فخ لإسرائيل

جرائم

قد تجد الدولة نفسها وبسرعة على مقعد المتهمين في محكمة الجنايات في لاهاي
 

عاموس هرئيل

خلافا لتقرير الامم المتحدة السابق الذي اصدرته لجنة غولدستون في 2009، فان مُعدي التقرير الذي نشر أمس يبذلون جهدا كبيرا كي لا يظهروا أنهم منحازون إلى الجانب الفلسطيني. على عكس ريتشارد غولدستون، فان القاضية ميري ديفيس لا تنجر وراء التعميمات الغير مثبتة أو النظريات بلا أساس حول النوايا الإسرائيلية. لجنتها التي حققت في أحداث الحرب في غزة في الصيف الماضي، وجهت اتهامات شديدة للطرفين، إسرائيل وحماس. وما زالت إسرائيل هي الطرف الاقوى في الحرب، وهي التي قتلت العدد الاكبر من المدنيين (اللجنة لم تتهم إسرائيل بشكل مباشر بالقتل المتعمد للمدنيين.)

الحرب ضد منظمة إرهابية تعمل في وسط السكان المدنيين وتوجه نيرانها باتجاه المدنيين الإسرائيليين هي بطبيعة الحال حرب عنيفة وقذرة. ليس هناك جيش تقليدي قادر على اصطياد المخربين المسلحين بمنصات اطلاق الكاتيوشا أو الصواريخ المضادة للدبابات، دون اصابة النساء والاولاد الذين يعيشون في الاحياء التي يختبيء فيها المسلحون. ومشكوك فيه أن تقوم الجيوش الغربية باعتماد معايير افضل للحفاظ على حياة الناس في حالات مشابهة (الحرب الأمريكية في العراق والقصف الجوي للمخربين في الشرق الاوسط في السنوات الاخيرة يؤكدان ذلك.)
اللجنة تقوم بطرح بضعة ادعاءات ذات وزن ضد سلوك إسرائيل في الحرب. جزء من هذه المشاكل طرح في حينه، اثناء الحرب ـ تصميم الجيش على نفس التكتيك حتى انتهاء الحرب منح اللجنة الأساس لانتقاد آخر. اللجنة تقدم ادعاءات حول جرائم الحرب بسبب القصف الجوي المنهجي لمنازل قادة حماس (القصف الذي قتل فيه مئات المواطنين). الحديث هنا عن الاحياء التي طلب من السكان اخلاءها، والاستخدام الكثيف للنار عند محاولة افشال عملية خطف الضابط، هدار غولدن، في يوم الجمعة الاسود في رفح.
يشير كاتبو التقرير ايضا إلى أن سعي إسرائيل إلى تحذير السكان ونشر المنشورات والاتصال بهم هاتفيا من اجل اخلاء المنطقة حفاظا على حياتهم، لا يعفي الدولة من مسؤولية قتل المدنيين. في نفس الوقت تطرقت اللجنة إلى الاضرار الكبيرة التي تسبب بها الجيش الإسرائيلي: مقتل 1462 مواطن (نحو 65 بالمئة منهم من المدنيين، في حين يزعم الجيش الإسرائيلي بأن النسبة هي 36 بالمئة فقط). اصابة 18 ألف منزل وحقيقة أن 28 بالمئة من سكان القطاع اضطروا إلى ترك منازلهم خلال الحرب.
وحسب وجهة النظر الإسرائيلية هناك ايضا فوارق مقلقة في التقرير، حيث تتغاضى اللجنة عن مساهمة مصر في قرار تشديد الحصار على قطاع غزة، التي تحمل مسؤوليته لإسرائيل. اللجنة لا تمنح أي أهمية لصعوبة الحرب مع العدو المتواجد بين السكان، وهي تتلوى بين موضوعين يفترض أن يكونا واضحين ـ خطة حماس لاستخدام الانفاق الهجومية من اجل القيام بالعمليات داخل إسرائيل، واطلاق القذائف والصواريخ الكثيف من داخل المناطق المأهولة في القطاع.
في السنوات الاخيرة، لا سيما بعد قضية القافلة البحرية التركية إلى غزة في 2010 وتقرير لجنة تيركل، بذلت جهود إسرائيلية موجهة من اجل تعميق وتحسين سياسة التحقيق بهدف امتصاص ادعاءات دولية حول اخفاء المخالفات وجرائم الحرب. وتشير اللجنة إلى جهود المدعي العسكري العام في الجيش، الجنرال داني عفروني، بهذا الشأن، لكنها في نفس الوقت تشير إلى أن قلة الخطوات الجنائية والقانونية التي يتم اتخاذها تشير إلى اخفاقات في الانصياع الإسرائيلي للقانون الدولي.
لكن حينما يقول رئيس الحكومة مسبقا بأن التقرير متحيز ولا حاجة لقراءته، وحينما يوجه وزير الدفاع انتقادات علنية على قرار المدعي العسكري العام التحقيق في أحداث الحرب، ويقوم ضباط في الجيش بمهاجمة النيابة العامة أمام وسائل الإعلام، حيث التعامل مع مقولة إن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الاكثر اخلاقية في العالم هو تعامل مطلق، وفي الشبكات الاجتماعية يسيطر نقاش انفعالي ـ فان السؤال هو إلى أي حد يمكن توقع خطوات اخرى من النائب العسكري العام، وهنا تماما يوجد الفخ، لأنه يتبين بشكل واضح من التقرير أن عدم المحاكمة من قبل السلطات الإسرائيلية سيُسرع نقل النقاش حول جرائم الحرب إلى محكمة الجنايات في لاهاي (وهذا أمر توصي به اللجنة.)
عند مقارنة تقرير غولدستون مع تقرير ديفيس، فان تأثير الأخير كان أقل خطورة، لا سيما وأن الشرق الاوسط تحدث فيه فظائع أكبر، من سوريا وحتى اليمن. ولأن الدول الغربية تواجه تحديات مشابهة منها الحرب الجوية ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش في العراق وسوريا. وحتى اذا كان هذا صحيحا فان إسرائيل لا تستطيع غض النظر عن تأثيرات التقرير بعيدة المدى. ويتضح اليوم أن كل حرب ضد حزب الله في لبنان ستكون بث معاد للمواجهة في غزة، وعدد المصابين في الطرفين سيكون أكبر. في هذه الظروف قد تجد إسرائيل نفسها واقعة في فخ: اذا تغلبت على العدو في المعركة، فانه سيتغلب عليها دائما في المعركة التي ما بعد الحرب بسبب الانتقادات الدولية، وايضا بسبب الاجراءات القانونية بسبب افعالها على ارض الواقع.

هآرتس

 

حرره: 
م.م