عن المقاطعة

الفيفا

"الكثيرون في العالم يفهمون أن هدفها هو سلب الشرعية عن إسرائيل لكنها تهديد استراتيجي"

يوسي كوبرفاسر

النقاشات في «الفيفا» حول اقتراح الفلسطينيين اقصاء اسرائيل، اعتبرت هنا دليلا على مستوى خطورة اللاشرعية ضدنا. لكن رغم أن هذه المخاوف لها ما يبررها، فان هناك مبالغة في مدى فورية الخطر. الفلسطينيون ومن يؤيدوهم ما يزالون بعيدين جدا عن الحاق الضرر الحقيقي بالعلاقة بين اسرائيل والديمقراطيات الليبرالية، وعزلها والتأثير في اقتصادها. التجارة الاسرائيلية (بما في ذلك مع دول معادية نسبيا مثل تركيا) آخذة في الاتساع، الاكاديميون الاسرائيليون مطلوبون جدا في الجامعات الأبرز في العالم، أي جامعة لم تصادق على مقاطعة اسرائيل، حتى وإن نجح طلاب متطرفون هنا وهناك في تمرير قرارات ضدها في المجالس الطلابية.

النجاحات الموضعية القليلة لمن يريدون سلب الشرعية عن اسرائيل، تخلق في العادة الردود، فهي تقوم بكبح انتشارها. لقد فشلت مثلا محاولات ارسال سفن اخرى في أعقاب «مرمرة»، أو تحويل قرار صندوق هولندي وبنك اسكندنافي بسحب مبلغ رمزي من البنوك الاسرائيلية بسبب نشاطاتها في الضفة، إلى بداية موجة سحب الاستثمارات.
الاعتراف بأن ما يقف من وراء الحملة الفلسطينية هو الرغبة في اهانة وعزل اسرائيل من اجل سحب سلب شرعيتها كدولة قومية للشعب اليهودي وتقييد قدرتها في الدفاع عن نفسها ـ تسبب لعدد من منتقدي السياسة الاسرائيلية، مثل نوعم شومسكي والمؤرخ نورمان فنكلشتاين، بالتحفظ من حركة المقاطعة. الكثيرين من زعماء الغرب يعترفون أن الحرب التي يديرها الفلسطينيون، من اجل أهدافهم أحادية الجانب في المؤسسات الدولية، هدفها التملص من المفاوضات المباشرة التي سيطلب منهم فيها الاعتراف بالهوية اليهودية لاسرائيل واحتياجاتها الامنية. التنازل الفلسطيني في «الفيفا» نبع من حقيقة أنهم أدركوا أنهم سيتعرضون للهزيمة، مثل فشلهم في محاولة الحصول على تأييد مجلس الامن باعتراف أحادي الجانب بالدولة الفلسطينية في 2011.
ومع ذلك، لا يجب التقليل من حملة سلب الشرعية ضد اسرائيل، لأنها تحمل في طياتها امكانية أن تتحول إلى تهديد استراتيجي، سواء كون الانجاز الأساسي لها هو على مستوى الوعي، أو لأن معارضي اسرائيل يرفعون موضوع سلب الشرعية كمبرر لزيادة الضغط على الحكومة. ينبع الخطر من استعداد قطاعات واسعة في الجمهور الاسرائيلي إلى تبني الاهانات والاكاذيب التي يروجها الفلسطينيون وشركاءهم في الغرب (الكثيرين منهم يهود).
من اجل ايقاف الخطر في بدايته، هناك حاجة إلى استراتيجية شاملة هي اعادة مراجعة الاكاذيب التي يبثها الفلسطينيون وتغيير قوالب التفكير التي تميز النقاش حول جوهر الصراع والعوائق التي تقف في وجه حله. اسرائيل ملزمة باقناع العالم أن السبب الاساسي للطريق المسدود ليس عدم رغبتها في السلام، بل المطالب الفلسطينية والتحريض المتواصل. يجب عليها أن تقول إن المعالجة المصممة لهذه المشكلة من الجهات المانحة للسلطة الفلسطينية هي التي تُمكن من التركيز على الاتفاق. في المقابل فان تأييد الخطوات أحادية الجانب للفلسطينيين سيشجعهم على التمسك بمواقفهم.
يجب على اسرائيل أن تقول إنه لا فائدة من المحاولات المستمرة لتحريك عملية السلام فقط عن طريق رعاية مشاعر الذنب عند الاسرائيليين بسبب استمرار السيطرة على المناطق، وعن طريق الادعاءات حول الابرتهايد. نتائج الانتخابات تشير إلى عدم نجاعة هذه الوسائل، وفي جميع الاحوال الحديث يدور عن اتهامات وتهديدات غير صحيحة.
تحقيق هذه الاستراتيجية يحتاج إلى خلق أدوات مناسبة وتخصيص الميزانيات لادارة الصراع بشكل متواصل، بمشاركة اصدقاء اسرائيل في عمل منسق ومتواصل، وبناء استراتيجية لمواجهة الضغوط المتناقضة النابعة من الطريق المسدود في الموضوع الفلسطينية.
من جهة، الوقت ليس مناسبا لتقديم التنازلات لأن السلام لا يبدو في الأفق على أساس حل الدولتين للشعبين اللذان يعترفان ببعضهما. وهذا بسبب عدم استعداد الفلسطينيين للاعتراف بدولة الشعب اليهودي، وعلى ضوء الواقع الاقليمي الذي يجعل من التنازلات الفلسطينية الجوهرية، كارثية. ومن جهة اخرى لا شك أن الفلسطينيين واصدقاءهم سيستغلون الالتزام الدولي لهم، وتغيير نوايا نتنياهو وتشكيلة الحكومة، من اجل المبادرة إلى خطوات أحادية الجانب والضغط على اسرائيل من قبل جهات متطرفة في المعارضة. استعداد الادارة الأمريكية إلى اعادة النظر في اتجاهات العمل من شأنه أن يُصعب على اسرائيل كبح المخاطر وبالتالي تقديم التنازلات.
في ظل غياب البديل الحقيقي لحل الدولتين، فان الاستراتيجية التي اختارها نتنياهو هي ادارة الصراع، ومنع التصعيد واتخاذ قرارات مناهضة لاسرائيل في العالم، والتركيز على الصراع مع إيران وتطوير العلاقات مع السنة البراغماتيين. مشكوك فيه أن تنجح هذه الاستراتيجية بعد حسم موضوع السلاح النووي الإيراني، لذلك يجب تهيئة الأجواء لحل خلاق للصراع في المستقبل، مع تبيان الافضليات لحل كهذا لجميع الأطراف.
من اجل السماح حاليا بادارة الصراع وتحسين قدرة اسرائيل على افشال الحملة ضدها، فان نتنياهو يحاول الاقناع أن سعيه للسلام من خلال ثلاثة أسس: تجديد الالتزام بصيغة بار ايلان، الاستعداد لتركيز البناء في المستوطنات في الكتل الكبيرة المتفق عليها والجهد الكبير لتحسين حياة الفلسطينيين. وهو يمتنع، خلافا للماضي، عن الانقضاض على الفلسطينيين، في الوقت الذي يتصرفون فيه بطريقة استفزازية. يبدو أن هذا ناجع حتى الآن، لكن الحصانة لا توجد طول الوقت. فاستمرار ادارة الصراع يتطلب منه الاعلان عن استعداده للتنازلات (حتى لو كان الثمن التصادم مع شركائه الطبيعيين) واتخاذ خطوات على الارض تمهد لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة دون المس بقدرة اسرائيل على التصرف في المجال الامني.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م