الانقلاب والمصالحة

 مضت خمسة اعوام كاملة على الانقلاب الاسود على الشرعية الوطنية في محافظات قطاع غزة منذ 14 حزيران \ يونيو 2007 واليوم 14 حزيران \ يونيو 2012، والحال الوطني على ما هو عليه رغم توقيع اتفاق مصالحة (ورقة المصالحة المصرية) ومن ثم التوقيع على اعلان الدوحة، ثم الاتفاق الاخير بين قطبي المعادلة الفلسطينية حركتي "فتح " و"حماس" جرت مياه كثيرة في دهاليز الساحة الوطنية، وكلها تحتم اعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، والتوقف عن الحسابات الفوئية الضيقة، والتخلي عن منطق الامارة في غزة اي كانت المنافع والامتيازات التي يجنيها قادة الانقلاب، لان المنافع الشخصية والوطنية اعمق بكثير، لاسيما وان التجربة المرة، التي مرت بها الساحة من المفترض ان تكون روضت كل العقول اليابسة المتضررة من مبدأ الشراكة السياسية، وهكذا هي طبيعة المعادلات السياسية.

من يريد ديمقراطية، إن كان مؤمنا بها عليه ان يلبس ثوبها لا شكليا وادعاءا، بل حقيقة والتزاما بنتائجها ومتطلباتها. السلطة ليست حكرا لاحد، وليست مطوبة باسم فصيل بعينه. الفصيل او الحزب او الشخصية القادرة على نيل ثقة المواطنين برؤيتها وبرنامجها، على القوى والاحزاب والشخصيات الاقرار له بالولاية السياسية، وعلى الشعب ان يتحمل نتائج الاقتراع في هذه المرحلة او تلك. وعلى من يتسلم مقاليد الامور ان يكون امينا على الديمقراطية، وان يؤمن بتداول السلطة، ويسمح بدورية الانتخابات. لان الانتخابات ليست لمرة واحدة، ولا توجد حكومات ربانية، كما اعلن الانقلابيون، ومازال بعضهم يعلن وان باسلوب آخر. خمسة اعوام عجاف وسوداء من تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، انهكته بالتمزق في نسيجه السياسي والاجتماعي، وأضرت بالقضية الوطنية على المستويات الداخلية والعربية والاسلامية والدولية وحدث ولا حرج على المستوى الاسرائيلي. لان الانقسام الناجم عن الانقلاب كان ومازال حلما من احلام دولة الابرتهايد الصهيونية، كما كان خروج مصر من الثقل والفعل العربي حينما وقعت اتفاقية كامب ديفيد 1979 حلما راود قادة اسرائيل قبل اقامة الدولة الاسرائيلية ومنذ اللحظات الاولى لوجودها في اعقاب النكبة عام 1948. آن الاوان ولوج التطبيق العملي لاتفاق المصالحة. لا يكفي ان يكون الاخ عزام الاحمد او غيره متفائلا، المطلوب وضع النقاط على الحروف ليتفاءل الشعب كله بمختلف الوان الطيف السياسي والاجتماعي. وعلى الناطقين باسم حركة حماس التوقف عن دس السم في الدسم.

عليهم ان يتوقفوا عن سياسة التحريض على الرئيس ابو مازن، وعلى الاجهزة الامنية وعلى السلطة الوطنية عموما، والمساهمة الجدية بدفع عربة المصالحة للامام. المصالحة مكسب هام لكم ولكل الشعب، وللمرة الالف سيبقى يردد المرء على القوى الوطنية والاجتماعية تشكيل لوبي ضاغط على القيادات في جناحي الوطن وتحديدا في قطاع غزة لتحقيق المصالحة، وصناعة الربيع الفلسطيني، والعمل بجدية لمواجهة مخططات وجرائم الاحتلال الاسرائيلي ، الذي يلتهم صباح مساء الحقوق والارض والمقدسات الاسلامية والمسيحية والتاريخ والهوية الوطنية. انهضوا من سباتكم، وانهضوا من قشور امتيازاتكم، لانكم ان لم تتداركوا واقع الحال البائس، فان اسرائيل وقطعان مستوطنيها ستقطلعكم من جذوركم. هذه ليست دعوة انشائية، ولا عواطف مهرية، انما هي الحقيقة المرة، التي يجب ان نعيها جميعا فردا فردا وقوة قوة سياسية. فالمصالحة ورقة اليانصيب والحصان الرابح لكل افراد وقوى الشعب دون استثناء.