أوسلو بين التعديل والنفي

في زاوية الامس، تم تسليط الضوء على ما تناوله الاجتماع القيادي على مدار يومين، وتشخيص إنسداد الافق امام العملية السياسية، والتأكيد على ضرورة المراجعة الشاملة لواقع الحال الوطني، من خلال إستنهاض العقل والوعي الجمعي الوطني باشتقاق رؤية برنامجية جديدة تستجيب لمصالح الشعب العليا.

لا سيما وان الانسداد لا يقتصر على العملية السياسية ، انما يطال المصالحة الوطنية، الازمة الاقتصادية – المالية، التعثر في إجراء الانتخابات بمستوياتها المختلفة وخاصة المحلية. بالعودة للعملية السياسية وجوهرها اتفاقيات اوسلو وباريس، فإن الاتجاه العام في اوساط القيادة تركز على خيارين، الاول ينادي بالتعديل للاتفاقيات المذكورة؛ والثاني ينادي بالغائها ونفيها، لانها لم تعد قائمة بقرار إسرائيلي، كون حكومات دولة الابرتهايد الاسرائيلية المتعاقبة شيعتها وقرأت كل اسفار الموت وقتل الاغيار الفلسطينيين والعرب عليها. وجهتا النظر المذكورتين آنفاً تواجه كوابح داخلية وإسرائيلية وعربية ودولية .

من ابرز العوامل المعطلة، هي : اولا غياب الوحدة السياسية والاجتماعية نتيجة الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية. ثانيا عدم إستعداد قطاع هام ومؤثر في صناعة القرار الوطني التخلي عن الاتفاقيات المذكورة لاعتبارت خاصة بها، ونتيجة لقراءتها المشهد السياسي. ثالثا الحالة العربية البائسة، والتي تعمقت بعد الثورات العربية مع إستلام جماعة الاخوان المسلمين مقاليد الامور في العديد من الدول وخاصة جمهورية مصر العربية، التي ارتبطت باتفاقيات مع الولايات المتحدة الاميركية وضمنا دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، بالالتزام باتفاقيات كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقيات الامنية والتجارية – الاقتصادية والثقافية ، التي قيدت وتقيد النظام الرسمي العربي؛ فضلا عن ارتباط الانظمة المحافظة تاريخيا بالغرب عموما واميركا خصوصا. رابعا إسرائيل ، التي بددت اتفاقيات اوسلو وباريس، هي ذاتها، ترفض، ولا تقبل اي مطالبة فلسطينية بالتعديل او الالغاء، لانها مستفيدة من واقع الحال، ولادراكها وجود اتجاه فلسطيني نافذ بات صاحب مصلحة في بقاء الاتفاقيات المذكورة، لانه مستفيد منها بمعايير اللحظة، كما ان الاتفاقيات لم تعد ملزمة للحكومات الاسرائيلية، ولا تحملها (الحكومات) اية اعباء من اي نوع. خامسا اقطاب الرباعية الدولية وخاصة الولايات المتحدة ترفض اي سياسة فلسطينية تنحو باتجاه التعديل او الالغاء، ولن تقبل. ليس هذا فحسب، بل انها ستتخذ جملة من العقوبات والاجراءات، التي تكبح جماح الفلسطينيين .

مع ذلك، وللاسباب آنفة الذكر، هناك حاجة وطنية لخلط الاوراق في الساحة والمنطقة، لان حبل المشنقة يزداد إشتدادا على العنق الفلسطيني. لاسيما وانه لم يعد هناك شيء يخسره الفلسطينيون، فالسلطة الوطنية ، لم تعد سلطة بالمعنى الذي كانت عليه قبل إجتياح شارون مدن وقرى الضفة الفلسطينية عام 2002، والتسوية ماتت، والوطن المقزم مقسم الى ثلاث اقاليم (القدس الشرقية، باقي الضفة الفلسطينية ، وقطاع غزة) ، البطالة في تزايد، الازمة الاقتصادية – المالية تتعاظم، واينما اتجه الفلسطيني بنظره في مناحي الوطن وخارج حدود فلسطين، يجد المشهد قاتما وبائسا. لكل ما تقدم، ولادراك الفلسطينيون ، انهم الورقة الاهم في المنطقة، ولانهم اقوياء في حال حرروا ارادتهم من قيود اسرائيل والعرب الرسميين واميركا، لذا يستطيعون في حال قرروا تحمل تبعات الخطوة او الخطوات، التي قد يقدمون عليها بالتعديل او الالغاء للاتفاقيات المذكورة. لكن في حال قرر الفلسطينيون التوجه نحو هذا الاتجاه، فإن الافضل التوجه مباشرة لالغاء اتفاقيات اوسلو ، لان الحديث عن اي تعديل سيبقي الفلسطينيين في نطاق المحوطة الاسرائيلية والعربية الرسمية والاميركية. فضلا عن ان هكذا معركة، ستكون تكاليفها غالية جدا على الشعب الفلسطيني.

وبالتالي طالما ستفتح القيادة ابواب معركة اوسلو، عليها ان تفتحها على وسعها لاعادة الاعتبار للقضية والاهداف الوطنية. والغاء اتفاقيات اوسلو يعني مباشرة سقوط خيار حل الدولتين للشعبين على حدود حزيران 67، والاتجاه نحو اعتماد خيار سياسي جديد، هو، خيار الدولة الواحدة، دولة كل مواطنيها، الخيار الذي سيملي على الفلسطينيين في الاراضي المحتلة عام 1967 اولا والفلسطينيون في داخل الداخل خوض نضال موحد ومرير ضد الدولة العنصرية الاسرائيلية ، رغم الفوارق الناجمة عن واقع النكبة عام 1948 والنكسة 1967، إلا ان الواقع الجديد سيفرض توحيد اداة النضال الوطني في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، التي لا يجوز التخلي عنها، ليس هذا فحسب، انما العمل على تطويرها واستنهاض دورها الوطني، وكما ذكر آنفا وفي اكثر من مرة في هذه الزاوية، ضرورة اشتقاق رؤية وطنية تتوافق مع المصالح العليا للشعب العربي الفلسطيني.

واذا كانت القوى الوطنية جادة في تطوير البرنامج السياسي، عليها منذ اللحظة كل من موقعها صياغة رؤيتها ، وعدم الانتظار حتى تبلور القوى الاخرى. كما تستدعي الضرورة ان تبادر الفصائل والاحزاب الى عقد ورشات عمل سياسية واقتصادية وقانونية وثقافية لاثارة كافة القضايا ، التي ستواجه القيادات الوطنية، وعليها دعوة ممثلي القوى من الجليل والمثلث والنقب، للاستماع لوجهات نظرهم ، وايضا عقد لقاءات مماثلة للمثقفين والاكاديميين في الشتات لاثارة اسئلة التحدي المختلفة، ومحاولة تلمس الطريق للاجابة عليها او وضع الحلول الافتراضية، كمقدمة للمساهمة في صياغة الرؤية الوطنية الجديدة. هكذا خطوة لن يكون الاقدام عليها سهلا، خاصة وان القوى المتمسكة بواقع الحال قوية ومؤثرة. غير ان ذلك لا يحول دون تهيئة المناخ الوطني للتحولات القادمة، لان التغييرات المفترضة في الساحة الفلسطينية ستتجاوز واقع الحال القائم، وسيتجاوز حدود القوى الفلسطينية المختلفة الراغبة بالتغيير او المحافظة

. a.a.alrhman@gmail.com