​​"مواطن" تختتم مؤتمرها السنوي حول التشريعات الفلسطينية خلال الانقسام

​​"مواطن" تختتم مؤتمرها السنوي حول التشريعات الفلسطينية خلال الانقسام

زمن برس، فلسطين: اختتمت مؤسسة "مواطن" لدراسات الديمقراطية، اليوم السبت، مؤتمرها السنوي الـ21، والذي امتدّ على مدار يومين، لمناقشة قضايا "التشريع في زمن الانقسام.. الصالح العام أم الصالح الخاص"، بمشاركة حقوقيين وسياسيين وأكاديميين، وذلك في قاعة الهلال الأحمر بمدينة البيرة.

وناقشت جلسات المؤتمر الأربع، التشريعات الفلسطينية خلال فترة الانقسام الفلسطيني الممتدة من 2007 ولغاية العام الجاري 2015، وما تعرف بـ "القرارات بقانون" والتي تخوّل رئيس السلطة إصدار قرارات في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، وكذلك توزيع هذه القرارات على مجالات الحكم والشأن الاقتصادي، وقضايا المرأة.

وتحدّث في بداية الجلسة الأولى رئيس مجلس أمناء مؤسسة مواطن، ممدوح العكر، مشخصًا حالة النظام السياسي الفلسطيني، والتي يرى أنها حالة "معقدة ومركبة"، ومن أبرز أعراضها، أن هناك خلل في العقل السياسي تمثّل بالدخول في اتفاقات أوسلو، وثانيها فقدان الإرادة؛ فرغم أن الدلائل تشير إلى فشل المسار التفاوضيّ، إلّا أنّه ليس هناك إرادة جادّة لتغيير المسار، إضافة إلى فقدان الرؤية وبوصلة تحديد الاتجاهات والأولويات وتمثّل ذلك بالانحدار المتسارع نحو الاستبداد، وتغوّل أجهزة الأمن في مناحي الحياة، وتراجع استقلال القضاء ونزاهته، وتراجع حريات الصحافة.

وفي مداخلته، تحدّث مدير عام مؤسسة مواطن، وأستاذ الفلسفة بجامعة بيرزيت، جورج جقمان، عن "المسكوت عنه في الوضع الفلسطيني الراهن" فيما يتعلّق بالتشريعات والقوانين التي أنجزت منذ الانقسام الفلسطيني عام 2007، وتمسّ مناحي الحياة المختلفة. ويرى جقمان أن ذلك أسهم في اجتماع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنع ذلك المجلس التشريعي من الاجتماع لإقرار التشريعات، والمراقبة على أداء السلطة التنفيذية.

ويتساءل جقمان عن السبب الذي يمنع النواب من القيام بمهامهم؛ فالنائب يمثّل من انتخبه لا السلطة التنفيذية. ويشير جقمان أيضًا، إلى أداء ممثلي حماس في البرلمان، والذين أقرّوا تشريعات جديدة دون توفر نصاب، وأيضًا بتعارض في الأدوار والمصالح.

وتحّدث الحقوقي عمار دويك عن "فوضى التشريعات بين السياسة والقانون"، لافتًا إلى أن هناك تشريعات لا تصدر عن الجهات التي يفترض بها أن تشرّع القوانين. وقدّم عرضًا عن مراحل التشريع في فلسطين، ابتداءً من عام 94 حتى عام 96 حيث كان المشرّعون في هذه الفترة هم وزراء السلطة برئاسة ياسر عرفات، وصدر في تلك الفترة 22 قانونًا، أبرزها قانون المطبوعات والنشر، والانتخابات، وقانون الاتصالات، وقانون تشجيع الاستثمار. وتحدّث أيضًا عن الفترة منذ عام 96 وحتى عام 2007، والتي صدر خلالها 90 قانونًا عن المجلس التشريعي الفلسطيني، وأخيرًا عن الفترة منذ حصول الانقسام الفلسطيني عام 2007، وأصدر خلالها الرئيس محمود عباس 130 قانونًا، وتعرف باسم "القرارات بقانون" وفق ما تخوّله المادة 43 من الدستور.

ويرى دويك أن مرحلة الانقسام شهدت نشاطًا تشريعيًا ملحوظًا، صدرت خلاله تشريعات "لم تكن ضرورية"، إضافة إلى أن التشريعات تعلقت بأشخاص وتعيينهم أو نقلهم من مناصبهم، لا سيما تلك المتعلقة بديوان الرقابة، وكذلك مكافحة الفساد، مشيرًا إلى أن قطاع الحكم شهد أعلى نسبة إقرار قوانين، ومن ثم في الموضوع الاقتصادي. ويضيف الدويك أن فترة الانقسام شهدت ضعف التشاور الداخلي مع الفئات التشريعية ذات العلاقة، وعدم الالتزام بالخطة التشريعية، وعدائية السلطة تجاه مؤسسات المجتمع المدني.

وحول تأثير "القرارات بقانون" على مبدأ الفصل بين السلطات، يرى عزمي الشعيبي، المختص في مجال الحكم الصالح ومكافحة الفساد أن كل طرف أقر قوانين، تخدم سياساته وتعزز مكانته ووجوده، فمثًلا حركة حماس أقرّت في غزة 54 قانونًا منذ الانقسام، مثل قوانين الزكاة والتكافل الاجتماعي. فيما في الضفة، يقر الرئيس أو يمنع مرور التشريعات، وذلك لتمكينه لتنفيذ رؤيته وسياساته.

وأشار الشعيبي إلى أن الرئيس ياسر عرفات كان يمتلك رؤية واضحة، وقد عطّل القانون الأساسي لسنتين .. "كان يعرف ماذا يريد"، لافتًا إلى أن المرحلة الحالية تفتقر للرؤية والإستراتيجية الواضحة.

 وتحدّث المحاضر في العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، أحمد مصلح عن التشريعات في قطاع الحكم خلال فترة الانقسام، مشيرًا إلى أن بعضها عارض مواد أساسية في القانون الأساسي، وكان هناك قوانين لتعيين رؤساءهيئات، معتبرًا أن ذلك يشير إلى غياب استراتيجية واضحة المعالم في القوانين المتعلقة بالحكم، وكذلك أنها لك تكن محددة لخدمة جها ما بعينها، الأمر الذي ركز السلطات بيد السلطة التنفيذية وعزز من سلطتها، وأسهم بالمس في المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون، وكشفت ضعف مؤسسات المجتمع المدني.

وفي مداخلة الباحث القانوني محمود علاونة، "التشريعات الثانوية بعد الانقسام، بين الطرزية والحاجة المجتمعية"، تحدّث عن الجهات التي تقف خلال القوانين، وتمويلها، ومن يرغب بإقرارها، وهل المجتمع بحاجة هذه القوانين أم لا.

وأعقبت جلسات الحوار في المؤتمر، مداخلات نقاشية شارك بها النائب عن حركة فتح في المجلس التشريعي عزّام الأحمد، وكذلك النائب عن حركة حماس أيمن ضراغمة، والنائب عن الجبهة الديمقراطية، قيس عبد الكريم، وبمشاركة سياسيين وكُتّاب وأكاديميين.

وتناول اليوم الثاني من المؤتمر الذي تعقده مؤسسة "مواطن"، بالتعاون مع مؤسسة "هنرش بُل فلسطين والأردن"، نقاشًا عن التشريعات المتعلّقة بالشأن الاقتصادي، وماهية الجهات التي تقف خلف هذه التشريعات، وقضايا غياب الرقابة على الموازنة العامة، وحديثًا عن تغييب المرأة عن التشريعات التي تم إقرارها خلال تلك الفترة.

محمد القيسي، الأستاذ المساعد في كلية الحقوق والإدارة العامة بجامعة بيرزيت، تحدّث عن أبرز سمات السلوك التشريعي في الجانب الاقتصادي خلال فترة الانقسام، ومدى تلاؤم تشريعات هذه الفترة مع الخطة التشريعية التي وضعتها الحكومة. وأشار إلى أن هناك اهتمام بقطاعات اقتصادية معينة على حساب قطاعات أخرى تم إهمالها، كالاهتمام بالتشريعات المتعلقة بتشجيع الاستثمار.

وبيّن القيسي أن هناك قوانين ارتبطت بأشخاص كانوا في الحكومة، وتغيّرت بتغيير الحكومة، وأضاف أن هذه الفترة لوحظ خلالها أنه تم منح إعفاءات لشركات كبرى بغض النظر عن المنفعة العامة التي تقدمها، الأمر الذي يعتبر خدمة لمصالح فئات معيّنة.

ولفت إلى أن هناك لقوانين سرت في اليوم التالي لإقرارها، وهو الأمر الذي يعتبر مخالفة دستورية واضحة، بحيث لم يتم نشر القانون وتعميمه في الصحف الرسمية.

بدوره، اعتبر الباحث المتخصص في مجال شفافية الموازنة العامة في فلسطين مؤيد عفانة، أن الموازنة العامة هي المتضرر الأكبر جرّاء الانقسام الفلسطيني وغياب الدور الرقابي الفاعل للمجلس التشريعي الفلسطيني، في مراقبة وتدقيق الموازنة، مؤكدًا أن غياب الشفافية يزيد من حالة "الفوضى"، وينذر بالأسوأ.

وأوضح عفانة أن هناك معايير دولية لقياس مدى الشفافية في الموازنة وأن فلسطين حصلت على درجات متدنيّة وفقًا لهذه المقاييس. لافتًا إلى أن هناك تأخيرًا في عرض الميزانية العامة، التي لا تُعرض على التشريعي قبل إقرارها، ولا بعد إقرارها، ولا حتى لمراقبتها  والتأكد من المخرجات، معتبرًا أن الجهة التي تقر الميزانية، وتنفذها، وتراقب الإنفاق، وتقيّم الموازنة هي نفس الجهة، وهذا ما يرسّخ الفساد.

وتحدّث النائب في المجلس التشريعي عن حزب الشعب، بسام الصالحي عن أن المؤسسة التشريعية مشلولة بالكامل، مرجعًا المشكلة إلى النظام السياسي الفلسطيني ككل.

وناقشت الجلسة الرابعة من المؤتمر، تغييب المرأة عن التشريعات الفلسطينية، وناقشت خلالها لورد حبش، رئيس دائرة العلوم السياسية بجامعة بيرزيت، دراسة تتحدّث عن الهيمنة الذكورية، وأن 1.5% فقط من القوانين اختصّت بالمرأة، مشيرة إلى أسباب غياب التشريعات ومن الجهات المستفيدة من ذلك.

وأوضحت حبش أن هناك إشكالية في الخطاب لدى مؤسسات المرأة، بالإضافة إلى أن صانعي القرار غير مهتمين بقضايا المرأة، وأن هناك حاجة ماسة لقيام المؤسسات النسوية ببناء تحالفات جديدة للإسهام في التغيير.

بدورها، عقّبت النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح، سحر القواسمي، بالقول إن المشكلة الأساس أن قضايا المرأة يُنظر لها بشيء من الدونيّة، وأن العمل يقوم في معظمه لإرضاء أطراف معيّنة، وليس كرؤية إستراتيجية، وأن الخطاب النسوي المقدّم حتى الأن في محمله خطاب نخبوي، وليس شعبي.

وعقّب أشرف أبو حيّة، المحامي والباحث القانوني في مؤسسة الحق، بالقول إن هناك انقسامًا في المؤسسات النسوية، وعدم تبني خطاب وجهد موحد، وعد تبني قضايا تهم شرائح واسعة من النساء.

وتحدّث النائب في المجلس التشريعي مصطفى البرغوثي، عن الأثار السلبية لتغييب المجلس التشريعي، وعرض الكاتب والصحفي هاني المصري ملخصًا عن ماهية العمل في ظل المعطيات الحالية، والتعقيد الذي تشهده الساحة الفلسطينية منذ سنوات، وعقّب ياسين ياسين، على الحديث ممثلًا عن مجلس الوزراء الفلسطيني.

حرره: 
م . ع