ضحية جديدة للزواج المبكر..ضرَبها بوحشية ففقدت البصر

العنف الاسري

إيناس أبو الحاج

زمن برس، فلسطين: لم تكن تدرك أمل أن حروف اسمها ستغدر بها يوماً، ليحلّ الألم مكان الأمل، حلم، وبراءة وبسمة، هذا ما استحضرته أمل ابنة الـ15 ربيعاً في زيارتها الأولى لوطنها فلسطين، كونها تسكن مع أهلها في الأردن.

وتسرد  أمل قصتها بالقول:" لقد وقعت في نظراته"  "عمر" قريبها الذي يسكن في إحدى قرى رام الله الذي لم يكن يتجاوز الـ18 من عمره، ولم يكمل تعليمه الثانوي، ذلك الفتى الذي رأت  فيه أمه أهلاً ليكون مسؤولاً عن بيت وعائلة، رغم أنه لم يكن يملك أدنى مقومات بيت الزوجية، فلا بيت ليكوّن فيه عش الزوجية ولا عمل يوفر من خلاله رمق العيش الزهيد، ما دفعه للاقامة مع أهله بعد الزواج من أمل عام 2005. وتضيف  أمل: " قسموا الغرفتين، غرفة لي ولعمر، والأخرى لأمه وإخوته الأربعة" .

وتابعت أمل قائلةً:" لم يمض ِ على زواجنا خمسة شهور، حتى بدأت بوادر التدخلات والمشاجرات بيني وبين زوجي، فقد وقعت في شباك كره حماتي المتراكم لأمي، فأبسط الأمور كانت تستغلها حماتي لخلق مشكلة ولا ألقى من زوجي عمر إلا التشكيك والإتهامات، وعندما بدأت أطالب بالوعود التي اتفقنا عليها قبل الزواج كبيت مستقل، أصبح كل يوم يمضي عليّ أمر من الجحيم .. إن كان هناك أمرّ !!".

"صراخ وشتم وتعذيب نفسي وسوء معاملة مدفوع برغبة من الأم ، إلى أن أصبح التعذيب الجسدي والضرب، هو الحل لأي مشكلة حتى لو كانت علبة سردين" تضيف أمل.

أمل لم ترَ منذ زواجها أبعد من عتبة البيت، أصبح بيت الزوجية الذي رسمته في مخيلتها درباً من السراب، فالفقر كان سيد الموقف، يعتاشون على مساعدات الشؤون ولجنة الزكاة وبعض الأقارب. أدركت أمل أن أم زوجها الأرملة منذ 25 عاماًً، تفعل بها كما عاشت عند زوجها وأمه، وبالتالي "أسقتها من كأس المرار الذي شربت منه".

ازدادت الأمور سوءا حتى وصل الأمر إلى الضرب المبرح من قبل عمر ووالدته وأحيانا إخوته، كانت الكدمات تملؤ جسدها الذي لم يكن يدرك بعد معنى النضج الكامل، حتى شقيقاته الصغار كن يبدعن في افتعال المشاكل والادعاء الكاذب وذلك لدفع عمر لضربها بقسوة مرات ومرات، حتى يسمع الجيران أنينها وصراخها.
"لم أعد أحتمل أكثر فهربت بمساعدة أحد الأقرباء إلى أهلي في الأردن، وفي اليوم نفسه لحق بي وبدأ يمارس دور الضحية واعتبار ما كان (طيش شباب)، وأعادوني أهلي معه وبعد فترة وجيزة  تكررت الأساليب في المعاملة بعنف أكبر وضرب أكثر إيلاما ، كان يشعل الشمعة ويميلها لتذوب على وجهي وعيناي فقط إذا قالت له أمه أن أمل لم تسمع الكلمة !!، ومُنعت من التواصل مع أهلي وكان يُجلسني في زاوية الغرفة كوني لم أكن زوجة مطيعة لهم وعقلي لم يكن ناضج وصراخي بيجيب الشبهة كما كانت تقول حماتي".

لم تستذكر أمل ما كان الدافع وراء تلك الحادثة، ربما محاولاتها المستمرة للهروب أو الانتحار.

تقول "سمعت صراخ حماتي على عمر، بدأ يحمل كل ما حوله وتكسيره وفرغ غضبه عندما رأى وجهي، ارتطم رأسي في الأرض وأغشي علي ،هذا آخر ما لمحته عيناي". لتصحو أمل على نعمة فقدت، الضرب الذي تعرضت لها هزّت أعصاب البصر لتفقده. حضر الأهل الذين تركوا زهرة اسمها أمل وعمرها 15 عاماً فقط، لتذبل على يد جلاد، لترجع لهم بعد سنتين فقط من الزواج "عمياء" و " مطلقة".

بعد 6 سنوات من المعاناة والقضاء في المحاكم بين الأردن ورام الله، تم دفع المؤجل الذي لم يكن كافياً لمصاريف علاج أمل. وبين القضاء والعلاج والمعاناة اغتصبت طفولة أمل وهدر حاضرها ومستقبلها، فقد تملّكها اليأس في ريعان شبابها.

وتشير بيانات من مركز الإحصاء الفلسطيني، إلى أن الزواج المبكر ينتشر أكثر بين الإناث مقارنة لما هو عند الذكور لتصل ما نسبته 36% من مجمل الإناث اللواتي عقد قرانهن مقارنة بـ 2.2% من الذكور. وبلغ معدل انتشار العنف ضد المرأة والممارس من قبل شريك الحياة 31.9% في العام 2005 ليصل ما نسبته 36.7% في العام 2014.

وفي هذا الخصوص، تقول منسقة منتدى مناهضة العنف ضد المرأة صباح سلامة إن الإشكالية تقع في الثقافة المجتمعية والعقلية الذكورية التي تميل الى تزويج الفتاة في سن مبكرة لا يتجاوز الثامنة عشر من عمرها، وبالتالي حرمانها من حقها الطبيعي في النضج والتعليم والحماية من أي شكل من أشكال العنف ومن الحرية الشخصية ووقوعها في مشاكل كثيرة نسبة الى صغر سنها.

وأكدت على ضرورة رفع حالة الوعي حول الزواج المبكر والمشاكل التي يُسببها، والعمل على إقرار قوانين تحد من هذه الظاهرة، الأمر الذي يتطلب تدخلات ممنهجة ومنظمة من قبل الإعلام والجمعيات والمؤسسات ذات العلاقة ووزارة التعليم وكل الجهات المعنية.

بدورها، أكدت المحامية هنادي حميدات من مركز المرأة للإرشاد القانوي والإجتماعي، على ضرورة إقرار قانون حماية الأسرة من العنف ومحاربة ظاهرة الزواج المبكر بوعي أكبر وبأساليب حضارية والإبتعاد عن المبررات الاجتماعية التي تبرر العنف بكافة أشكاله ضد النساء.

وأضافت حميدات" أن الطفل في القانون الفلسطيني هو مَن لم يتجاوز الـ18 من عمره، ولكن المحاكم الشرعية تعتمد على التقويم الهجري في احتساب سن الزواج، وأن يكون جسم الفتاة ظاهريا يحتمل البلوغ، وبالتالي الفتاة المتزوجة في سن الطفولة تكون الأهلية القانونية لولي أمرها، وفي حالات العنف للقاصر يتم تحويلها عبر نظام تكاملي وطني إلى مرشد الطفولة في وزارة الشؤون الإجتماعية ودور الحماية المختصة".

وبين الجهل المجتمعي وحالة اللاوعي وغياب القانون تقع المرأة ضحية بعض التقاليد التي تسلبها أبسط حقوقها وتجعلها رهينة اللامنطق، لتكون الطعم اللّين في مواجهة أي عنف موجه لها. وكثيرةٌ هي الحالات التي تكتفي المرأة المعنّفة فيها بالسكوت والتخفي وراء مخاوف عديدة كالسمعة وكلام الناس، وبذلك تحكم على نفسها الموت في الحياة وإنجاب أجيال يرى أفرادها العنف أسلوب معاملة !.

حرره: 
م.م