الجامعات سوق رأسمالية، والتعليم سلعة!

 سجى نصرالله: تعيش الساحة الفلسطينية عدة أزمات، كان يتصدرها قبل حوالي شهرين، أزمة التعليم العالي في الجامعات، والارتفاع في تكاليفه، والعجز المالي الذي تعانيه الجامعات جراء ذلك، والأزمة المالية التي تعيشها السلطة الفلسطينية، والتي تؤثر بشكل مباشر وتعمل على زيادة الأزمة، وذلك لان السلطة ونتيجة هذه الازمة تتخلف عن دفع مستحقات التعليم العالي للجامعات. كلنا عايشنا الأزمة التي عانت منها جامعة بيرزيت على وجه التحديد، والتي أدت الى اغلاق الجامعة مدة شهر وتعطيل الدراسة فيها، وكان السبب في هذه الازمة هو رفع ادارة الجامعة لرسوم الساعة والتسجيل، بشكل لا يمكن للمواطن أن يقدر عليه، فكانت المطالبات تتجه نحو تعليم للجميع، وعدم تحويل الجامعة الى مؤسسة رأسمالية، وعدم "تسليع التعليم".

تحول التعليم

وهنا يبرز التساؤل،هل الاستراتيجيات و الرؤى المطروحة، والخطط المراد تنفيذها، إضافة إلى التوجهات النيوليبرالية المتضمنة في هذه السياسات، تنذر بتحويل التعليم العالي الفلسطيني إلى مجرد سلعة للتداول في السوق الرأسمالية، سواء أكانت هذه السلعة معرفية أو بشرية؟

فقد بدأت عملية تحويل التعليم العالي الفلسطيني إلى سلعة منذ أكثر من عشرين عام، وليس المقصود بتسليع التعليم وضع علامة تسعير، وليس بالضرورة أن يكون التعليم مجانيا بالكامل، وإنما يقصد بشكل اساسي التزام الدولة/الحكومة، بدعم هذا القطاع، وهو ما كان الوضع عليه في معظم جامعات الوطن، أما الآن فهي في المراحل الأخيرة من هذا التحول بحيث تحولت الجامعة من مؤسسة اجتماعية إلى مؤسسة اقتصادية بالمقام الأول.

في هذا الصدد يقول الباحث الاقتصادي "ابراهيم الشقاقي" أن عملية التعليم تشهد تحولات في الشكل والمضمون، وهذا يعني جملة من التغييرات التي تشهدها الجامعات الفلسطينية على أرض الواقع، منها الاكتظاظ في الصفوف، عدم فتح الشعب الدراسية إلا بعدد أدنى من الطلاب، اعتماد سعر الساعة على العرض والطلب (مثال في بيرزيت ارتفاع سعر ساعة كلية التجارة ، نظرا لطلب السوق على خريجيها)، تحول دور الأستاذ من موجه ومرشد إلى ناقل للعلم، يهتم بنسبة النجاح والسقوط ومعدل الطلاب والمنحنيات لمعدل الطلاب أكثر من الجوهر التعليمي .... الخ".

و من جهته يوضح المحاضر في جامعة بيرزيت "وسام رفيدي"،"في المجتمع الرأسمالي ونتيحة علاقات السوق اساسا، يتحول كل شيء لسلعة!".

ويضيف رفيدي"السلطة الفلسطينية اعنت بصراحة انها تنحاز اقتصاديا واجتماعيا لنظرية السوق، والخصخصة ودعم القطاع الخاص، وبالتالي عندما تسعى لكف يدها عن التعليم فانها بذلك مخلصة لتوجهها الليبرالي!".

رفع الآسعار... الأسباب؟

وبالرجوع الى أزمة بيرزيت، وهي مثال حي على ذلك، يبرز تساؤل أخر وهو لماذا الجامعات الفلسطينية، وخاصة بيرزيت ترفع سعر الساعة لهذه الدرجة؟

وهنا يجيب شقاقي، "بشكل سطحي .. ترفعهالأسباب موضوعية ومفهومة! في معظم جامعات العالم تغطي الأقساط الجامعية 15-20 % فقط من تكاليف الجامعة، وهناك حديث عن أنها تغطي حوالي 50% في جامعة بيرزيت".

بالتالي تصبح الحاجة ملّحة لجلب الدعم، إما من مصادر خارجية (شخصيات ومؤسسات ودول- وهذه عادة تفضل دعم الإنفاق التطويري كالبنايات والمختبرات، ولا تمول الرواتب التي تشكل الجزء الأعظم من التكاليف)، أو مصادر داخلية (وهي الدعم الحكومي).

ويضيف "أن بيرزيت بشكل غير مباشر تحول التعليم ليس لسلعة فقط، وإنما لسلعة باهظة لا يقدر على شرائها سوى طبقة معينة من المجتمع".

والمتابع لأزمة بيرزيت، يرى ان الجامعة رفضت الحديث بشكل واضح، والتصريح بأن سبب المشكلة (الحالية) هو عدم التزام الحكومة بمخصصات التعليم العالي للجامعات، مما يضطرها للبحث في مصادر أخرى، أسهلها رفع الأقساط الجامعية، والرسوم، والغاء المنح، وخفض الخصومات.

وماذا عن جودة التعليم؟

والسؤال البديهي الذي يتبادر للأذهان، بعد السؤال السابق، هل فعليا رفع الرسوم، سيزيد جودة التعليم في الجامعات؟

عن ذلك يتحدث رفيدي، "لقد كانت دائما حجة جهابذة التعليم الخاص، انها افضل اكاديميا، بينما مجانيته تلحق الضرر بالتعليم ومستواه الاكاديمي"، مضيفا "لا صلة بنيوية بين كلفة التعليم والمستوى الاكاديمي، وأن تحويل الجامعة لسوق رأسمالي، سيحد من مستواها الأكاديمي لانه سيحرم المبدعين من الأوساط الشعبية الفقيرة من الجامعة، ويدلل رفيدي عل كلامه بالقول :"الاحصاءات تقول ان معظم المبدعين هم من الاوساط الشعبية اساسا" على حد قوله.

و يؤكد الشقاقي ايضا، ان "ارتفاع سعر التعليم له تأثيره السلبي على نوعية التعليم، ويعمل على احتكار طبقة معينة من المجتمع مقاعد الدراسة، وبالتالي فإن القيمة الاجتماعية المضافة للتجربة الدراسية تقترب من الصفر".

تسليع التعليم... إجراء استعماري

في السابق كانت الجامعات الفلسطينية هي مهد لمقاومة الاستعمار، ولكن هل هي الان بصدد التحول لتعيد إنتاج الفقر، والظلم، والبطالة، وتضاعف من حالة الاستعمار؟ وهل ما تتعرض له الجامعات هو اجراء استعماري يهدف إلى إضعافها، وإفراغها من محتواها النقدي والإبداعي والمقاوم؟

تعقيبا على ذلك يقول الشقاقي، "ان هذا بالفعل اجراء استعماري، ولكن لا بد من الفصل بين السياسات النيوليبرالية للمؤسسات المالية الدولية، وتلك للحكومة والسلطة الفلسطينية، تعتبر المؤسسات المالية الدولية امتدادا لاستعمار الامبراطوريات السابقة والتي تهدف إلى استغلال الدول النامية".

ولكنه من جهة أخرى يقول:" لا أتفق شخصيا مع فكرة أن الحكومة والسلطة تهدف بشكل مقصود إلى اضعاف الجامعات وإفراغها من محتواها النقدي، بل الحال مختلف قليلا (وأخطر). فالسلطة الفلسطينية ومنذ تولي سلام فياض رئاسة الوزراء عام 2007، بدأت تأخذ طابع (الاقتناع والترويج) في سياساتها الاقتصادية، اي أنها تؤمن حقا بأن السياسات النيوليبرالية التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية، هي الطريق الصواب لتطوير الاقتصاد والمجتمع، ولكن فعليا هذا يجعلها مكبلة وغير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية وخصوصا تجاه الجامعات، لانها اولا واخيرا تخضع لشروط المانح، والذي بالتأكيد لا يهمه تطوير التعليم.

ويضيف رفيدي في هذا السياق،" أرى علاقة وثيقة بين ما يجري في الجامعات وبين ما يجري على المستوى العام، فيتم الان ربط المواطن بالهموم المالية والحلول الفردية على حساب المسالة الوطنية، وهذا برأي رفيدي، " بدون أدنى شك يحول الجامعات الى معاقل انتاج ثقافة ليبرالية بدلا من ثقافة التحرر الوطني".

زمن برس