قصيدة حب من الإمارات الى غزة في حفلة الختام

دبي: أكثر من نصف مليون دولار وزعها مهرجان دبي على الفائزين في دورته الثامنة بعد أسبوع من العروض السينمائية، استقطبت خلاله المدينة الإماراتية نجوماً من حول العالم، وضيوفاً من عشاق الفن السابع. اما التتويج، فكان من نصيب الفيلم الفلسطيني «حبيبي راسك خربان» للمخرجة الاميركية من اصل لبناني سوزان يوسف التي جالت بفيلمها هذا في مهرجانات فينيسيا وتورونتو وبوسان، قبل ان تصل الى مهرجان دبي الذي راهن عليها قبل سنة حين منحها دعمه من خلال برنامج «إنجاز» الخاص بتقديم الدعم للمشاريع قيد الإنجاز. ولعل أهمية الفيلم القصوى تكمن في كونه اول فيلم روائي طويل، صوّر في غزة منذ 15 سنة. كما انه لم يستق من حبر الحرب الأحمر حبكته، كــما تكمن العادة في الأفلام الآتية من فلسطين، إنما استعار حبر الشعر لينســج خيوط قصة حب مستحيلة.

وعلى رغم ان بطلينا ينتميان الى الزمن الحاضر الا انهما يحملان الكثير من ملامح بطلي اشهر قصة حب في التراث العربي: قيس وليلى. أولاً، لناحية تشابه الأسماء، كما لناحية المصير الواحد ووله قيس بالشعر وإعلان حبه لليلى من دون خجل بنقش أشعاره على جدران المدينة. وككل قصص الحب الكبرى، يصطدم الحلم بالواقع، إذ تحول التقاليد والفوارق الاجتماعية بين ابن المخيم الفلسطيني المفلس وابنة المدينة ميسورة الحال دون زواجهما، لتكون نهاية «مجنون ليلى» المعاصر مأسوية.

لكنّ هذه الحبكة، وعلى رغم ما تحمله من جماليات رومانسية، لم تخل من هنات العمل الأول، خصوصاً لناحية «سذاجة» ما في السيناريو. وهنا يطل المشهد الذي يجمع العاشقين في احد مراكز التفتيش الاسرائيلية حين يقرران الهروب معاً بجوازات سفر مزورة، سرعان ما يكتشفها العدو، حتى يبدأ اغراءاته بإقناعهما بالتجسس لمصلحته في مقابل ان يوفّر لهما طريق الخروج. لكنّ ليلى تختار حب الوطن على حب قيس، وتصمد امام كل الإغراءات والضربات قبل ان نراها فجأة في سيارة اجرة برفقة حبيبها، تعود أدراجها الى المنزل.

ولم يكتف فيلم «حبيبي راسك خربان» بجائزة أفضل فيلم، إنما فاز ايضاً بأفضل مونتاج وافضل ممــثلة (ميساء عبدالهادي). وعن الفئة ذاتها (جوائز مسابقة «المـــهر العـــربي للأفلام الروائية الطويلة») فاز الفيلم الأردني «الجمعة الأخيرة» ليحي العبدالله بثلاث جوائز أيضاً، هي جـــائزة لجــنة التحكيم الخاصة، وأفضل موسيقى للأخوة جبران، وأفضل تمثيل (علي سليمان). فيما نال المخرج المغربي حكيم بلعباس جائزتي افضل سيناريو وتصوير عن فيلم «شي غادي وشي جاي».

نبش في الذاكرة

ولم يكن مفاجئاً فوز المخرج اللبناني نديم مشلاوي بالجائزة الكبرى في مسابقة «المهر العربي للأفلام الوثائقية»، خصوصاً ان فيلمه ينهل بعمق من ذاكرة الحرب اللبنانية انطلاقاً من رؤية ثلاث شخصيات عاصرت تلك الحقبة كل على طريقته، هي الزميل حازم صاغية والمهندس المعماري برنار خوري والطبيب النفسي شوقي عازوري. ومن مهن هؤلاء الثلاثة، وتأثير الحرب على كل واحد منهم، كل في مجاله، حاول المخرج تجميع قطع «بازل» puzzle ذاكرة الحرب واحدة واحدة ليرسم صورة وطن حاول ان يختزله بمنطقة الكرنتينا وتحولاتها، من المستشفى الفرنسية، الى المسلخ فالمدبغ، مروراً بإيواء الغرباء والمهمشين، ليختتم شريطه بلقطة بديعة لغرفة مهجورة إلا من نور شمس يدخل من نافذة صغيرة، إيذاناً بأمل كبير بمستقبل ما.

وعلى رغم ان هذا الشريط استند في جزء كبير منه الى الشهادات الا انه لم يقع في فخ الريبورتاجات التلفزيونية او صف الكلام الذي يشبه بعضه بعضاً، إذ نجح مشلاوي في استنطاق شخصيات فيلمه واستدراجهم الى المكان الذي يريد، مقدماً الجديد والمفيد. وكان لـ «الفيديو آرت» دور كبير في منح الفيلم هوية خاصة مفعمة بشاعرية فلسفية تأملية، تُنبئ بولادة مخرج موهوب. اما جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن الفئة ذاتها، فذهبت الى المخرج العراقي أكرم حيدو عن فيلم «حلبجة - الأطفال المفقودون». ونالت الجزائرية-الفرنسية ياسمينا عدي الجائزة الثانية عن فيلم «هنا نغرق الجزائريين - 17 أكتوبر 1961»، فيما نال التونسي مراد بن الشيخ شهادة تقدير عن «لا خوف بعد اليوم» الذي يروي فصولاً من ثورة الياسمين بعيون شخصيات كانت ناشطة فيها.

الخاسر الأكبر

وخلافاً للأفلام الروائية العربية التي أتت دون المستوى هذا العام، بما لا يسجل اي خاسر، فإن مسابقة الأفلام الوثائقية، تضمنت أفلاماً مميزة، الى درجة ان عدم فوز بعضها لا يُمكن ان يمر مرور الكرام. ولعل الخاسر الأكبر هنا، هو الفيلم المصري الدنماركي «نصف ثورة» الذي يُمكن اعتباره احد اهم الأفلام المصرية التي حققت عن «ثورة يناير». وعلى رغم انه لم يلفت نظر محكّمي مهرجان دبي، الا ان مكافأته أتت سريعاً، باختياره في المسابقة الدولية لمهرجان «ساندنس». وهناك ايضاً فيلم هادي زكاك «مارسيدس» الذي لفت الأنظار ونال «جائزة النقاد الدوليين»، والفيلم الأردني «عمّو نشأت»، وسواهما من الأفلام الوثائقية التي نالت استحسان جمهور دبي، ما دفع كثراً الى السؤال عن سبب هذه الهوة بين مستوى الأفلام الروائية العربية ومستوى الأفلام الوثائقية. وإذا كان احد النقاد اعتبر ان الواقع العربي أقوى من اي خيال، ما يجعل السينمائيين العرب أكثر تعبيراً في الوثائقي منهم في الروائي، فإن آخرين يرون ان الأفلام الروائية المميزة لم تغب هذا العام، لكنّ «دبي» عجز في الوصول اليها.

وفي مقابل هذا الخلل في البرنامج، نجح «دبي» في استقطاب افلام مميزة في مسابقة «المهر الآسيوي الأفريقي للأفلام الروائية الطويلة»، مثل «حدث ذات مرة في الأناضول» للمخرج التركي نوري بلجي جيلان الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، بينما ذهبت جائزة أفضل فيلم لـ «تاتسومي» من إخراج إريك كوو من سنغافورة. وفي مسابقة المهر الإماراتي، فازت نجوم الغانم بالجائزة الأولى عن فيلم «امل»، فيما ذهبت جائزة لجنة التحكيم الخاصة الى «أطفال» لمحمد فكر، وحصد الجائزة الثانية «آخر ديسمبر» لحمد الحمّادي، كما نال «لندن بعيون امرأة محجّبة» لمريم السركال، شهادة تقدير.

وبعيداً من الجوائز وأخبار المسابقة، استطاع مهرجان دبي في دورته الثامنة ان يشكل منصة حقيقية لصناع السينما العربية للمضي قدماً في مشاريعهم من خلال «ملتقى دبي السينمائي» الذي يتيح المجال امام المخرجين العرب لعرض مشاريعهم على منتجين من حول العالم، ما من شأنه ان يخلق دينامية سينمائية متواصلة.

دار الحياة