولا نتجاوز الاشارة ولا نخالف وضع حزام الأمان ونحترمه إن كنا على حاجز إحتلالي فقط؛ فهذا شعور مقيت بصراحة.

في المرحلة الأخيرة من المشروع عشنا يومين مع الطلبة المستجدين في كلية فلسطين للعلوم الشرطية، كنا نحاول الالتزام قدر الإمكان في البرنامج، الاستيقاظ صباحًا مذ الساعة الرابعة والنصف لنجتمع في الميدان في تمام الخامسة، نبدأ في اللياقة البدنية، لم يكمل بعضنا هذه التمرينات، لكن كان لزامًا على شرطي المستقبل أن يكف عن التململ والاستمرار، هناك ضوابط تمنعه من التعب، لا يمكن لك التحدث خلال التمرينات أو حتى الهمس، فمتى قال الضابط المدرب ثابت عليك الثبات وإن كانت ذبابة مزعجة أرهقتك من وقوفها على أنفك، "ثابت" لا تهمس ولا تتحرك.
نستكمل اليوم بتدريباتهم العسكرية في المشاة وتلقي الأوامر العسكرية وكيفية التعاطي معها، كان من المنكر أن تبتسم، ومع انضباطي الكامل في البرنامج، لكنني لم أستطع كتمان ابتسامتي، كانت ممزوجة بشيء من الخجل، لأنهم يقولون في العسكرية "السيئة تعمّ والحسنة تخص"؛ أي إن لم أنضبط سأجر طلبة سئموا الثبات لعقاب بسببي.
أمّا عن الطعام كانت لنا بعض الخصوصية في التعامل، فمنا من كان يتدلل لكنها النفس تأبى أكلة ما ولسنا نحن من لا نريد، المهم أن الافطار والغداء والعشاء طعامًا يعتمد بشكل أساسي على ما يريده الجسم من مواد غذائية لجسم الشرطي وليس بناءً على ما يحب ويكره، أي أنها كانت مفيدة.

أمّا عن " الشرطة المجتمعية" فكانت لنا وقفة فيها مع الرائد جاد العمور الذي تحدث في محاضرة موجزة عمّا تقوم به هذه الشرطة وأهميتها في المجتمع الفلسطيني، إذ تعتبر عملية وقائية استباقية قبل وقوع الجريمة، وتتوزع في المناطق النشطة بالمشكلات، وتعمل عليها الشرطة منذ 2013 ولكنها فعليًا بدأت العمل منذ العام الماضي، وتعتمد على الشراكة والتواصل مع أفراد المجتمع، حتى يتسنى لهم حل المشكلة واحتوائها قبل وصولها للجريمة.

وكنا نجتمع كثيرًا مع المقدم ارزيقات ونتحدث بصراحة، كان نقاشًا حادًا في بعض الأمور، ولكن هناك خلل يجب الانتباه إليه منا وممن يؤثر على طبيعة عملهم ألا وهو القضاء، فليس ذنب شرطيًا وقف ساعات للقبض على مجرم  وأخلى سبيله القضاء في ساعات قليلة، فلنكن صريحين ذلك صعب عليهم أيضًا ما يمكن أن يقلل من حافزيتهم للعمل، إدراك ما تبحث عنه مهمًا جدًا، فهذا يخفف عن لسانك التفوه بما لا تعرف، ويحمي غيرك مما تفوهت به عن غير علم، عدا عن الضعف القانوني في فلسطين، الذي يسهم في زيادة الجرائم بدلًا من تقليلها، فهذه  نقطة يجب أن نعيها جيدًا.

في اليوم الثاني كانت لنا تدريبات الدفاع عن النفس مع النقيب أحمد أبومحميد بالاشتراك مع النقيب حسن حمدان، كانت محاضرة نظرية وعملية، شاهدنا بعض الفيديوهات وناقشنا مبدأ التدرج في استخدام القوة، وكنا نناقشهم في بعض سلوكيات الشرطة ومتى يسمح القانون بذلك ومتى يمنعه، بالطبع للشرطي قانون يحكمه وإن كان هناك من يخترقه، فقد قيل في العلوم السياسية " القانون وُجد ليخترق"، لا نريد ذلك فيكفينا الاختراقات التي نعيشها في فلسطيننا.

كانت لنا بعض الخصوصية في لعب كرة السلة والتنس، وجلسنا مع بعض الضباط برتبة نقيب وتحدثنا بدون حواجز وكنا على مقربة حتى أننا لم ننفك عن الضحك، كانت جلسة ممتعة جدًا وأخوية، وهذا ما نحتاجه في هذا البلد، المحبة الصادقة دون تكلف،
بعدها استيقظ الداخل العسكري للضباط وأمرونا بالذهاب إلى المنامات، واعفونا من لياقة الصباح البدنية، فاستيقظنا صباح اليوم التالي على موعد الافطار في تمام السابعة، ومن بعدها اصطحبنا النقيب أبو محميد للرماية الإلكترونية، الذين قالوا أنه البرنامج الوحيد في الشرق الأوسط، فيتدرب عليه الطلبة حتى يتقنوا استخدام السلاح ومن بعدها يتم تدريبهم على الرماية الحقيقية وذلك تجنبًا للاصابات.
أنهينا البرنامج، بابتسامة مشرقة عند التاسعة سلمنا عليهم جميعًا وودعناهم وطلبنا منهم أن يخرّجوا شرطة كما الذين تعاملنا معهم هناك، وغادرنا مدينة القمر بأفق أوسع وفكر أعمق كان يجب أن نلم به كصحفيين، شخصيًّا كانت تجربة مفيدة وأعتقد أنها كذلك كانت لزملائي، وطالبنا بفتح الباب على الإعلام فنحن حلقة الوصل بين المجتمع وبينهم، ففهمي لهم يمكنني من ايصاله للجمهور بما يكفل سلامة المجتمع من الكره المبثوث والشائعة على غير دراية، وتجسيد المعنى الحرفي لمبدأ الرقابة والمساءلة.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.