أضرار غير مسبوقة تصيب اسرائيل جراء حرب غزة

بقلم: دانييل فريدمان

الثلاثي الذي قاد حملة الجرف الصامد تكبد عناء الشرح لنا ـ وقد احتجنا الى شرح جذري لأنه يبدو أننا لم نفهم ـ باننا انتصرنا انتصاراً عظيماً وأن حماس تلقت ضربة شديدة. وهذا بلا ريب تفسير إبداعي، تتميز به اسرائيل عن غيرها، لكن المشكلة هي في الحقائق البينة والظاهرة للعيان والتي تكشف أن هذا التفسير لا علاقة له بالواقع.

الحقيقة الأساس هي أن حركة حماس لم تصمد فقط خمسين يوماً من القتال، بل واصلت اطلاق النار بوتيرة مجنونة حتى آخر يوم من القتال، مما كان بالنسبة لنا أحد المآسي الاكبر في هذه الحرب. في ضوء ذلك كيف يمكن الادعاء بأن حماس ضربت أو تضررت قدرتها القتالية؟

واضافة الى هذه الحقيقة فان اسرائيل تكبدت خسائر بمعدل يفوق بكثير خسائرها في الحملات السابقة في القطاع ولحق بها ضرر اقتصادي هائل سيمر زمن طويل الى أن تنتعش منه.

عملياً، واضح أن النتائج العسكرية في الرصاص المصبوب، والتي جرت في عهد حكومة أولمرت كانت أفضل بكثير من تلك التي في الحملة الحالية، وإن علاقات القوى العسكرية تغيرت منذئذ في غير مصلحة اسرائيل.

يروون لنا بأن بنى حماس التحتية تضررت، هذه أيضاً حجة غير مقنعة. فحماس ستملأ بالتدريج مخزونها من الصواريخ مثلما ستجدد اسرائيل مخزونها من القنابل. كما أن الأنفاق التي تم تفجيرها يمكن لحماس أن تحفرها من جديد. فالبنية الأساسية لحماس، والتي تشكل مصدر قوتها، هي حكمها في القطاع. وهذا الحكم بقي في يدها.

ولكن هذه الحملة تختلف عن سابقاتها في كل ما يتعلق بحجم الأضرار المادية التي لحقت بالقطاع. فشبكات الكهرباء والمياه تضررت، والعديد من المنازل هدمت وعشرات آلاف السكان ليس لهم مكان يعودون إليه.

لا يعني الامر أنه لم يكن لذلك مبرر. فالمستشفى الذي تطلق النار منه يصبح هدفاً عسكرياً. وهكذا ايضا الشقة التي تستخدم فوهة نفق والبرج الذي تنزل فيه قيادة حماس. ولكن النتيجة هي أن سكان غزة (الى جانب سكاننا في غلاف غزة) أصبحوا الضحايا الاساسيين للحملة، والسؤال هو كيف سيؤثر الامر على سلوك حماس في المستقبل.

من جهة اخرى تستخدم حماس المدنيين والمنشآت المدنية كدرع بشري وكقاعدة لأعمالها، بل إنها تحقق تفوقاً في كل اصابة لهم تستخدمها لغرض الدعاية. ومن جهة أخرى فانها هي الحاكم الدكتاتوري في القطاع. وحكمها لا يتعلق بالارادة الطيبة للغزيين ومضمون بقوة الارهاب وفرض الرعب.

ولكن موقف السلطات الدكتاتورية من سكانها ليس موحداً. فثمة من يتجاهل السكان بلا حدود، مثلما تفعل الدكتاتورية في كوريا الشمالية، وتوجد دكتاتوريات تبدي مراعاة اكبر لاحتياجات السكان.

يحتمل ان يكون حزب الله (الذي في يده حكم جزئي فقط)، ينتمي الى هذا التصنيف، ويحتمل جدا أن يكون الفهم الذي تسلل اليه في أنه حتى حادثة حدودية «صغيرة» من شأنها أن تجر اشتعالا يضرب السكان الذين تحت حكمه، هو أحد العوامل التي حققت الهدوء النسبي في أعقاب حرب لبنان الثانية.

يحتمل أن تكون حماس منتمية الى تصنيف مشابه، والمنظومة الاجتماعية والثقافية التي تعمل في إطارها تلزمها بالمراعاة، وان كانت جزئية، للسكان الذين تحت إمرتها. في مثل هذه الحالة سيتبين لها بأن تكتيك استخدام المدنيين ومنشآتهم كدروع حية، والتي ثبتت حتى الان بانها ناجعة جداً من زاوية نظرها، يعمل كالسهم المرتد وثمنه باهظ اكثر مما تبدي حماس الاستعداد لتحمله.

اذا كان هذا هو الحال، يحتمل أن تكون النتائج القاسية للجرف الصامد على سكان غزة بالنسبة لحماس عاملاً كابحاً للجماح في المستقبل، على الاقل لفترة زمنية أطول من تلك التي اعتدنا عليها في الماضي.

 

حرره: 
ا.ش