التحرش بالأطفال في فلسطين..قصص تُدفن في المنازل
سماح عرار- رام الله
(خاص) زمن برس، فلسطين: قال لها يلا نلعب " عروس وعريس"، لكن برغم صغرها أيقنت من ملامح خالها بأن ما يفعله "سلوك خاطئ"، خلع بنطاله وطلب منها تقليده ! لكن الطفلة "تالا" البالغة من العمر4 أعوام لم تفعل ما طلبه خالها البالغ من العمر 17 عاماً.
هذا ما قالته والدة الطفلة "تالا" في حديثها مع "زمن برس" والتي سردت محاولة تحرش أخيها بطفلتها الصغيرة قائلةً:" بدأت القصة عندما اضطررت في يوم أن أترك طفلتي في منزل أهلي، كنت حريصة دائما أنا وزوجي على طفلتي كونها الوحيدة، وكوني أسمع كثيراً عن حالات تحرش بالأطفال، عندما غادرت منزل والدي تفاجئت بطفلتي عندما قالت لي " خالو كان رح يشلحني بنطلوني عشان نلعب عروس وعريس"، فاهتزت روحي، صعقت لما قالته طفلتي كانت مدركة بأن ما كان يريد أن يفعله "عيب"!
وتابعت والدة الطفلة " خايفة أحكي، الموضوع صرله اسبوعين وللآن خايفة بنتي تحكي كونها طفلة مشاكسة وثرثارة وذكية، وعندما روت لي القصة قلت لها بأن لا تخبر أحداً، أعلم بأن ما قمت به هو تصرف خاطئ ولكن ماذا أفعل؟ مجبرة على الصمت، كي لا أفضح ابنتي وأخي، وكي لا أخلق مشكلة ما بين زوجي وعائلتي ولكن أتألم من داخلي خائفة من أن يكون ضحية صمتي إحدى بنات إخوتي، أو أن يتكرر الموضوع مع طفلتي أو أي طفلة".
وأكملت "أشعر أني بورطة خصوصاً عندما تهددني ابنتي بأنها ستخبر والدها بالقصة إذا لم أصغِ وأفعل ما تريد، فأحاول مجاراتها ولكن إلى متى؟؟ طفلتي لم تنسَ القصة؟! وأخاف أن يؤثر على نفسيتها مستقبلاً!
"تالا" هو الإسم المستعار لطفلة من بين كثيرٍ من الأطفال الذين يتعرضون لتحرشات جنسية، حالة موجودة في أحد البيوت التي يحكمها قانون " العيب من الفضيحة"، والاتجاه نحو الصمت كنوع من العلاج الأقل خطورة على سمعة الفتاة والأهل، انطلاقاً من مبادئ "العائلة المحافظة" التي تسعى دائماً لأن تكون صورتها في المجتمع لائقة وجميلة، وتعكس جواً خالياً من المشاكل أو من ارتكاب أي فعل يصنف مجتمعياً تحت مسمى "العيب".
وعندما نتحدث عن التحرش الجنسي بالأطفال، نتحدث هنا عن اشباع الرغبات الجنسية من قبل شخص بالغ أو مراهق، يعرض فيه الطفل لنشاط أو سلوك جنسي، ويتضمن غالبا أفعالاً وأقوالاً وإشارات وإيماءات ذات مضمون جنسي إما بملامسته أو حمله، أو تعليمه على ممارسات جنسية.
الجانب الاجتماعي والنفسي
وقالت الاخصائية الاجتماعية في جمعية المرأة العاملة للتنمية "ختام زهران"نتعامل مع الحالة " المتحرش بها" بما يدور داخلها " جوات الطفل والطفلة" ليس بمعزل عن البيئة الاجتماعية التي تحيط بالطفل، دورنا تعليم الحالة التي تعرضت للتحرش كيفية حماية نفسها من خلال أساليب ونشاطات نقوم بتنفيذها".
وتابعت ختام زهران" لِزمن برس"، نهتم في جمعية المرأة بالتعامل مع الطفل لأن ما تعرض له من تحرش" ترك له آثار اجتماعية ونفسية متراكمة نتيجة الاعتداء، بالتالي نتعامل مع الطفل من خلال عدة جلسات، حتى نستطيع أن نخرجه من الحالة التي مرّ بها والتي أوصلته لمرحلة فقد ثقته بنفسه والتي تقود أيضاً إلى فقدان ثقته بمن حوله وفقد الأمان، بالتالي من خلال الجلسات نتعامل مع الأطفال المُتحرش بهم بدون التطرق إلى سؤال الحالة عن الاعتداء، لكن نستخدم أساليب معينة من خلال الرسم الحر، والرسم الموجه"، أو من خلال بعض الآليات التي توصلنا لعالم الطفل الداخلي!كيف بفكر؟! ".
وشددت "زهران" على ضرورة التواصل مع الجهات المعنية بالعلاج النفسي في حال شعرت كأخصائية اجتماعية أن حالة الطفل تعدت الحالة الاجتماعية وبدت أعراض وتراكمات نفسية، كما حدث معي عندما تعاملت مع بعض الحالات ووجدت بأن الأطفال كانوا يعانون من مرحلة انعزال تام" و اكتئاب".
وقالت زهران لِـزمن برس" كان هناك اهتمام لدى الجمعية بعقد جلسات ارشادية للأهل بهذا الخصوص، لكن كان الاهتمام بالموضوع فقط من قبل النساء"!.
وفيما يخص لجوء الأهالي إلى الجمعية لأخذ استشارة اجتماعية للتعامل مع أطفالهم المتحرش بهم، قالت زهران" الاستشارات التي تتم في الجمعية تكون أحيانا عن طريق التلفون وتكون بتردد وخجل لدرجة أن اسئلتهم ليست صريحة مجرد تلميحات، وعندما أقول للسيدة "يفضل قدومك إلى الجمعية، كي نعطيكي بعض الارشادات، ولكن منهن من يقتنعن بالفكرة ومنهن من يترددن ويفضلن الحديث من خلف الهاتف تحسباً من فضيحة.
وشددت "زهران" على الدور الذي تقوم به الجمعية بالسرية التامة في أي قصة توجه لهم، ولكن إذا لم تقتنع الأم ممكن أن تتم الاستشارة عن طريق الهاتف المجاني للجمعية ولكن لن تكون بمقدار ما يمكن أن يقدم لو حضرت إلى الجمعية، لكن هناك أمهات " الامهات القلقات" وهن النساء اللواتي يهتمين بأدق تصرف يقوم به الطفل، فأي سلوك يقوم به الطفل يكون مصدر قلق للأم وبالتالي تلجأ إلى الجمعية لأخذ الاستشارة.
وفي ختام حديث الأخصائية الاجتماعية مع"زمن برس" أكدت على ضرورة أن يقترب الأهالي من أطفالهم، كون التكنولوجيا خلقت فجوة بينهم" مضيفةً أنه" المهم الرجوع لأساسنا في علاقاتنا الاجتماعية والأسرية".
وفيما يتعلق بالجانب النفسي قالت الأخصائية النفسية د. آمال دحيدل، "إن تعرض الطفل للتحرش له أبعاد نفسيه كبيرة، تكبر مع الطفل بتأثيراتها النفسيه حيث تظهر الآثار السلبيه في المستقبل، ناهيك عن الضرر العضوي على جميع النواحي وهو نوع من أنواع الإساءة للحياء وممكن أن تؤدي إلى أمراض نفسيه في المستقبل مثل: مشاكل في النوم، فقدان الثقة بالنفس.
وتابعت د. دحيدل لـِ"زمن برس" قائلة:" هي عبارة عن سلوكيات رجعيه لا تتناسب والعمر والتغيرات الشخصيه وعدم الاستقرار على رأي واحد.
وقالت الخبيرة النفسية " الكثير من الأطفال المعتدى عليهم يصبحون مستغلين، وأيضا من الممكن أن يكونوا عدوانيين، ممارسه العادة السريه، الإصابة بالاكتئاب والخوف الدائم كل هذة الأمور ممكن أن تظهر لدى الطفل المتحرش به عند النضوج".
وشددت "دحيدل" على ضرورة أن يكون هناك الكثير من التوعية من قبل الأهل لأطفالهم، وأيضا الاهتمام بأي تغيرات تطرأ على للطفل، وأن لا يخجل الأهل من الذهاب إلى أي خبير نفسي فحياة أطفالنا النفسية مهمة كما الجسدية وأهم من أي شيء.
الجانب القانوني
فيما يخص الإطار القانوني فيما يتعلق بِـ" التحرش الجنسي"قالت المحامية أحلام دراغمة:" لم ينص قانون العقوبات الأردني رقم 16لسنة 1960على التحرش الجنسي بنص خاص؛ وذلك لقدم القانون من جهة، ولعدم وجود هذه الظاهرة في تلك الفترة بشكلها الحالي من جهة أخرى، وباعتبار أن التحرش الجنسي يفيد الاغواء وإثارة العاطفة والغرائز الجنسية.
وقالت المحامية "دراغمة"، إن التحرش الجنسي يعتبر سلوك غير مشروع وضد الأخلاق وهو فعل فاضح وجارح للحياء ما أدى بالمشرع الفلسطيني إلى تقنين جريمة التحرش الجنسي، طبقا للمفهوم الحديث في المادة 405 التي نصت على:
* يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة قدرها 300 دينار كل من ارتكب فعل التحرش الجنسي.
* يقصد بالتحرش الجنسي مضايقة الغير بتكرار أفعال أو أقوال أو إشارات من شأنها أن تنال من كرامته، أو تخدش حياءه، وذلك لحمله على الاستجابة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية أو لممارسة ضغوط عليه من شأنها إضعاف إرادته عن التصدي لتلك الرغبات.
وتابعت دراغمة لِـ"زمن برس"، في حالة ارتكاب جريمة التحرش ضد طفل أو شخص من ذوي القصور الذهني أو البدني الذي يعوق تصديهم للجاني، وباعتبار أن هذه الجريمة قد تصدر من الأصول أو الفروع أو من المتولين التربية، تتضاعف العقوبة لتصل لمدة سنتين. وهذا ما ورد في مشروع قانون العقوبات الفلسطيني لسنة 2011 نتيجة تزايد هذه الظاهرة في مجتمعنا بشكل متفاوت.
وختمت المحامية "أحلام دراغمة" حديثها قائلة"يجب مواجهة هذه الظاهرة ليس من خلال سن القوانين فقط، وانما أيضا من التربية والتوعية الثقافية".
الاحصاء الفلسطيني!
وقال رئيس قسم احصاءات المرأة والرجل في الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني " أشرف حمدان" إنه لا يوجد أي احصاءات حول موضوع التحرش الجنسي كأحد أشكال العنف، لأننا لم نتطرق في الجهاز المركزي للإحصاء للموضوع كونه ليس بالسهل ومن الممكن أن يقود لمشاكل عائلية".
وتابع "حمدان"، ضمن قانون الاحصاءات العام، البيانات التي يتم الحصول عليها من داخل الأسر، هي بيانات سرية لا يتم نشرها وما يتم نشره هو عبارة عن نسب بشكل عام".
وشدد حمدان في حديثه لِـ"زمن برس"، على أن الهدف من عدم التطرق لسؤال الأطفال حول موضوع "التحرش الجنسي" هو لعدم اثارة المشاكل بين الأسر كون اللقاءات ما بين (الباحث والطفل) يتم بحضور الأب أو الأم، بالتالي ليس بالأمر السهل".
وصرّح "أشرف حمدان" لِـ"زمن برس"،على أن هناك قابلية في المسح القادم لعام 2016 سيتم التطرق لهذا الموضوع، كنوع من تطوير أشكال العنف الذي يتعرض لها الطفل في المجتمع الفلسطيني.