هل غزة مقبلة على فلتان أمني؟!

فلتان أمني بغزة

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: اختطاف وتعذيب.. تفجيرات هنا وأخرى هناك، طالت منازل قيادات وكوادر في حركة فتح، حتى المراكز التي تتحصن بمربعات أمنية لم تسلم.. تبعتها بيانات تهديد ووعيد.. ، فتعددت الأهداف والأشكال والنتيجة واحدة في قطاع غزة، هوس أمني وخوف من القادم هو المسيطر على المشهد الغزي هذه الأيام، حيث يخيم الرعب من عودة شبح "الفلتان الأمني" مجددا إلى القطاع كما كان قبل عام 2006 حصدت أرواح العديد من المواطنين الأبرياء.

وشهد القطاع منذ شهر أغسطس الماضي حتى يومنا هذا أكثر من 34 حادثة فلتان أمني، شملت الاختطاف والتعذيب والقتل وتفجير منازل قيادات وكذلك مؤسسات مجتمعية وتهديد للمواطنين، وذلك حسب إحصائية تابعة للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، التي حثت على ضرورة الكشف عن الجناة من قبل وزارة الداخلية في قطاع غزة.

وكانت آخرها خطف الصحفي محمد المغير، لأكثر من ثمان ساعات وتعذيبه ومن ثم إلقائه أمام مشفى الشفاء الطبي بغزة، وتلاها تفجير سيارة تابعة للقيادي بحماس سامي الهمص في مخيم النصيرات وسط القطاع.

أحداث خلقت فوضى في تبادل الاتهامات بين كل من طرفي الانقسام داخل حركة فتح (أتباع الرئيس محمود عباس والقيادي المفصول محمد دحلان) من جهة وبين فتح وحماس من جهة أخرى، خاصة أن الأخيرة هي التي ما زالت تحكم القطاع من خلال أجهزتها الأمنية على الرغم من تسليمها الحكم لحكومة التوافق، انعكاسات هذه الاتهامات فرضت نفسها من خلال دب الخوف والرعب بين المواطنين.

مدير العلاقات الدولية في حركة فتح مأمون سويدان يرى أن ما يجري في قطاع غزة عبارة فلتان أمني ممنهج ومخطط له مسبقا، مستغربا أن "الأجهزة الأمنية التي تسيطر عليها حركة حماس وتتباهى بقوتها وحضورها القوي وقبضتها الأمنية المتينة، تعلن في كل مرة أن الفاعل مجهول ولم تستطع الوصول إلى الجناة"، على حد قوله.

موقف أجهزة حماس الأمنية المتشابه دائماً من تلك الحوادث دفع سويدان للشك "بأن هذا الفلتان يذهب باتجاهات محددة وتخدم أطراف بعينها، أولها العدو الإسرائيلي وجميع عناصر الفساد والإفساد"، محملا المسؤولية" أولا وأخيرا لحماس وأجهزتها الأمنية سواء كانوا هم الفاعلون أم المساعدون للجناة" على حد تعبيره.

فيما قال  الناطق باسم الشرطة في غزة أيمن البطنيجي" إن الخلافات الداخلية لحركة فتح لها تأثيرها الواضح على الوضع في القطاع، وذلك تبعا لاختلال الواقع الذي يعيشه، واستمرار توتر الأمور بين عناصر دحلان وعباس يساهم في زعزعة الأمن، مشيرا إلى أن أحد الطرفين يحاول استغلال احترام حكومته " لحريات التعبير والرأي واستغلالها بما يضر المواطنين" يقول البطنيجي".

وكشف البطنيجي خلال اتصال هاتفي  مع زمن برس عن أن" جماعة دحلان هي المستفيدة مما يجري، منوها إلى أنه تم التحقق من ذلك بعد إلقاء القبض على جناة نفذوا بعض التفجيرات".

ويقول :" هذه الجماعة تحاول تهيئة الأجواء الداخلية لعودته في المستقبل القريب إلى غزة، وفرضه على الساحة السياسية"، موضحاً " أن حكومته ألقت القبض على ثلاثة عناصر متورطين في التفجيرات الأخيرة أثبتت التحقيقات معهم أنهم على علاقة بدحلان".

بينما  رفض سويدان وبشكل قاطع إلصاق التهمة لحركته، "فلا يمكن أن يكون هنالك صراع فتحاوي دموي" يقول سويدان لزمن برس، متهماً مؤيدي دحلان "المجموعات الخارجية عن حركته"، بما يجري في غزة.

وحول هذه النقطة شدد سويدان"  على أن الأجهزة الأمنية بغزة هي من تقوم بتوجيهها لأفعال "هذه الثلة الضالة" أو تتغاضى عما يفعلون بأقل التقديرات، أما فتح بالنسبة لسويدان "فهي واحدة، تتبع للرئيس عباس، لا علاقة لها بمجموعات صغيرة لا تكاد تظهر".

وتابع سويدان قائلاً:" حكومة حماس تعرفها، وهي التي قادت إلى الفلتان الأمني في الماضي، وتسببت في سقوط حركة فتح".

ومن هنا شدد البطنيجي على أن الفلتان الأمني لن يعود لقطاع غزة، على الرغم من محاولة من وصفهم "بالطابور الخامس" بدب الرعب والخوف لدى المواطنين من خلال الأحداث الأمنية الأخيرة التي كان هدفها التخويف لا القتل على حد تعبيره.

مدير  العمليات المركزية التابعة لتابع لوزارة الداخلية في غزة العقيد محمد خلف أنكر أن يكون هناك أي "زعزعة أمنية"، وأعتبر" أنه  من الطبيعي أن تحدث بعض الجرائم في مجتمع يعاني من الضغوط النفسية نتيجة اشتداد الحصار عليه اسرائيليا وعربيا ودوليا، وحداثة انتهاء الحرب الإسرائيلية عليه، إضافة إلى استمرار الاعتقالات بحق الصيادين وإطلاق النيران على أراضي المواطنين في المناطق الشرقية".

وأضاف خلف في حديثه مع زمن برس:"  طبيعي أن تتوتر أوضاعه الداخلية وتُرتكب فيه بعض الجرائم، مؤكدا أنه تم القبض على أغلب مرتكبي الجرائم".

ووفق إحصائيات فضل الاحتفاظ بها،  أوضح خلف" أنها لا تؤشر إلى وجود أي صعود يمكن أن يعطي مؤشر خطر جراء تطور أمور خارج القانون بل بالعكس تشير إلى انخفاض معدل الجريمة خلال الشهرين الماضيين، فكل المؤشرات ارقام طبيعية في ظل معطيات صعبة"،  مشددا على" أن الوضع ما قبل وما بعد الحرب ما زال في وضع الاستقرار فلا توجد جرائم قد ترهق المجتمع وتبث الرعب فيه، فقد تم القبض على 76% من الجناة وجاري البحث على باقي القضايا".

وحول ما إذا كانت الأحداث الأخيرة لها علاقة بالتجاذبات والتنافرات السياسية سواء كان بين حماس وفتح من جهة أو بين أطراف فتح الداخلية من جهة أخرى، فقال:" هنالك تعليمات واضحة بضرورة التفريق بين المناخ السياسي والمعادلة الأمنية، فنحن لا نسمح مطلقاً أن يكون هنالك أي تداخل بين الأمور، ولا شك أننا نفصل بشكل تام في الاجراءات، فلو كان هناك مناكفة بين فصيل فلن تؤثر على استقرار البلد"، مشددا في قوله على أن "الوضع الأمني لا يمكن اختراقه ولن نسمح للبيئة السياسية أن تلقي بتأثيراتها على المواطنين وأمنهم".

وحول اتهام الاجهزة الامنية التي ينتمي أغلب أفرادها إلى حركة حماس بغض البصر أحيانا عن بعض الأحداث كما جرى مع المركز الفرنسي الذي هو يعتبر في مربع أمني فاعتبر خلف أن ذلك اهانة لحماس "لأنه لا يمكن تشخيصها من خلال هذا المدخل وأن معيارها لإيصال رسالة من خلال انفجار الأوضاع هو البديل عنها، فنحن على يقين أن حماس لا يمكن تجاوزها من خلال المنظومة السياسية الفلسطينية، حتى العرب نادوا بضرورة التفاهم وهو التأكد أن حماس لا يمكن تغاضيها".

أما بخصوص إذا ما كانت الموازنات التشغيلية التي تشتكي منها الأجهزة الأمني لها تأثيرها على الوضع العام فقال:" لا شك أن الاحتياجات اللازمة تؤثر على الوضع سواء كان بالسلب أو الايجاب، ونحن نأسف على عدم وجود أي نوع من تغطية الاحتياجات اللازمة، وفي حال توفرت ستكون النتائج أفضل بكثير مما نحن عليه اليوم"، ولكنه شدد على أنه " في حال حدثت جريمة أو تلقينا إشارة فإننا نسارع لاتمام مهمتنا الوطنية والعقائدية تجاه شعبنا، فواجبنا لا يرتبط فقط بالمال وإنما إيمان داخلنا حماية بلدنا".

وبهذا الخصوص رهن الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني وجود أرض خصبة للفلتان ببسط سيطرة حكومة التوافق على القطاع، فلا يعقل من وجهة نظره ينجز شرطي مهامه بسرعة ولا قود لسيارته ولا يتقاضى راتبه، موضحا" أنه من الطبيعي يكون هنالك تراخي في القبضة الأمنية".

ويقول الدجني :" لا أميل إلى أن حماس صاحبة المصلحة على الرغم من أن حماس تريد أن تظهر وهي حقيقة في غزة بأن حرمان الموظفين يؤدي إلى تطرف وخلق بيئة داعشية ولكن ليس لحركة حماس أي مصلحة لانها ستكون هي نفسها في دائرة الاستهداف اولا ومن تشوه الصورة الأمنية التي حافظت عليها طوال فترة حكمها لما يزيد عن ثمان سنوات".

وهو ما اتفق معه فيها سويدان حيث يقول:" لا مصلحة لحماس في أن تطلق يد جماعة دحلان أكثر، لأنه لعب بالنار وعندما نتحدث عن الفلتان الأمني يصبح الجميع في دائرة الخطر، ولا بد لحماس من كبح جماح هذه المجموعات".

لكن العقيد خلف راح يوجه رسالة من خلال زمن برس مفادها " محاولة تصور غزة  كأنها مقبلة على فلتان امني هي جزء من معركة الهجوم والحصار لذلك نؤكد وندعو المراقبين لتشخيص حالة غزة بشكل مهني، ونحن واثقون أنهم سيجدون غزة بمواصفات آمنة وبدرجات عالية".

حرره: 
م.م