جيران سورية.. يترقبون

لِمَ تم ضم المشير محمد حسين طنطاوي لحكومة هشام قنديل، التي اعلن عنها قبل نحو عشرة أيام فقط، ما دام الرئيس المصري الإخواني محمد مرسي كان يبيت النية في إحالة المشير والفريق سامي عنان، رئيس هيئة أركان الجيش المصري الى المعاش؟! هل يعني ذلك بأن قرار الإقالة قد اتخذ عشية الإعلان عنه، وان له علاقة بما يحدث من ملاحقة للمجموعات الجهادية في سيناء، أم أن الحكم الإخواني قام بعمل مخادع، ملخصه انه انحنى للعاصفة، أي انه تمسكن حتى تمكن كما يقول المثل الشعبي، ثم إنه استغل فرصة الزج بالجيش الى خارج حدود القاهرة _ في سيناء _ للإطاحة برؤوسه، وان العملية في سيناء أن لم يكن فيها شيء من التواطؤ، فانه قد تم استغلالها من قبل نظام يسير على طريق الديكتاتورية، ليس بالضرورة، عبر إقامة نظام فرد جديد، بل نظام حزب جديد/ قديم.

ولم انفتحت عقيرة إخوان / غزة، بالمطالبة علناً، بعد أن لاحت لهم قوة حليفهم أو "رفيقهم" الإخواني في القاهرة، بعد أن فض شراكة الحكم مع العسكر وتفرد بالحكم كله، لتعلن بوضوح، بما كانت تخفيه دائماً، وهو المطالبة بفتح المعبر بشكل كامل وتام مقابل إغلاق الأنفاق؟! تسارع الخطوات على طريق ترسيخ كيان غزة بمعزل عن ربطه بالضفة الغربية، بل من خلال ربطه تماماً بمصر، وهذا يرضي "حماس" تماماً في ظل وجود حكم إخواني في مصر، وقد كان يرضيها حتى في عهد نظام حسني مبارك السابق، يؤكد بأن حل الموضوع الفلسطيني، قد تزايدت احتمالات حله في إطار الحل الإقليمي، أي ليس بالضرورة، على أساس دولة فلسطينية واحدة وموحدة في الضفة الغربية وغزة والقدس، وان طبيعة أو مكانة غزة ليس بالضرورة أن تتطابق مع مكانة الضفة، وان ما يحول دون بلورة هذا الحل _ الآن _ إنما عدم الانتهاء بعد من الترتيبات الداخلية في الدول العربية، خاصة تلك التي تشهد الحراك الداخلي على طريق إسقاط أنظمة الحكم القائمة، وعلى وجه الخصوص، سورية.

مثل حجارة الدومينو، كان يمكن للأنظمة العربية أن تسقط تباعاً، لولا أن هناك تدخلات خارجية، إقليمية ودولية، فمصالح الدول الإقليمية والكونية، تدفعها لاتخاذ مواقف سياسية متباينة في طبيعتها ومن ثم في شدتها، تجاه ما حدث ويحدث في الدول العربية، ولا شك أن المحيط ودول وشعوب الجوار لكل دولة يحدث فيها حراك يؤثر بدرجة كبيرة على مستقبل ما يحدث فيها. فثوار ليبيا وجدوا أنفسهم مبكراً، ورغم صعوبة المهمة التي تصدوا لها، بين جارين، كلاهما حقق أهداف الربيع العربي في بلده مبكراً _ تونس ومصر _ وهكذا فقد تلقى ثوار بنغازي دعماً لوجستياً، إضافة للدعم المعنوي، من جيرانهم المصريين، كذلك لم يجد ثوار طرابلس والزاوية والزنتان، انفسهم محاصرين بقوات القذافي من كل مكان، فقد كانت على مرمى البصر هناك نافذة تمدهم بالهواء الطلق من الجارة تونس.

وإذا كان "الناتو" قد دخل الحرب في ليبيا بشكل سافر ومباشر، فان الثورة الليبية على القذافي، جعلت ومبكراً من بنغازي نقطة ارتكاز قاتلت بها حتى على الجبهة الديبلوماسية، في تمديد رقعة الثورة، حتى وصلت الى العاصمة وأنهت الصراع لصالحها. كان يمكن أن يحدث في سورية أمر مشابه، خاصة وان الثورة اندلعت أولاً في الجنوب، في درعا، القريبة من الحدود الأردنية، حيث يتواصل أهل درعا مع أهل الرمثا بوشائج الأخوة والمصاهرة، وكان ذلك يمثل وضعاً نموذجياً، بالنظر إلى العلاقات التاريخية المتضادة بين نظامي سورية والأردن، اللذين تواجها من قبل في مناسبات عديدة .

لكن عدم تدخل القوى الكبرى، وترددها في حسم الصراع داخل سورية على الطريقة الليبية، دفع بأهل درعا الى "اللجوء" للأردن أكثر من الاستمرار بالحرب ضد النظام، ثم لاحت إمكانية ان تكون حلب، كونها المدينة الثانية في الأهمية بالدور الذي قامت به بنغازي في ليبيا، وهذا ما يفسر الحرب الضروس التي تدور في رحاها منذ شهر، لكن المشكلة تكمن في ان تركيا بعيدة عن حلب، لذا فان أصعب ما يحدث في سورية هو ان الشعب السوري وثورته يحاربان النظام وحدهما تقريباً، باستثناء بعض الدعم الإعلامي والمالي الذي تقدمه قطر والسعودية.

لا شك وانه رغم أهمية مصر الإقليمية فإن سورية تحتل مكانة إقليمية مهمة، لذا فإن التغيير فيها سيؤثر جداً، على طبيعة التحالفات في المنطقة، لذا فان الدول التي تشترك مع سورية بحدود جغرافية تمثل أهمية بالغة في الصراع الداخلي الدائر فيها منذ نحو عام ونصف _ وهي 3 دول عربية، العراق، الأردن ولبنان، و3 دول أجنبية لكنها ذات أهمية إقليمية: إيران، تركيا واسرائيل، كل منها ترى في التغيير ما يؤثر على مصالحها، لذا فهي جميعا ليست محايدة إلا بقدر ما سيشكله التغيير من نقلة في سياسة سورية تجاهها. ربما كانت إيران حليفة النظام الحالي أكثر دول الجوار تدخلاً في الشأن السوري، ثم تركيا، أما الأردن ورغم انه موضوعياً مع تغيير النظام، إلا ان رغبته في تجنب ردة فعل نظام الأسد من جهة ومن جهة ثانية، رغبته في الدعم المالي الخليجي تجعله يبدي قدراً عالياً من التحفظ على إعلان دعمه وتأييده للثورة، أما اسرائيل فتحسب بدقة الأرباح والخسائر، لذا فرغم ان الجميع يعلم أن سقوط الأسد بات أمراً محتوماً، إلا أن هناك توافقاً او تواطؤاً في منح وقت حتى لحظة السقوط، يمكن من خلالها التوافق على بديل مقبول، بين حكم مركزي ائتلافي يرضي الجميع او تقسيم طائفي/ كانتوني، يحقق الهدف ذاته!.