للزهار نقول: لا تفتن

كان اسماعيل هنية، أكثر رشداً وأرجح عقلاً من محمود الزهار، في موضوع الحدث الإجرامي في رفح. الأول نطق بالحقيقة وهي أن لا طرف فلسطينياً يؤيد، أو من مصلحته أن يساند، عملاً كريهاً آثماً من هذا الطراز. أما الثاني ـ للأسف ـ فقد ظل على دأبه، وهو أن يتذكر في مناسبة كل عمل إرهابي، أن هناك من شباب "فتح" من يقيمون في مصر وفي العريش تحديداً، فيشير اليهم بإصبع الاتهام، بالتصريح أو بالإيحاء.

وفي ذلك المنحى كان يسبقه حقده وذعره، فيوقعانه في الشطط، وتأخذه أحلام بسبسة، الى التوهم المريض بأن الإخوة المصريين سيصدقون دسائسه، وسيقومون بإبعاد المناضلين الآمنين، الذين جارت عليهم ظروفنا الوطنية السيئة، وجافاهم الأقربون، وتحملوا مكابدات الحياة، بلا سمات إقامة في البلاد، تسهّل عليهم وعلى عوائلهم، سبل الحياة بأقل شروط الاطمئنان. هو يصفهم بأنهم من "الفّارين" علماً بأنهم غادروا لكي لا يقتلوا ولكي يتجنبوا التورط مع الإثم والدم، بعد أن رأوا زملاءهم يقتلون بدم بارد في غزة!

* * *

كثيرة هي التصريحات الزهارية، التي نتجاوز عنها، لمعرفتنا بذهنية الرجل وخفته، ومنظومة التعقيدات المضطرمة في داخله. التاريخ وحده، هو الذي سيثبت أنه أحد مشعلي الفتنة بين الفلسطينيين. لكنه في دسيسته الجديدة، ينم عن جهل بطبائع الأمور وبطبائع السياسة والأمن في الإقليم. فمصر دولة تمتلك أجهزة أمن، تقابل صاحب "الخبرية" المزورة باحتقار بليغ لمفتعلها. والأجهزة تعرف الناس وتعرف أخلاق الشباب الماكثين في العريش وفي مصر عموماً، وهي على دراية بعمق امتنانهم لمصر ولشعبها وسلطتها وثورتها.

ونحن من جانبنا، قلنا في صبيحة اليوم التالي لجريمة سيناء، إننا نرفض الإشارة بإصبع الاتهام بالتواطؤ أو بالتأييد، لحركة "حماس" الفلسطينية، لأن نتائج هكذا غباءات، ترتد وبالاً على الفلسطينيين جميعاً. ونوّهنا الى طرف تمثله شريحة ستخرج من جحورها، للتشهير بالفلسطينيين جميعاً، والنيل من قضيتهم وشرفهم ورمزياتهم. فالسياق المصري العام، ما زال يحاصر هذه الشريحة، وآخر مفاعيل المحاصرة، إسكات وتغييب صاحب "الفراعين" وهو عكاشة أحد رموز التعدي على سمعة الشعب الفلسطيني.

لكن الزهار، يُطل علينا مسبوقاً بهواجسه المعطلة للمصالحة، لكي يتهم الشباب أو يلمح بضلوعهم، وكأن هؤلاء الصائمين الشرفاء، يقبلون المساس بمواطن مصري ناهيك عن جندي من القوات المسلحة المصرية.

ويقيني لو أن شباب "فتح" الذين يتواجدون في العريش، كانوا في المكان، لاستشهدوا دفاعاً عن الجنود المصريين، على الرغم من كون شبابنا لا يمتلكون السلاح. لا يشترونه ولا يبيعونه ولا يقومون بتهريبه وليس لديهم أنفاق! عيب على الزهار الاستمرار في مسعاه. وفي هذه السطور القليلة، لا أريد أن أجرح الزهار وأن أستعيد آراء مبكرة لحمساويين فيه، ولا أن استعيد "لقطات" عجيبة، من واقع زياراته، عندما تسلم وزارة الشؤون الخارجية. لكن الرجل لا يضبط ألفاظه ولا ينظم أفكاره ولا يعاينها قبل الإفصاح عنها. فقد تشبعنا من الفتن، وكان الأجدر، في هذا الرمضان الكريم المبارك، أن يعتصم الزهار بعروة التقوى، وأن لا يرمي الناس بالباطل، لأن في ذلك ما يجر عليه غضب الله العادل. نكتفي بأن نقول للزهار: كفى.. لا تفتن!