دولة في علامة استفهام

يوسي ملمان
ان تحرير اربعة المواطنين الأمريكيين ـ الإيرانيين، كجزء على ما يبدو من صفقة أوسع لتبادل السجناء بين الدولتين، هو مجرد البداية الدراماتيكية لامر أهم: تطبيق الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران. فالتحرير يدل ايضا على أن تحسين العلاقات بين طهران وواشنطن أعمق وأوسع ويخرج عن المجال النووي الضيق. ومن غير المستبعد أن تستأنف لاحقا ربما العلاقات الدبلوماسية بينهما وان كانت هذه صعبة بلا تقدير.
مهما يكن من أمر، فقد أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس بأن إيران نفذت دورها في الاتفاق مع القوى العظمى الستة. ويتواجد وزيرا الخارجية الإيراني والأمريكي في فيينا لضمان ان تجري العملية بلا مصاعب. فالتزامات إيران، التي نفذ معظمها حتى الان، هي لتقليص عدد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم إلى 6 الاف من نحو 20 ألف، حل المفاعل النووي في اراك لتخصيب اليورانيوم، تقليص مخزون اليورانيوم المخصب لديها واخراج قسم منه ـ ذاك المخصب بمستوى 20 في المئة ـ ومواصلة السماح بقدرة وصول لمراقبي الوكالة الدولية لكل مواقعها النووية.
وتبلغ مدة الاتفاق 10 سنوات. في اللحظة التي يصل فيها التأكيد من الوكالة الدولية ستبدأ عملية متدرجة ولكن سريعة لرفع العقوبات الاقتصادية ضد إيران وهكذا ينتهي تقريبا عقد من المساعي الدولية لخنق الاقتصاد الإيراني وشله، كي توقف إيران او تقلص على الاقل برنامجها النووي.
لقد بدأت العقوبات بقرارات من مجلس الامن في الأمم المتحدة في نهاية 2006 ضد شخصيات وشركات إيرانية ترتبط ببرامج النووي والصواريخ، واتسعت بعقوبات احادية الجانب فرضتها الدول الغربية، وفي نهاية المطاف معظم دول العالم، على صناعات النفط، الغاز، التأمين والبنوك في الجمهورية الإسلامية.
أما من يده هي العليا في الصراع الطويل والمضني هذا ـ فهي مسألة سياسية وايديولوجية. ثمة من يرون، ولا سيما الرئيس براك اوباما وادارته، انجازا للغرب وللولايات المتحدة، خضوع إيران واضطرارها إلى تقليص برنامجها النووي وابعادها عن قدرة تركيب سلاح نووي.
بالمقابل، ففي اسرائيل، في بعض الدول العربية وكذا بعض الدول الاوروبية يمتعضون ويرون في الاتفاق النووي خضوعا للولايات المتحدة وانتصارا لإيران، التي لم توقع على الاتفاق إلا بعد أن ضمنت لنفسها العلم، التكنولوجيا، المواد والعتاد التي تسمح لها بان تكون دولة حافة نووية، تركيب القنبلة في متناول يدها.
على أي حال، فانه مع رفع العقوبات سيفرج ايضا لإيران عن نحو مئة مليار دولار مجمدة في حساباتها في البنوك في الخارج.
التوقعات في إيران مع رفع العقوبات تبلغ السماء. فالرئيس حسن روحاني وعد بان يكون العام 2016 «عام الازدهار الاقتصادي».
صحيح أن رفع العقوبات هو نعمة للاقتصاد الإيراني ولكنه ينطوي على مخاطر على النظام. فبحجم التوقعات هكذا يمكن أن تكون خيبة الامل.
يقوم الاقتصاد الإيراني اساسا على المداخيل من تصدير النفط. وتصدير نصف مليون برميل آخر في اليوم سيستأنف قريبا، ولكنه سيغرق السوق الدولية ويؤدي إلى انخفاض آخر في الاسعار، التي باتت منذ الان تقترب من الثلاثين دولار للبرميل.
باختصار، فان مداخيل إيران من النفط ستكون اصغر بكثير مما توقعت إيران عندما بدأت المفاوضات على الاتفاق النووي. والمداخيل لن تلبي كل البرامج الطموحة للحكومة الإيرانية في تحسين الاقتصاد كي يشعر المواطنون به في جيوبهم وفي بيوتهم.
ستضطر الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ قرارات بسلم الاولويات وستجد صعوبة في ان تلبي كل التوقعات والمطالب من الجيش والحرس الثوري وكذا من المنظمات التي تعتمد عليها مثل حزب الله، والخروج في حملة مشتريات عسكرية لتطوير سلاحها القديم ـ الامر الذي تخافه اسرائيل.
رجال الحرس الثوري، الذين هم عمليا دولة داخل دولة ويسيطرون على نحو 30 في المئة وربما أكثر من الاقتصاد الإيراني، يخشون من أن تضرب الاستثمارات من شركات غربية في إيران تأثيرهم وقوتهم الاقتصادية وتعزز القطاع الخاص. الحرس الثوري، وكذا الشيوخ المتطرفون وباقي دوائر المحافظين المتطرفين، يخشون جدا هم ايضا بان مع فتح السوق الإيرانية للاستثمارات الغربية ستدخل إلى إيران تأثيرات غربية تتمناها الطبقة الوسطى وبالاساس الشباب.
وهم يخشون عمليا من ان يؤدي التغيير الاقتصادي والانفتاح إلى جلب أفكار كالديمقراطية، حقوق الانسان والانفتاح الجنسي مما يضعف سيطرتهم في الدولة.