تجـاوز الخطـوط السوداء

مصر مستعدة أن تخسر ألف جندي في حربها ضد «تنظيم الدولة»
اليكس فيشمان
قام الجيش المصري أمس بجمع جثث مقاتلي تنظيم الدولة الـ 60 المخضبة بالدماء على الارض، والتي تم احضارها من ميادين القتال ووضعت على ارضية بركة في مدينة العريش. وعلى جانب تلك البركة الفارغة سكب الجيش المصري عشرات إذا لم يكن مئات قطع السلاح التي حملها الإرهابيون. وقد برزت داخل البركة الملابس العسكرية الرسمية والتي شملت الاحزمة والسترات الواقية.
أمس عند الظهيرة هدأت النيران في ميدان القتال بين العريش ورفح المصرية. الآن يعدون الجثث. قوات الامن المصرية والجيش لديهم عشرات القتلى. ومحاولة تنظيم الدولة احتلال منطقة مدنية في سيناء مع التشديد على العريش، فشلت. لكن المعركة على الوعي ما زالت مستمرة: من انتصر ومن خسر. مصر تملك ورقة الجثث من اجل الدعاية، وتنظيم الدولة يملك ورقة الصدمة التي تسبب بها للجمهور المصري على ضوء الهجوم الذي قام به هذا الاسبوع، سواء كان ذلك في سيناء أو داخل مصر.
يصعب القول إن جولة القتال الحالية على خط الشاطيء الشمالي لسيناء قد انتهت، حيث أن المواجهة الاخيرة بين الجيش المصري وتنظيم الدولة تميزت بالمفاجأة للاستخبارات المصرية. والجيش الإسرائيلي الذي دخل في حالة تأهب منذ الساعات الاولى للقتال في يوم الاربعاء صباحا، أخذ في حسابه امكانية وجود ثقب استخباري لدينا ايضا، وأن هذه المواجهة قد تتدحرج بشكل مفاجيء باتجاه الحدود الإسرائيلية. وهذا هو سبب زيادة الاستطلاع وجمع المعلومات في العمق. وقد أصبح يمكن القول بيقين في يوم الاربعاء مساءً إن تنظيم الدولة لم يخطط لأي شيء على الحدود الإسرائيلية، لكن حالة التأهب بقيت على حالها.
لو أن تنظيم الدولة نجح أمام المصريين لكان يمكن أن يتوجه إلى الحدود الإسرائيلية. وحسب التقديرات الامنية هنا طرحت امكانية استغلال عناصر سلفية في قطاع غزة لهذه الفرصة ومحاولة فتح جبهة اخرى في مواجهة إسرائيل. لا أحد يعرف في أي اتجاه ستتدحرج كرة الثلج.
أمام حماس… أمام سيناء
هذه هي المشكلة الاساسية للقصة من جهتنا: إسرائيل حصلت مرة اخرى على تحذير استراتيجي واضح. ففي سيناء تعمل قوة مسلحة ومنظمة بمستويات شهدناها في افغانستان. وليس الحديث هنا عن بدو مسلحين هاجموا هنا أو هناك مواقع عسكرية مصرية أو ألحقوا الاضرار بأنبوب الغاز. الحديث يدور عن بدو مصريين يحملون ايديولوجيا جهادية وغرباء استقروا في سيناء وتحولوا في الاشهر الستة الاخيرة إلى جسم عسكري ممأسس. في الهجوم هذا الاسبوع شارك أكثر من 100 شخص من تنظيم الدولة في نفس الوقت، وفي عدة مواقع، في منطقة طولها 25 كم. وهذا يحتاج إلى تحضيرات متواصلة وتدريبات ومعدات لوجستية، قيادة وسيطرة. ولتأكيد حقيقة أنهم من تنظيم الدولة لا من تنظيم آخر، بدأوا بالعلامة الفارقة للتنظيم: في نصف السنة الاخير بدأت تظهر في صحراء سيناء جثث مقطوعة الرؤوس لمن اتهموا بالتعاون مع الجيش المصري أوالاشتباه بهم كمتعاونين مع إسرائيل.
نقطة الضعف الآنية في هذا التحذير الاستراتيجي هي الاستخبارات. فقد كان على المصريين خلق تفوق استخباري في سيناء يفيد إسرائيل ايضا. لكن الوضع كان العكس تماما. مصر ليست نقطة ارتكاز استخبارية، وما لا تفعله إسرائيل بنفسها ـ لن يفعله أحد من اجلها. بعد أحداث هذا الاسبوع، فان جميع الاستثمارات التي استثمرتها إسرائيل لبناء قاعدة معلومات في سيناء، يجب أن تحظى بأهمية عليا في الميزانية.
إسرائيل تستطيع اليوم أن تخلق لنفسها استخبارات في المجال الذي وضعته على سلم أولوياتها: منع دخول السلاح من سيناء إلى القطاع كجزء من جهود «تجفيف» حماس العسكرية، وهذه الجهود تثمر. وتوجيهات «الشباك» وادارة المعابر تقضي بـ «الوصول حتى سماعة السلكون الاخيرة». كل من يستطيع المساهمة في حفر الانفاق يختفي.
في الاشهر الاخيرة ليس هناك عمل لحفاري حماس العسكريين، ولا توجد أدوات، وعشرات الكيلومترات من الكوابل من اجل الانفاق تمت مصادرتها في كرم سالم. ومع مرور سنة على الجرف الصامد فقد خططت حماس للوصول إلى عدد معين من الانفاق، لكنها لم تستطع تنفيذ هذا الهدف. وفي لحظة وصول مواد البناء ـ مثل الاسمنت من قطر عن طريق معبر رفح برعاية مصرية ـ فان صناعة الانفاق تبدأ من جديد. وهنا تركز إسرائيل جهدا استخباريا وهناك نتائج، ويشمل ذلك تراجع نسبة صناعة الصواريخ.
مع ذلك قامت التنظيمات المختلفة في القطاع، وعلى رأسها حماس، بتنفيذ مئات تجارب اطلاق الصواريخ. والحديث هنا يدور عن تطوير مدى الصواريخ حتى يصل إلى 80 ـ 150 كم. وتبذل إسرائيل جهود كبيرة لكبح هذه الصناعة، ولكن في فيلادلفيا بين رفح المصرية ورفح القطاع، قامت حماس باحياء بضعة أنفاق تتجاوز المنطقة الفاصلة التي وضعها المصريون بنحو كيلومتر ونصف من الحدود، وبنت أنفاق يصل طولها إلى 2.5 ـ 3 كم. وهكذا تمر مواد بكميات كبيرة عن طريق فيلادلفيا. ويمكن تعزية النفس بحقيقة أن طن من المواد المتفجرة الذي يصل إلى القطاع يكلف 50 ألف دولار مقارنة بـ 10 آلاف دولار في السابق.
وفيما يتعلق بسيناء فان الجهود الاستخبارية ما زالت هامشية، رغم أن صورة تنظيم الدولة على الحدود الإسرائيلية الجنوبية أصبحت واضحة، إلا أن الصورة المقلقة تأتي من الحدود الشمالية حيث يعمل تنظيم الدولة من هناك على اسقاط نظام الاسد في سوريا.
قد يبادر الرئيس السيسي إلى عملية واسعة في سيناء، لكن الاستراتيجية المصرية في مواجهة الجهات السلفية في سيناء لن تتغير. صحيح أن السيسي قد حوّل سيناء إلى المهمة المركزية. فهو على عكس أسلافه، فرض على الجيش مسؤولية القتال في شبه الجزيرة، ونقل إلى هناك السلاح الثقيل والوحدات الخاصة، وإسرائيل من جهتها وافقت على الطلعات الجوية فوق شبه الجزيرة من اجل مكافحة الإرهاب، وليس غريبا أن إسرائيل توقعت أن ينجح الجيش المصري في عزل المنطقة المصابة بالإرهاب وفصل جنوب شبه جزيرة سيناء عن شمالها، وعزل قطاع غزة عن شمال سيناء. لكن المصريين غير موجودين هناك بعد.
آلاف الضحايا
كان هناك تواجد، وما زال، للاستخبارات المصرية في افغانستان. فهم يعرفون مثلنا تقنية الحرب، والإرهابيون الذين يعملون داخل السكان المدنيين. على عكس استراتيجية إسرائيل في محاربة الإرهاب التي تبحث عن الخلية والشبكة، فهم يحاولون الوصول إلى قلب السكان البدو من اجل خلق شرخ بينهم وبين الإرهابيين، لكنهم لا يملكون الوسائل المطلوبة لاقامة المدارس والمستشفيات والمصانع تعوضهم عن الاهمال الذي استمر عشرات السنين. والوسائل الاستخبارية التي يملكونها تتوزع بين الحدود: ليبيا، السودان وسيناء. ليست لهم مصادر كافية، وشراء الأدوات من اجل جمع المعلومات أمر ليس سهلا، وايضا تجنيد ونشر العملاء بين البدو هو عملية طويلة.
قبل سنة ونصف تحدثت النخبة في الجيش المصري عن استراتيجية لقمع الإرهاب في سيناء كعملية متواصلة مليئة بالمفاجآت والضحايا. قائد القوات العسكرية المصرية في سيناء قال في نقاشات مغلقة إن الجيش المصري سيدفع ألف قتيل ثمنا لهذه الحرب. لذلك فان الحرب في مواجهة تنظيم الدولة هذا الاسبوع هي أمر سيء ـ لكنهم أخذوا هذا الثمن في الحسبان.
لا تستطيع إسرائيل أن تصمت على وجود خطر، في الوقت الذي تعاني فيه من ثغرات في المعلومات الاستخبارية. استراتيجيتنا واستراتيجية مصر في الحرب ضد الإرهاب تختلفان. فإسرائيل لا تستطيع ولا تريد دفع الثمن، ألف قتيل، ولا تستطيع الصمت على تحويل سيناء إلى جبهة داخلية لوجستية لحماس في غزة، كثمرة للتعاون مع تنظيم الدولة.
تنظيم الدولة غير موجود في سيناء فقط، بل هو تجاوز الحدود من سيناء إلى النقب. يجب أن نكون ساذجين لكي نؤمن أن حملة بطاقات الهوية الزرقاء غير متأثرين من هذه الايديولوجيا ولن يتحولوا إلى نشطاء ـ المقصود ليس الذين ذهبوا للقتال في سوريا أو الذين يشاركون في النقاشات حول تنظيم الدولة في الشبكات الاجتماعية. فتنظيم الدولة هو مرض مُعدٍ وهو موجود هنا.
يديعوت
اليكس فيشمان