الضبابية المنتصرة

صورة توضيحية

بقلم يوسي ميلمان

من الواضح انه لن تحدث معجزة في الشرق الاوسط، ولن يكون خاليا من السلاح النووي. هذا لن يحدث هذا الشهر عند انتهاء الاستعراض للجنة وثيقة منع انتشار السلاح النووي وليس في المستقبل المنظور ايضا.

بدأت هذا الاسبوع في نيويورك لجنة الاستعراض الرابعة، وهي تنعقد منذ 1995 مرة كل خمس سنوات، وهدفها هو محاولة بلورة ميثاق جديد بديل للميثاق الموجود، والذي وقع وصودق عليه عام 1970.

يقول الميثاق ان الدول العظمى الخمس فقط، والاعضاء الدائمين في مجلس الامن، من حقها التطوير والاحتفاظ بالسلاح النووي ـ ويمنع عليهم نشره او نقل المعلومات، أو ادوات ومواد، تساعد دول اخرى على انتاجه. هذا الترتيب الذي يسمح للدول الخمسة: الولايات المتحدة،، روسيا، بريطانيا، الصين وفرنسا، باحتكار السلاح النووي. لا يعجب الكثير من الدول اللواتي يطالبن تغيير الميثاق، ولكن طالما انه لا يوجد ميثاق جديد فان القديم لديه صفة قانونية ملزمة.

في النصف الثاني لسنوات الستين، حيث كان الميثاق بمرحلة البلورة، فكرت إسرائيل بجدية بالانضمام إلى الميثاق، وهذا نبع من الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة عليها، ولكن في نهاية المطاف استوعبت الضغوطات ولم توقع على ميثاق NPT. وحسب التقارير الصحافية الامريكية، فانه على خلفية التوتر والازمة مع مصر في ايار 67، وبدون ان يكون نقاش منظم، اتخذ في إسرائيل قرار لعمل تحضيرات لقدرة تنفيذية للقنبلة النووية التي استطاعت تطويرها حتى ذلك الحين.
منذ ذلك الوقت تنسب لإسرائيل سياسة «الضبابية النووية» ـ انها لا تنفي ولا تؤكد ان لديها سلاح نووي. والعالم جميعه يفترض انها واحدة من بين تسعة دول (خمسة باذن واربعة بدون اذن) التي تملك سلاح نووي. والدول الاربعة التي لا تملك ا ذن هي إسرائيل، الهند، وباكستان، حيث ان هاتين الدولتين ايضا لم توقعا على الميثاق، وكوريا الشمالية التي انضمت ثم انسحبت من الميثاق.

ولكن على العكس من الهند والباكستان وكوريا الشمالية، حيث قامت هذه الدول بعمل تجارب نووية واعترفت بذلك، فان إسرائيل لم تقم باجراء تجربة نووية (وقد وقعت على ميثاق منع التجارب النووية لكنها لم تصادقها) ومع ذلك وحسب تقارير صحافية سابقة فان إسرائيل اشتركت في تجربة لجنوب افريقيا تمت عام 1979 في المحيط الهندي، او على الاقل استلمت نتائجه. وحسب كتاب «حرب الظلال» لصديقي وشريكي الامريكي دان رفيف، فان إسرائيل حصلت على نتائج التجربة التي قامت فرنسا باجرائها.

إسرائيل لم تشترك في ا للجنة الاستعراضية بحجة انها غير موقعة على ميثاق عدم نشر السلاح النووي. لكنها تشترك هذه المرة «كمراقبة» وهذا نتيجة للضغط الدولي الذي مورس عليها بالذات من قبل الولايات المتحدة وبسبب الوضع الجديد في الشرق الاوسط.

والتغيير في الموقف الإسرائيلي بدأ مع انتهاء اللجنة الاستعراضية السابقة عام 2010، وحصل هذا بعد أن قرر نظام اوباما الانضمام إلى المبادرة العربية (وعلى رأسها مصر) التي دعت إلى تعيين وسيط يحاول تحقيق فكرة اقامة منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الاوسط. وقد اقيمت في العالم عدة مناطق كهذه ـ امريكا الجنوبية ومركزها واسيا وافريقيا.

واضطرت إسرائيل إلى تبني هذه الفكرة «اذا لم تستطع ضربه انضم اليه» لكنها طلبت تعديل البنود والشروط التي بناء عليها عين الوسيط ـ دبلوماسي فنلندي رفيع المستوى ـ وتم قبول المطالب الإسرائيلية، واتفق ان تكون المحادثات غير رسمية وغير ملزمة، وان تناقش ليس المسائل النووية فقط ـ رمز واضح لإسرائيل ـ وانما ايضا باقي انواع السلاح للدمار الشامل، السلاح الكيميائي والسلاح البيولوجي.

بعد تأخير وعقبات عقدت عدة جلسات للحوار بين السنوات 2011 ـ 2013 في سويسرا. وفي اللقاءات الاولى كان التواجد لافتا. وشملت ممثلين عن مصر، السعودية، الامارات ودول عربية اخرى، حتى إيران ارسلت ممثل عنها لاحد اللقاءات. الوفد الإسرائيلي كان برئاسة نائب مدير عام وزارة الخارجية جيرمي شيشكروف وممثلين عن لجنة الطاقة الذرية، ومجلس الامن القومي وممثلين عن وزارة الدفاع، الجيش وغيرهم. كان هدف المحادثات في سويسرا فحص الجاهزية لمؤتمر اقليمي لافراغ الشرق الاوسط من السلاح الغير تقليدي. لكن في نهاية المطاف وصلت المحادثات إلى طريق مسدود، بعض الدول مثل العراق وسوريا لم ترسل ممثلين للمباحثات، وتوقفت إيران عن المشاركة.

بذلت إسرائيل من جهتها جهودا من اجل التصعيب على المباحثات ومنع التقدم، واستخدمت حوادث تقنية ورسمية ـ طلب ابعاد أي رمزية (علم، حراس شخصيين) وتدخل الامم المتحدة، وما هي حدود الشرق الاوسط ـ هل يجب ان يشمل دول مثل شمال افريقيا ودول نووية مثل الهند وباكستان (الدول الإسلامية الوحيدة في العالم التي تمتلك السلاح النووي). وطالبت إسرائيل ايضا تفكيك ادوات اطلاق السلاح ـ أي الصواريخ.

الموقف الإسرائيلي كان ولا زال مثل السؤال حول البيضة والدجاجة. تقول إسرائيل انه قبل أي انعقاد لمؤتمر تفريغ الشرق الاوسط من السلاح النووي، على كل دول المنطقة الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود، والتوقيع على اتفاقيام سلام معها بما في ذلك ترتيبات امنية واقامة علاقات دبلوماسية، عندها فقط البدء بحوار على انشاء منطقة منزوعة من سلاح الدمار الشامل.

استعداد إسرائيل للمشاركة في اللجنة الاستعراضية كمراقب يعود ايضا للتغييرات الكبيرة في الشرق الاوسط، اضطرت سوريا إلى تفكيك سلاحها الكيميائي الذي كان من الاكبر في العالم، والحرب الاهلية تمزق سوريا إلى اشلاء. العراق، ليبيا، اليمن ليست دول سيادية مع سلطة مركزية. الإرهاب الإسلامي الاصولي الذي لم يسبق مثيل لبشاعته، يملأ الشرق الاوسط. الشرخ العميق بين الشيعة والسنة آخذ بالازدياد. إيران تزيد من جهودها لتصبح قوة نووية مسيطرة.

كل هذا خلق واقع جديد وتحالفات جديدة واولويات جديدة. دول عربية سنية مثل مصر، السعودية، والامارات قلقة عندما تكون إيران نويية وسعيها إلى السيطرة اقليميا، اكثر من قلقها من احتكار إسرائيل للسلاح النووي.

مصر التي كانت في السابق متشددة تجاه السلاح الإسرائيلي النووي، تلين من نبرتها، وقال ليس دبلوماسي مصري ان الموقف المبدئي هو افراغ الشرق الاوسط من السلاح النووي لكن الضغط على إسرائيل لن يكون هذه المرة كبير، وهذا نابع من العلاقات الامنية بين القدس والقاهرة التي في مركزها محاربة الإرهاب في سيناء ـ المجموعات الإرهابية التي قدمت الولاء لداعش، وحماس في قطاع غزة.

من ناحية إسرائيل الحدث الاصعب الذي يمكن ان يحدث في لجنة الاستعراض سيكون قرار الاستمرار حسب المباحثات الاخيرة، بمشاركة إسرائيل ودول من الشرق الاوسط، لاقامة منطقة منزوعة سلاح الدمار الشامل، اذا حدث هذا ستعيش إسرائيل مع هكذا قرار بسلام وهي تعرف انها أي اللجنة لن تؤدي إلى أي مكان. وايضا في السنوات القادمة لن تهدد سياسة الضبابية الناجحة التي بلورتها إسرائيل ومستمرة منذ خمسين عام.

اللعب بالنار

الحرب الاهلية في سوريا مستمرة منذ خمسين شهرا ولم تعد سوريا دولة واحدة كاملة وسيادية وهي موزعة إلى مقاطعات واماكن صغيرة تسيطر عليها عشرات المنظمات. صحيح أن بشار الاسد ونظامه صامدان لكن الوضع سيء جدا بل الاسوأ منذ اندلاع الحرب.

يهدد المتمردون في السيطرة على اجزاء من قطاع الشاطيء وتهديد ميناء اللاذقية وهي مدينة عائلة الاسد ولولا المساعدة الاخذة بالازدياد من حزب الله وإيران لكان الاسد قد طرد منذ زمن. هو وجيشه يسيطرون على 30 في المئة مما كان في السابق سوريا.

إسرائيل تستغل هذا الوضع وحسب تقارير اجنبية فانها تقوم بقصف جوي منذ عامين لمخازن للجيش السوري منها تنقل صواريخ متقدمة لحزب الله في لبنان والتقديرات حسب هذه التقارير تتحدث عن اكثر من 10 مرات والمرتان الاخيرتان كانتا في الاسبوع الماضي.

إسرائيل لا تنفي ولكنها لا تصادق ايضا وجميع هذه العمليات مرت بدون رد من نظام الاسد او كان الرد بسيطا من حزب الله. لكن اللعب بالنار هو بين إسرائيل وحزب الله وإيران على الاراضي السورية وهذا خطير وقد يخرج عن السيطرة ويتحول إلى مواجهة عسكرية لا يريد أي احد بها.

تعبيرا عن الخوف الإسرائيلي من التصعيد كان انت مصدر عسكري نفى ان تكون إسرائيل قد نفذت الهجوم الاضافي في الليل بين يوم الاثنين والثلاثاء على مواقع الجيش السوري وحزب ا لله كما قالت الصحافة العربية.

بالمقابل، فان مصادر امنية لم ترد عندما نسبت لسلاح الجو عمليتان من القصف على اهداف في سوريا مساء يوم الاستقلال وفي الليلة بين الجمعة والسبت قبل اسبوع. بعد هذا الهجوم قرر من قرر في طهران والضاحية الجنوبية حيث يتواجد حزب الله في بيروت بالرد، وارسال الخلية التي خططت زرع عبوات ناسفة يوم الاحد على الحدود في هضبة الجولان، اكتشف الجيش الإسرائيلي هذه الخلية وقتل اعضاءها.

الاحداث في الجولان والرد الإسرائيلي يذكرنا بما حدث في كانون الثاني 2015، مرة اخرى حسب تقارير صحافية حيث قصف سلاح الجو الإسرائيلي قافلة سيارات في منطقة القنيطرة وقتل جنرال من حرس الثورة الإيراني وجهاد مغنية (ابن عماد الذي كان وزير الدفاع لحزب الله وقتل في كانون الثاني 2008 في دمشق والموساد متهم بذلك) وقادة اخرون في حزب الله وباعقاب هذه العملية اقتبست وسائل إعلام اجنبية مصدر امني في إسرائيل حيث قال ان الجنرال الإيراني لم يكن هدفا للتصفية، كانت هذه محاولة بارسال رسالة تطمينية لإيران خوفا من الرد. بعد ذلك جاءت التقارير التي قالت ان إسرائيل عرفت جيدا من هم موجودون في القافلة.

السؤال الاكبر هو اذا كان لإسرائيل استراتيجية واضحة تجاه سوريا. في حينه حدد وزير الدفاع الإسرائيلي انها لا تتدخل بما يحدث داخل سوريا لكنها ستدافع عن مصالحها الامنية والتي تشمل الحفاظ على الهدوء على الحدود وكل اطلاق موجه ضد إسرائيل او عمل معادي سيعقبه رد عسكري وستقوم إسرائيل باي جهد لمنع نقل سلاح متطور من سوريا للبنان وبالذات صواريخ بعيدة المدى ودقيقة وصواريخ ضد الطائرات.

معظم عمليات القصف على ما يبدو والمنسوبة لإسرائيل هي ردا على تلك المصالح الإسرائيلية. باستثناء التعرض لحياة الجنرال الإيراني ومغنية الذي كان عمل استثنائي. وكان هدف القتل منع إيران وحزب الله من اقامة شبكة عسكرية في سوريا بالقرب من الحدود مع إسرائيل لتعمل عند الحاجة.

لكن شخصيات بارزة في الاجهزة الامنية اعترفت انه من الصعب ردع عدو يريد التسلح يمكن ردعه عن استخدام السلاح ولكن ليس التسلح. إذن ما الفائدة من قصف الصواريخ المتقدمة حيث ان المنظمة اللبنانية الشيعية لديها 100 الف صاروخ تستطيع ان تصل إلى أي هدف قريب أو بعيد في إسرائيل. ولن تؤثر بعض الصواريخ في الحرب المستقبلية.

من هنا يأتي السؤال ـ هل بلور زعماء إسرائيل لانفسهم استراتيجية واضحة ويعملون على تطبيقها، ام ان التكتيك هو اصابة العدو كلما توفرت المعلومات الامر الذي قد ينعكس علينا. إلى متى سيتمكن الإيرانيون وحزب الله بالسماح لإسرائيل بالاستمرار بضربهم دون رد؟ هم ايضا مثل إسرائيل لديهم خطوط حمراء ورغبة في الردع.

معاريف

حرره: 
س.ع