في غزة..الأنروا تجعل من "العيش على الركام" شرطاً لمساعدة المنكوبين

الأنروا

سناء كمال

(خاص) زمن برس، فلسطين: لم تنته الحرب الإسرائيلية ضد المواطنين في قطاع غزة بعد، على الرغم من توقف طائراتها الحربية عن قصف المنازل، ودباباتها عن إطلاق قذائفها العشوائية ضد مناطق كاملة في القطاع أبادتها ومسحتها عن الوجود، حيث أن حربها السياسية مازالت في أوجها، مستخدمة طرق أخرى هدفها إذلال الفلسطينيين  وجعلهم يتحسرون على حالهم "المنكوب".

لا ينفك المواطنون عن تساؤلاتهم المستمرة حول مصيرهم في المستقبل، في ظل غياب أفق واضح لكيفية استعادة حياتهم الطبيعية، وعودتها إلى ما قبل العدوان الإسرائيلي الأخير، وكيفية تغلبهم على المصاعب الجمة التي خلفها العدوان، خاصة في ظل خسرانهم أهم مقومات الحياة، المنزل الذي يمثل لهم الأمان والاستقرار، فباتوا اليوم ما بين مشردين أو مهجرين يعيشون في خيام فوق ركام منازلهم المدمرة.

تساؤلات كثيرة يوجهها المواطنون للعاملين في المؤسسات الدولية تتقدمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) لكنهم لا يحصلون إلا على إجابات محدودة، هذا إن تكرم العاملون وأجابوهم، أو زاروا مناطقهم المدمرة، كما يشتكي عدد غير بالقليل من المواطنين، الذين يلاقون من الذل والمهانة لم يواجهونه في العدوان الإسرائيلي الأخير عليهم.

فعدد ليس بالقليل اشتكوا لزمن برس عن سوء معاملة وكالة الأونروا للمتضررين في منازلهم، وعدم استجابتها لهم بإحصاء ما تم تدميره، بعد توقف الآليات الحربية عن القصف لأكثر من شهر، وحتى الآن لم تقم الأونروا بإحصاء أغلب المنازل المهدمة.

أم محمد الحرازين ( 39 عاماً) تعيش شرق حي الشجاعية في منزلها المكون من طابقين بعد أن استصلحت غرفتين تأويها مع أبنائها الـ9 ولكنهما غير صالحتين لاستقبال فصل الشتاء، وذلك عقب إقناعها وعائلتها بضرورة إخلاء مدرسة تابعة للأونروا والعودة لمنزلهم "الآيل للسقوط"، على أن يقوموا بزيارتهم وتعويضهم أو على الأقل إصلاح المنزل لهم فيكون صالحا للسكن.

وتقول أم محمد :" وعود جميعها كاذبة، فحتى اليوم لم يأت أحد من الأونروا ولم يحصوا حتى الأضرار التي ترونها، وأبنائي مهددين بين لحظة وأخرى بانهيار ما تبقى من المنزل فوق رؤوسهم، ولكن ماذا نفعل، وأين نذهب لا حل أمامنا سوى القبول بواقعنا الحالي".

 وما يثير استياء الحرازين أنها حين راجعت المركز الرئيسي للأونروا لمعرفة سبب عدم زيارتهم لهم ميدانيا، هي التعليمات التي أبلغها بها حينا موظف الأنروا، والتي تطلب منهم، أن لا يرفعوا أي شيء من ركام منزلهم حتى يتمكنوا من إحصاء أضرارهم وإلا "لن يتم تعويضكم أي شيء" يجيبها موظف من الأونروا.

ذات الموقف تكرر مع إبراهيم أبو القمبز (58 عاما) من حي الشجاعية ولا يبعد منزله كثيراً عن عائلة الحرازين، فتشرد افراد أسرته المكونة من 40 فرداً، بعد أن دمرت منازلهم، ويقول لزمن برس:" الكل تآمر علينا مع إسرائيل، واليوم هم يكملون الدور الإسرائيلي في إذلالنا وإهانتنا وعدم مساعدتنا للحصول على الأقل الحد الأدنى من حقوقنا".

ولم تكن المرة الأولى الذي يخسر فيه أبو القمبز منزله، بل استهدف من قبل قوات الاحتلال على مدار الحروب الثلاثة، ولم يحصل على أي تعويض من أي مؤسسة دولية، وهو ما يجعله فاقدا للأمل بأن يتم تعويضه هذه المرة ليضيف بقوله:" الأونروا كاذبة وكل ما  تقوم به هو فقط دعائية إعلامية لا أكثر"، متسائلا :" لم عليها مساعدتنا، هي يد أمريكا في بلادنا، والتي تحتضن إسرائيل وتحميها، وكل ما تقدمه لنا هو فقط الطعام لتسمين أبنائنا وجعلهم صيد سمين لآليات القتل الإسرائيلية".

وغالبا ما يستنفر أصحاب المنازل المدمرة، والذين أقاموا خيامهم فوق ركام منازلهم ما إن يلمحوا غرباء يدخلون منطقتهم ويتساءلون عن الدمار من الصحافة، ظانين أنهم يحصون الدمار، وتابعين للمؤسسات الدولية، لكنهم يعاودوا شعورهم بخيبة الأمل من جديد، ويشكون سوء التعامل معهم ومع مصيبتهم.

من جانبه أكد محمد أبو شمالة، أحد مندوبي الأونروا لإحصاء الأضرار، والتواصل مع الناس، لحل يرضي الجميع ويمكنهم من الحصول على بعض المساعدات التي من شأنها توفير منازل أو بدائل عنها مثل "الكرافانات"، مشيراً إلى أن عدد ضحايا العدوان هائل للغاية ولم يتوقعه أحد، وهو ما يحول دون تمكن مؤسسته من متابعة كافة المتضررين، "فذلك بحاجة لوقت وجهد كبيرين " وفقاً لما يقوله أبو شمالة.

ويضيف:" الأونروا لم تقصر يوما بحق الشعب الفلسطيني، وخدماتها التي قدمتها لا تحصى، عبر سنوات التهجير الفلسطينية، ولكن الناس يريدون في كل مرة أن يكون أمرهم كن فيكون، وهو ما لا تستطيعه الأونروا في ظل الدمار الهائل الذي خلفته الحرب الإسرائيلية إضافة إلى الأزمة المالية التي تعاني منها الاونروا".

ونوه في الوقت ذاته إلى أن الأمر كله مرهون بالسياسة الدولية، حتى لو لم تعاني الأونروا من أزمة مالية، "فالسياسة سيدة الموقف"، وتتحكم بالإعمار كافة، وليست الأونروا أو غيرها من المؤسسات الدولية، فهي فقط وسيط بين إسرائيل والجهات المانحة من أجل إعمار غزة.

وكانت اجتماعات عديدة عقدت بين ممثلي الأونروا وممثلي المناطق المنكوبة في القطاع للتوصل إلى آلية معينة ترضي الطرفين، من أجل توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وحضرت زمن برس أحد اللقاءات بين الطرفين في بلدة بيت حانون شمال القطاع، عرضت خلاله الأونروا مبلغ وقدره 170$ بدل إيجار لكل أسرة هدم منزلها.

اعتبر وجهاء المنطقة الشمالية المبلغ الذي تم اقتراحه "زهيد للغاية"، ولا يكفي حتى الإيجار، في ظل غلاء المنازل التي يتم تأجيرها ناهيك عن عدم وجود شواغر، ويقول أبو العبد أحد مخاتير البلدة لزمن برس:" المبلغ الذي يطرحونه لا يكفي لاستئجار غرفة في ظل الغلاء الفاحش في المنازل، ولو فرضنا أنه يمكن استئجار منازل به، فكيف سيعيش الناس في منزل لا يحتوي على اثاث، والجميع يعلم بان الناس هربوا بالملابس التي يرتدونها فقط؟".

ويشدد أبو العبد أن الإجراءات التي تتبعها الأونروا ما هي إلا تأكيد على أنها "امتداد لسياسة إسرائيلية، وإكمال لدورها في تعذيب الفلسطينيين وقهرهم، ضمن سياسة أمريكية إسرائيلية"، متسائلا:" يشتكون الفقر في مؤسستهم فكيف تتمكن من التدخل في سوريا ولبنان والعراق؟،  كل ذلك سياسة مدروسة".

أما ممثل الأونروا في الشرق الأوسط بيير كراهينبول فهو أكد أن إعادة إعمار غزة قد يستغرق أكثر من عقد كامل، في حال تم رفع الحصار فورا عنه، مشيراً إلى أن جميع المحادثات تؤكد أنهم من سيكون في الواجهة والمركز الأساسي وهو ما تم التوافق عليه مع إسرائيل من أجل إعادة الإعمار.

ويقول كراهينبول لزمن برس:" لن نقتصر أي جهد من أجل مساعدة الناس، خاصة بعد الدمار الهائل الذي خلفه القتال، والذي لم يسبق له مثيل في التاريخ، ولكن ذلك بحاجة لوقت وجهد كبيرين وهو ما نسعى كي نوفره للمتضررين"، مشيراً إلى" أن جهودهم تسعى لمباشرة الإعمار فوراً".

وعن شكاوى الناس من عدم اكتراث مؤسسته بمآسيهم قال:" 20000 منزل على الأقل تم تدميره خلال القتال الأخير، إضافة إلى تدمير واسع للبنية التحتية العامة، كل ذلك بحاجة لوقت ليس بالقليل وهو مرهون بالمباشرة بالإعمار".

ويضيف:" نحن نعي جيدا حجم المخاسر التي خلفها القتال، لذلك أوكلنا إلى مئات من مندوبي الأونروا كي يحصوا الأضرار كافة، وكذلك عمدنا إلى مرشدينا كي يعملوا على استعادة الشعور بالحياة الطبيعية، خاصة لمئات الآلاف من الأطفال الذين يعانون من صدمة عميقة.

وينوه إلى أن مؤسسته تعمل كل ما بوسعها لمساعدة الفلسطينيين، إلا أن ما يعوقها قلة الإمكانيات والحاجة لوقت أكبر مما يتوقعه الفلسطينيون أو ما يرغبون في تحق

حرره: 
م.م