سماح للفلسطينيين بالعمل في إسرائيل

العمل في اسرائيل

إذا بقي الحصار الإسرائيلي للقطاع على حاله فسيحتاج إلى خمسة عقود على الأقل لإعمار غزة

بقلم: عميرة هاس

«لن تقبل الحكومة بعد الآن عزلة واضطهاد شعبنا في غزة»، هذا ما كتب في مقدمة خطة اعمار غزة التي ستضعها حكومة الوفاق الفلسطينية اليوم على موائد المشاركين في مؤتمر المانحين الجماعي في القاهرة. وتُبين الجملة عن نقد ذاتي نادر سواء أكان ذلك على علم أم لا: فهي تقول إن السلطة الفلسطينية التي مركزها في رام الله قد كيفت نفسها منذ 2007 على الأقل مع وضع العزلة الذي فرضته اسرائيل على قطاع غزة بل وافقت عليه، أو بعبارة اخرى: تخلت بمعان كثيرة عن حكم القطاع وإن يكن ذلك بصورة غير طوعية ولاسباب انسانية، واستمرت في الاساس على تخصيص جزء كبير من ميزانيتها الجارية للنفقة على رواتب ومخصصات رفاه لسكانه.
والسؤال هو هل يوجد عند القيادة الفلسطينية أوراق مساومة جديدة لتطلب من اسرائيل ما لم تكن قادرة على طلبه في السنوات الاخيرة – ولا سيما تحسين حرية التنقل للبشر بين القطاع والضفة؟.
يبدو بحسب خطة الاعمار على الاقل أن أقوى ورقة مساومة عند الفلسطينيين هي الارادة الدولية لاطفاء الحريق الانساني الهائل الذي سببته الحرب في غزة، وما كان للمؤتمر في صورته الحالية أن ينعقد لولا الخشية من فقدان كامل للسيطرة على مركز قابل للانفجار آخر في المنطقة.
لكن الفلسطينيين لا يقفون عند المصالحة والاعمار: فبحسب تصريحاتهم اليوم، تتحدث حماس وفتح عن الدفع بحكومة الوفاق قدما لتصبح حكومة وحدة، بل أثير في الايام الاخيرة اقتراح أن تنافسا في قائمة واحدة في الانتخابات، وهكذا تُحل مشكلة التنافس بينهما، ويتم الحفاظ على صورة ما من الديمقراطية ويُزاح خطر أن تلغي اسرائيل نتائج الانتخابات باعتقاد جماعي لممثلي حماس كما حدث في 2006.
إن عرض الصدق المفاجيء من القيادة الفلسطينية يُزامن الاعتراف الاسرائيلي بأن سياسة عزل غزة التي استعملتها اسرائيل لسنين قد فشلت. ويقول رئيس الاركان بني غانتس الآن ما كان الفلسطينيون يقولونه طول الوقت وما كتب منذ سنين في كل تقرير ممكن للبنك الدولي والامم المتحدة. إن اسرائيل كما يقول اشخاص رسميون فلسطينيون تنوي أن تسمح لخمسة آلاف عامل فلسطيني من القطاع بالعودة للعمل في اسرائيل بعد غربلة امنية متشددة بالطبع.
هذا عدد قليل في الحقيقة اذا قيس بمقدار البطالة الكبيرة في القطاع، يبشر بانحراف طفيف عن التصور الذي وجه خطة الانفصال في 2005. ويربط الاسرائيليون بين الانفصال وتفكيك المستوطنات واعادة بضعة آلاف من المواطنين الاسرائيليين الى حدود الدولة. لكن الانفصال كان في الاساس مرحلة اخرى من فصل سكان القطاع عن سائر اجزاء البلاد (اسرائيل والقدس والضفة الغربية) والغاء كل رخص العمل التي أعطيت حتى ذلك الحين.
اقترحت اسرائيل مدة سنين تسهيلات انسانية محدودة وخففت شيئا ما من القيود على التنقل في كل مرة تجرأت فيها الدول الغربية – التي تدفع ثمن الحصار الاقتصادي والهجمات العسكرية – على الضغط عليها، لكن التسهيلات من النوع الذي اعتادت عليه اسرائيل لن تكفي هذه المرة للوفاء بالمهمة التي تجتمع من اجلها الدول المانحة اليوم. فلن تكون خمسة آلاف رخصة عمل ولا زيادة طفيفة فقط في عدد الشاحنات ومواد البناء والمواد الخام كافية، فقد تنبأت الامم المتحدة قبل الحرب بأن القطاع لن يكون مناسبا في 2020 لحياة البشر بسبب الحصار الاسرائيلي، وقربت الحرب هذا الاجل بضع سنين.
كان يوجد في غزة قبل الحرب عجز بلغ 75 ألف وحدة سكنية، كما تذكر خطة الاعمار الفلسطينية، وقد دُمر نحو من 20 ألف وحدة سكنية تدميرا كاملا أو تضررت ضررا شديدا، ودُمرت 40 ألف وحدة اخرى تدميرا جزئيا، واذا بقي عدد الشاحنات التي يسمح لها بانزال بضاعتها كما كان في النصف الاول من 2014 (1100 في كل شهر في المعدل) فسيحتاج الى 50 سنة لبناء 89 ألف بيت جديد في القطاع، وسيحتاج الى 50 سنة في الوضع الحالي من القيود على الحركة لبناء 89 ألف بيت جديد و226 مدرسة جديدة وعيادات ومصانع ومنشآت الماء والصرف الصحي. وهذا ما ذكرته أمس وكالة المساعدة «اوكس بام» بتصريح خاص قبيل انعقاد المؤتمر. «اذا لم تزد الدول المانحة ضغوطها على اسرائيل لانهاء الحصار»، تحذر «اوكس بام»، «فسيصبح اولاد كثيرون اصبحوا بلا منازل في الحرب الاخيرة، سيصبحون أجداد احفاد حينما يحظون بمنازل خاصة بهم».

هآرتس

عميرة هاس

حرره: 
م.م