الموت على شبابيكنا

ناحوم برنياع
يقول محمد ابو جمل «يصحو غسان كل يوم الساعة السادسة والنصف. يدخل عليّ، يحضر القهوة. يوم الثلاثاء لم يأتِ. صحوت في السابعة والربع وسألت زوجته أين غسان؟ فأجابت انه ذهب للبحث عن عمل.
«كل يوم أنا افتح التلفاز على المحطة الثانية لسماع الاخبار، ومعرفة اذا كان هناك مطر أم لا، في الثأمنة الا ربع كان مكتوب اسفل الشاشة، أنه حدثت عملية. أمر مزعزع بالفعل.
«فجأة رأيت اسم ابني في التلفاز ووقعت».
أبو جمل، 69 عاما، مريض بالقلب، منذ 1996 اصيب بخمس جلطات. يحمل هوية زرقاء، ولا يأخذ حقوقه من التأمين الصحي. «أنا مسجل بقسم التأهيل للقلب في شعاريه تصيدق». ويقول ايضا: «مررت بتسع عمليات فتح للشرايين».
لقد فقد الوعي أمام التلفاز. وأخذته العائلة إلى فرع صندوق المرضى في حي أرمون هنتسيف البعيد مئات الامتار عن جبل المكبر «عملوا تخطيط قلب واعطوني ابر» و «هذا الامر لم يساعد فأرسلوني إلى مستشفى المقاصد».
المقاصد هو مستشفى فلسطيني. ولماذا ليس إلى شعاريه تصيدق، سألته.
يبتسم ابو جمل «لقد خفت»، قال ببساطة.
من شباك صندوق المرضى رأى الغيوم الرمادية، دخان وغبار، فوق بيته. قوات كبيرة من الشرطة دخلت اليه. 14 من ابناء العائلة نساء ورجال اخذوا للتحقيق، وبعد ساعات تم اطلاق سراحهم. وبقي في الاعتقال الابن الكبير فقط وعمره 42.
أخرجوا من أجله كرسي متحرك منجد بالقماش الاحمر ومطلي باللون الذهبي، ووضعوه بمركز الصف الاول في خيمة العزاء، كرسي متحرك وحيد في بحر من الكراسي البلاستيكية. جلس عليه، شخص صغير، ضعيف، بعيون قلقة، تصعب التعاطي مع المكانة الجماهيرية التي منحه اياها ابنه. جلس إلى جانبه أخيه، أب القاتل الثاني، عدي. لبس لباسا تقليديا، لباس العيد واختار أن يصمت.
أخذ أحد الشبان ميكروفون وطلب من الناس الصلاة. ورد ابو جمل ببادرة صغيرة من الغضب، بحركة من اليد وتقطيب الجبين. سكت الصوت، وتمت الصلاة داخل الخيمة بدون صوت تقريبا.
«غسان لم يكن متدينا، لم يكن يصلي»، قال الاب «في العشرة ايام الاخيرة قام بالصلاة عدة مرات».
غسان، 32 عاما، اب لثلاثة اولاد، ظل بعيدا عن الدين وشعائره. مثل الكثير من المسلمين. وفجأة قام انسان في الصباح، وانضم اليه ابن ابنه وعمره 20، تسلح بمسدس وبلطة وقتل كمن يلبسه جن. لماذا؟ كيف؟ هذه الاحجية التي تؤرق رجال الشاباك والشرطة تؤرق ايضا الاب.
سألت الاب كيف تفسر ذلك.
«انا لا افهم»، قال. «لم يفكر بحياته أن يفعل أمر كهذا. لا يوجد بحقه ملف في الشرطة، لا يوجد له شيء قومي، لا يوجد له أي شيء. من الممكن أنهم امسكوا به مرة بسبب مخالفة سير واطلقوا سراحه، وهذا هو. أبقى وراءه ثلاثة ايتام، الاكبر يبلغ 4 سنوات ونصف. ما الذي سأفعله؟»
على حائط البيت المقابل علقت لافتة كبيرة، مع صور القتلة الاثنين والصخرة بينهم. غطت صورهم اعمدة الكهرباء والمكعبات الاسمنتية التي وضعتها الشرطة. صناعة البطولة الفلسطينية تبنتهم بدون أي تحفظ. تدفق الرجال الذين انهوا يوم عملهم إلى خيمة العزاء من أجل تقديم الاحترام. حتى السابعة مساء اصبح هناك المئات من الرجال.
تعلم محمد ابو جمل اللغة العبرية خلال سنوات عمله كمراقب في شركة «سليل بنيه»، وقبل ذلك في بريد اسرائيل. مثل الاخرين: من العمال ذات المصاعب اليومية مثل غسان القاتل، وحتى اصحاب الشركات ورجال الاعمال. ثلاثين الف شخص يسكنون اليوم في جبل المكبر. القرية التي كانت منزوية عام 1967 وعلى طرف صحراء يهودا، تحولت إلى قرية مكتظة. ولم تعرف اسرائيل بلع الضم، لم تعرف أن تقيء، في قلب المنطقة اقيم مبنى فاخر لليهود من الوسط الديني، اسمه نوف تسيون. ويطل على الحرم والحائط الغربي، هناك في البعيد، هذه الصورة تلخص علاقة حكومات اسرائيل بالقدس، عاصمتنا الابدية، الكاملة والموحدة، قدس من ذهب.

الكبار يتحملون المسؤولية

في جبل المكبر، مثل احياء عربية اخرى، كانت في الاسابيع الاخيرة احداث مخلة بالنظام، مفرقعات، القاء حجارة. ومنذ مقتل الشاب في شعفاط والتصريحات حول تغيير الوضع القائم في الحرم فلم تعرف القرية الهدوء.
كان من المفترض أن تفتح صفحة جديدة هذا الاسبوع. قائد محطة الشرطة على مدخل القرية استدعى دزينة وجهاء. وكان من بينهم ايضا محمد ابو جمل.
«في التاسعة صباحا دخلنا اليه» وقال «وبقينا حتى الثالثة. قدموا لنا القهوة. وتحدثوا بشكل جميل». اشتكى الوجهاء من الاستخدام المبالغ به للقوة من قبل الشرطة، ومن سيارة الروائح الكريهة، التي تطلق لداخل البيوت، والغاز المسيل للدموع الذي يدخل لكل بيت، والحواجز على الشوارع. وقالوا أن معظم القرية تريد الهدوء، ولكنهم لا يسيطرون على الشبان. «قمنا بعمل صلحة» كما قال.
في الرابعة والنصف فتحت الحواجز «القرية كلها كانت مبسوطة». وبعد 14 ساعة خرج ابنه وابن اخيه لحملة القتل، حملتهم الاخيرة.
بعد المجزرة وضعت الشرطة حرس الحدود على المدخل الرئيسي للقرية. توجد ثلاثة مداخل اخرى: لم توضع عليها شرطة. ما السبب، سألت الشرطة واجاب احدهم، هذا هو القرار. الهدف هو الازعاج. ثلاثة دكاكين جديدة متطورة احداها مقهى، فتح على مدخل القرية. اسرعت البلدية باغلاقها هذا الاسبوع. بادعاء انها لا تملك تصريح رقم 4. لا يوجد لاي مبنى في القرية تصريح رقم 4، كما يقول السكان، ولكن تم اغلاق الدكاكين الجديدة. رئيس البلدية يؤمن بالعقوبات الجماعية.
توجه اليّ في خيمة العزاء «ش» والذي طلب عدم ذكر اسمه. هو سائق في ايغد. المئات من السكان في القدس الشرقية يعملون في ايغد كسائقي باصات، كما يقول. ومنذ ثلاثة ايام لم يذهبوا إلى العمل. المسافرون اليهود يهددونهم ويشتمونهم احيانا، بل ويتلقون الضرب، واحيانا ينظرون نظرة سيئة. هؤلاء السائقين بحاجة إلى حماية.
«150 مسافر. لا يعرفون ما يستطيع السائق عمله اذا قاموا بمضايقته».
فكرت بالخيارات. وهذا أمر سيء جدا.
«نريد أن نعيش بسلام في هذه البلاد»، قال محمد ابو جمل. «نستطيع العيش الواحد بجانب الاخر. مرة كان ينزل اليهود من أرمون هنتسيف إلى هنا ويعلمونا العبرية، يساعدونا. كان لي اصحاب يهود. كل هذا تلاشى». مجموعة الرجال الجالسون حولنا همهموا موافقين على كلامه. وهناك من قال أن كل شيء تشوش منذ الانتفاضة الاولى. وهناك من قال منذ اوسلو. الكبار هم المسؤولون، كبارنا وكباركم. وهناك من قال الاقصى. «حتى المسلم السكران سيغضب عندما يسمع كلمة الاقصى»، قال احدهم. «هذا هو ديننا».
عندما قالوا الاقصى كان المقصود الحرم ككل. «لا يوجد شيء اسمه الهيكل»، «يوجد فقد الاقصى».
استمعت لشكواهم بنصف اذن. اية شكوى لا يمكن أن تبرر المجزرة يوم الثلاثاء. القتل هو قتل، المجزرة هي مجزرة، الإرهاب هو ارهاب. وعلى الاب أن يعيش حياته ليس فقط مع فقدان الابن، بل مع حقيقة أنه انجب قاتل.

يحرضون ويغادرون

موفق طريف، الزعيم الروحي للطائفة الدرزية، سافر أول أمس من جنازة عريف اول زيدان سيف في يانوح إلى المغار، قرية مختلطة في الجليل. «شبان مسلمين هاجموا شاب درزي»، قال لي طريق. «قالوا عنه خائن، كلب. الشاب اصلا لا يخدم في الاجهزة الأمنية. وقال عنه خائن فقط لانه درزي».
في تلك الزيارة سمع طريف عن حي درزي في المغار، تم قطع الكهرباء عنه. ويوجد هناك ثلاثة عائلات ثكلى.
أحداث الاسابيع الاخيرة كشفت المكانة المعقدة للطائفة الدرزية في المجتمع الاسرائيلي. قتل اثنين من الشرطة الدروز في العمليات الاخيرة، واصيب البعض، واحد اطلق النار على مخرب وقتله. اليهود، من الرئيس وما دونه، يغنون اغنية المجد للطائفة. جهات متطرفة في الوسط العربي تشتم الدروز. وعلى الصعيد الأمني الدروز في جبهة واحدة مع اليهود: وفي التمييز هم في جبهة واحدة مع العرب.
التوتر بينهم وبين المسلمين طبيعي. وقد ازداد في الاونة الاخيرة بسبب الشبكات الاجتماعية. شبان مسلمين يقومون باهانة البنات الدرزيات والعكس. التعايش قابل للكسر، وعندما نادت حركة بلد بان يلبس الطلاب الاعداديين الكوفية في طريقهم إلى المدرسة كتضأمن مع المسألة الفلسطينية، تحولت المظاهرة لاعمال مخلة بالنظام في ابو سنان. حتى اليوم لم يتم الوصول لاتفاق. يقول طريف أن السياسيون هم السبب. «يأتي الناس مدة نصف ساعة، يحرضون ويذهبون. السكان يعانون ولكن هذا الامر لا يعنيهم».

العنصرية مسيطرة

يوم الاحد ستصادق الحكومة على قانون القومية اليهودي. ستكون هذه لحظة كبيرة في حياة نتنياهو ولحظة صغيرة في تاريخ الشعب اليهودي. ما بقي ليفعله نتنياهو كي ينتصر في المنافسة التاريخية امام فايغلين ودانون، سيقول ذلك الوزراء باسنان مستقة، ويصوتوا مع. عندما تكون كلمة يهودي هي العنوان، كيف يمكن التصويت ضد، بالذات في هذه الايام المجنونة.
يقول معارضو القانون من اليسار انه ينزل بضربة قاسية على الديمقراطية في اسرائيل. اعتقد أنهم يبالغون. المشكلة في هذا القانون هي يوجوده. في افضل الحالات لا لزوم له، وبأسوأ الحالات فانه يضر. هو يذكرنا بقانون أساس: قانون القدس الذي فرضه بيغن بلحظة غباء على الكنيست في عام 1980. 69 عضو كنيست أيدوه وعارضه فقط 15 عضو. النتيجة الوحيدة لذلك القانون أن مجموعة دول وبالذات من امريكا اللاتينية والتي كان لها سفارات في القدس، قد تركت العاصمة. وبقيت القدس تعيش مصاعبها، في حينه وكذلك اليوم ايضا.
نتنياهو متواضع أكثر من بيغن. لا يسعى إلى تمرير القانون في الكنيست. كل ما يريده أن تقرأ ايها القارىء العنوان «ان الحكومة صادقت على قانون القومية اليهودية» وتقول أي رئيس حكومة يهودي يوجد لي، أي صهيوني، أي بطل. هذا الامر ينطوي عليك فقط.
من يتحمل مسؤولية ذلك هو تسيبي لفني. وهي تعترف بالخطأ، هنا وهناك. حين كانت بحكومة شارون قدمت الموضوع اليهودي مقابل المطالب الفلسطينية. لقد زرعت الرياح، اما الباقين الكين وشكيد ونتنياهو ايضا سيحصدون العاصفة.
توجهت لفني للبروفيسور روت غبيزون وطلبت منها توصيات لارساء دستوري حول حلم الدولة. غبيزون عملت على الورق منذ آب. وقدمت هذا الاسبوع استخلاصاتها.
قمت باجراء مقابلة معها هذا الاسبوع في بيتها في القدس. «أرادت لفني معرفة كيفية سن قانون يضمن دولة يهودية وديمقراطية»، قالت غبيزون. «وسألتها هل يجب تشريع قانون. واستخلاصي كان سلبي».
«الآباء المؤسسون، بن غوريون وزملائه كانوا جيدين. القرارات الدستورية التي قاموا بها مع اقامة الدولة كانت جيدة. النص كان متوازن. وشمل حلم الدولة اهمية الاستقلالية اليهودية. وايضا حقوق اليهود وايضا التعهد بدمج العرب في الدولة. من المؤسف الاضرار بعملهم هذا».
رئيس الائتلاف زئيف الكين قال انه اقترح قانون القومية من أجل انهاء الثورة الدستورية لاهرون باراك. باراك مكن المحكمة من الغاء قوانين باسم الديمقراطية.
«اقتراح القانون لا يحل مشكلة الكين»، قالت غبيزون. «انه فيل في محل فخار. هو يحول الصيغ التي قوتها بضبابيتها لمفاهيم قضائية». «من المهم أن حلم دولة اسرائيل يشمل تعريفها كدولة الشعب اليهودي، ولكن يجب عمل ذلك بذكاء. في النقاشات التي تمت عشية اقامة الدولة صمم بن غوريون على اجراء تصويتين منفصلين. تصويت حول اعلان الدولة. حيث حظي بن غوريون على اغلبية بسيطة. وتصويت حول صيغة وثيقة الاستقلال. وفي النقاش، أبدى كل حزب معارضته لجمل مختلفة في الوثيقة. المتدينين عارضوا. طالبوا أن يظهر فيها اسم الله، ولكن بن غوريون اكتفى بكلمة خالق اسرائيل – اليمين عارض، اليسار كذلك. وفي النهاية اخرج تعليلين، اقنعا الاحزاب بان تصوت بالاجماع، الاول هو حجم اللحظة والثاني أن اعلان الاستقلال ليس وثيقة قانونية.
«ما يظهر من اقتراح القانون هو الموضوع اليهودي، والموضوع الديمقراطي ينتهي بملاحظة هامشية. الحلم هو أن تكون اليهودية والديمقراطية معا ليس يهودية فقط أو ديمقراطية فقط».
اقتراح القانون يأتي في ظل موجة من الإرهاب الذي يولد الخوف، الخوف يولد ابنته الغير قانونية – العنصرية. والعنصرية تسيطر على الحوار في الشبكات الاجتماعية، وايضا على القرارات بخصوص التشغيل. التمييز العنصري ينتظر وراء الزاوية.
اقتراح قانون القومية يعطي سلاح مريح لكل من يبحث عنا بهذا الموضوع. ولكن ما اهمية ذلك؟ المهم الانتصار بفارق حاسم على دانون في الانتخابات التمهيدية.

يديعوت أحرونوت

حرره: 
م . ع