كيف نتصدى لمشكلة آلاف الغربيين من مقاتلي «داعش»؟

مقاتلي داعش

بقلم: أنشل بابر

حين قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسبوع الماضي أن ليس للادارة حتى الان أية استراتيجية لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية، تعرض لكثير من الانتقاد. ولكن مخاوفه تعكس بالضبط المشكلة المشتركة اليوم لعموم دول الغرب: كيف التصدي لمشكلة عودة مئات وحتى الالاف من ابناء الغرب ممن سافروا للقتال كجهاديين في سوريا وفي العراق ويعتزمون العودة الى بلادهم.
أفلام إعدام الصحافيين الأمريكيين جيمز فولي وستيفان سوتلوف بقطع الرأس، على يد عضو تنظيم الدولة الاسلامية، الذي بدا يتكلم الانجليزية بلكنة لندنية واضحة – شكلت نداء استيقاظ أخير في الغرب. فقبل أربعة اشهر من ذلك فقط استيقظ الناس في واشنطن، لندن وبروكسل على مقتل أربعة أشخاص في المتحف اليهودي في العاصمة البلجيكية على يد مهدي نموش، وهو مسلم فرنسي عاد قبل بضعة أشهر من ذلك بعد سنة قاتل فيها بصفوف الدولة الاسلامية في سوريا. ومنذئذ، وعلى مدى الأشهر الأخيرة ازداد الاهتمام الاعلامي بما يجري في حروب الشرق الأوسط حين بات التهديد هذه المرة ليس فقط على الاستقرار في هذه المنطقة بل وأيضاً على أمن مواطني الدول الغربية.
ولكن هذا لم يفاجيء رجال الاستخبارات في الغرب. فمنذ أكثر من سنة وهم يحذرون من خطر الجهاديين من انتاج محلي. وفي عدة حالات احبطت محاولات منهم – بما في ذلك في بريطانيا وفرنسا – لتنفيذ العمليات. ولكن الان، عندما باتت الدولة الاسلامية تتحدث بالفرنسية والانجليزية وتظهر كل يوم على شاشة التلفزيون وفي العناوين الرئيسة للصحف، فان حقيقة أن الدول التي توجد على بؤرة الاستهداف عديمة الوسيلة، تحظى بالتشديد. إن مشكلة هذه الدول هي مشكلة معقدة. فبعضها يعود الى غياب المعلومات عن هوية الجهاديين وأعدادهم. وبينما قدر الاتحاد الاوروبي عدد المسافرين الى سوريا باكثر من الفين، تقدر اجهزة الامن البلجيكية بأن العدد مضاعف، على الاقل. مسألة أخرى هي مسألة اليوم التالي، فليس واضحاً كم من بين أولئك الذين يعودون الى بلادهم يعتزمون مواصلة النشاط. وبينما بعض ممن يخضعون للتحقيق لدى أجهزة الامن في دولهم ادعوا بان قادتهم يتوقعون منهم مواصلة النشاط في دولهم، قال آخرون ان الوحشية التي اصطدموا بها دفعتهم لان يعيدوا النظر في طريق الجهاد.
ولكن حتى عندما تنجح الدول في بلورة سياسة لمواجهة آلاف الجهاديين الذين سيعودون الى حدودها، يتبين بأن السبيل الى تطبيقها لا يزال طويلاً. وهكذا ففي الأسبوع الماضي فقط تحدث رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون عن سلسلة خطوات ضرورية لمنع سفر الجهاديين المحتملين وعودة أولئك الذين سبق أن سافروا منها. وضمن أمور أخرى، تحدث عن قيود الحركة، الاعتقالات الوقائية وسحب الجوازات. ومرت بضعة أيام ويوم الثلاثاء تم عرض الخطة التي استصعبت ذكر التصريحات من الأسبوع الماضي. وبتوصية رجال القانون وبعد ضغوط من جانب قسم من أعضاء حزبه – ممن ادعوا بأن هذا مس غير متوازن بحريات الفرد – عرضت رواية اكثر رقة بكثير. والان ايضا يوجد تخوف من أن يكون البند الذي سعى الى منع عودة المواطنين الذين سبق أن سافروا الى سوريا، وبموجبه يحتمل ألا يكون دستوريا كون الدولة لا يمكنها أن تسحب من مواطنيها الحق في العودة اليها.
وحسب التقديرات المختلفة، فان نحو 500 مواطن بريطاني سافروا للمشاركة في الجهاد ونصفهم عاد منذ الان. ويعتقد جهاز الامن البريطاني MI-5 بأن بعضهم على الأقل يبقى على اتصال ويخطط لتنفيذ عمليات مستقبلية على مسافة أقرب من الوطن. وكان العمل الذي قامت به وزارة الداخلية في السنة الماضية هو سحب جوازات 23 مواطن كي لا يتمكنوا من مغادرة الدولة. ولكن واضح منذ الآن بأن هذا الأمل لم ينجح في أن يقلص بشكل بارز تيار الجهاديين. ومن الجهة الاخرى ينشأ السؤال أيضاً كيف يمكن القول إن شاباً يشتري بطاقة سفر الى تركيا ليس في طريقه الى اجازة في انطاليا بل يعتزم اجتياح الحدود الى سوريا.
طريقة عمل تبنتها الولايات المتحدة بعد 11 ايلول – واستخدمت في اسرائيل ايضا، ولكن ليس في اوروبا بعد – هي الطلب من شركات الطيران ان تحول مسبقا قائمة مسافريها كي تسمح للسلطات بفرض حظر دخول للمشبوهين بأعمال ارهابية. يحتمل أن يكون اتخاذ هذه الوسيلة من شأنها أن يساعد في منع الجهاديين المحتملين من السفر الى سوريا والتحذير من عودتهم، ولكن رغم أن بريطانيا والدول الاوروبية الاخرى تسعى الى تبنيها، واجهت اعتراضات من جانب الاتحاد الاوروبي الذي يخشى المس بمبدأ الحدود المفتوحة بين دول الاتحاد.
بعض الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا، ألمانيا والسويد، بلورت خططاً هدفها العثور على الشبان الذين قد يقعون في شباك الاسلام المتطرف أو ممن انجرفوا منذ الان في هذا الاتجاه. وفي إطار هذه الخطة يتم إبعاد الشبان عن عناصر الخطر ويتم اشراكهم في المجتمع بمرافقة ثابتة. ويدعي مؤيدو هذه الخطط من جهة بانهم نجحوا في أن يقلصوا بشكل واضح اعداد منفذي العمليات المحتملين ومن جهة اخرى بان الاجراءات العقابية في كل الاحوال لم تكن ناجعة ضد من يرى منذ الان في سلطات القانون عدوا. اما عمليا فتجد هذه الخطط صعوبة في توفير جواب على الظاهرة المتسعة والخوف من مئات الجهاديين الذين يتجولون بحرية في القارة ولا يمكن معرفة متى واين يختارون العمل. هكذا كان في حالة نموش الفرنسي الذي اجتاز بسهولة بارزة الحدود الى بلجيكيا ونفذ العملية في دولة لا تعرفه فيها الشرطة.
موضوع آخر يقلق المجتمع الغربي بشكل كبير هو طريقة تجنيد أولئك الشبان، فالدولة الاسلامية وغيرها من المنظمات المتطرفة تجند المؤيدين عبر الانترنت أساساً وفي الشبكات الاجتماعية. ومع أنه كانت في الغرب محاولات للعمل مع مواقع مثل تويتر وفيسبوك لاغلاق حسابات شعبية للجهاديين الغربيين، ولكنه لم يمر وقت طويل الى أن فتحت حسابات جديدة بدلا منها أو أن هؤلاء ببساطة انتقلوا الى شبكات اخرى يصعب فيها التقاطهم.
على الرغم من أن الصحافيين اللذين قتلا بقطع الرأس هما أمريكيان، ورغم حقيقة أنَّ غارات سلاح الجو الأمريكي في العراق تشتد فان السكان في نيويورك، واشنطن ولوس أنجلوس يشعرون الان بأمان أكبر من سكان أوروبا. ولعلهم يشعرون بذلك بفضل نشاط سلطات القانون في الدولة التي عمدت الى الاعتقالات الوقائية لكل من يشتبه بمشاركته في الارهاب. ولكن يساهم في ذلك أيضاً حقيقة أن نصيب الطائفة الاسلامية بين اجمالي السكان في الولايات المتحدة أصغر بكثير مقارنة بالوضع في أوروبا، وتوجد مخاوف أقل من المظاهرات والاحتجاجات الواسعة. ولكن كل هذا لا يمنع سناتورات جمهوريين من أن يدعوا منذ الان الى سحب الجنسية من الجهاديين وحتى ادارة اوباما الديمقراطية اعدمت عمليا نشطاء القاعدة مع جنسية امريكية في احباطات مركزة قامت بها الطائرات غير المأهولة في اليمن.
في هذه الأثناء تنفذ الولايات المتحدة غارات جوية في العراق وتعتزم توسيع حملتها الجوية لتشمل سوريا أيضاً. ليس واضحاً اذا كان هذا سيكفي لمنع انتشار الدولة الاسلامية وهذا أغلب الظن لن يغير حقيقة أن التنظيم يشكل مصدر جذب للشبان الذين لاسباب متنوعة ملوا حياتهم الغربية.
في كل الاحوال فان الحل الوحيد على الطاولة الان هو إلحاق الهزيمة بالاسلاميين – النتيجة التي قد تستغرق سنوات هذا اذا كانت ستتحقق في أي وقت من الاوقات. وفي المستقبل الأقرب ستضطر كل الدول الغربية التي تتعرض لهذا التهديد الى التعاون، التنسيق وتبادل المعلومات. وبالنسبة لاوروبا يحتمل أن يتعين على حكوماتها أن تتساءل اذا كان بوسعها أن تقاتل تنظيما لا يعترف بالحدود او القوانين دون أن تمس بحقوق أعضائها.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م