غزة ـ فشل إسرائيلي وعربي وفلسطيني

حرب غزة

إذا لم يوجد أمل لجيراننا في غزة فسيبقى ماضيهم وحاضرهم أيضا يطاردان مستقبلنا
 

بقلم: آري شبيط

إن قطاع غزة فشل للحركة القومية اليهودية. فقد دفعنا الى غزة وحشرنا فيها الناس الآخرين الذين فقدوا أكواخهم وبيوتهم الحجرية وأشجار تينهم في ذلك الصيف الفظيع من 1948. صحيح أنهم هم الذين رفضوا قبولنا في هذه البلاد، ورفضوا تقسيم البلاد وسعّروا الحرب علينا لكننا أخرجناهم آخر الامر من يافا ويفنه والمجدل الى جباليا والنصيرات ورفح. واحتللنا ارضهم مرة اخرى في 1967 واستوطنا بين ظهرانيهم بعد 1967 وحكمناهم نحوا من اربعين سنة.
وقطاع غزة فشل للحركة القومية العربية. ففي العقد الذي كانت فيه دولة الشعب اليهودي الشابة الضعيفة تستوعب فيها وتعيد في داخلها تأهيل مليون لاجيء يهودي، كانت الدول القومية العربية وفي مقدمتها مصر ترفض أن تقبل فيها وأن تعيد فيها تأهيل مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين. ولم تُظهر مصر تلك التي أظهرت عطفا (ما) على الفلسطينيين وقت الحرب، لم تُظهر أي عطف عليهم في ساعة السلم. بالعكس. سجنتهم في شريط ضيق من الارض وحاصرتهم في مخيمات هزيلة وسلبتهم كرامة الانسان وحقوق الانسان وامكانية العيش.
إن المسؤولية عن نشوء دمل اليأس في غزة ملقاة بقدر كبير على العالم العربي وعلى القومية العربية.
وقطاع غزة فشل للحركة القومية الفلسطينية. فقد منحت دولة اسرائيل جيرانها من الجنوب بعد أن صحت من الاحتلال والاستيطان والمسيحانية، منحتهم فرصة اوسلو الكبيرة في 1993 وفرصة الانفصال الكبيرة في 2005 فأضاعهما الفلسطينيون كلتيهما، فلم ينشئوا في غزة ما يشبه سينغافورة الزاهرة بل انشأوا دولة حماس الشمولية القاتلة التي تضطهد أفرادها وأقلياتها وتهاجم اسرائيل مرة بعد اخرى. ولم تحول الحركة أول ارض فلسطينية محررة الى مكان أمل مستنير بل الى قاعدة قذائف صاروخية ودُمّل أنفاق التطرف الاسلامي.
وأضيفت ضروب فشل اخرى الى الفشل الاسرائيلي والفشل العربي والفشل الفلسطيني. فالمجتمع الدولي لم يطلب قط الى سكان غزة أن يخلفوا وراءهم الماضي الصادم للشعور وأن يتجهوا الى المستقبل، فاستمرت الامم المتحدة على الانفاق (بواسطة الاونروا) على بؤس غزة بدل أن تطورها. ولم يواجه مهندسو سلام على اختلافهم مشكلات غزة الاساسية في جد وهي الكثافة السكانية والتطرف والفقر. فقد كان قطاع غزة وما زال عند كثيرين أخيار الفيل الذي في الغرفة الذي يفضلون ألا يروه وألا يفكروا فيه ويأملون أن يختفي في سرائرهم.
لكن غزة لن تختفي، فقد تُردع (وقتا ما)، وقد تهدأ (بقدر ما) لكنها لن تختفي. ويبرهن صيف 2014 العنيف على أن فشل غزة المتعدد المستويات أصبح خطيرا ولهذا لا تكفي الهدنة الآن. فعلى كل من فشلوا في غزة – الاسرائيليين والعرب والفلسطينيين والامريكيين والاوروبيين – أن يتحملوا مسؤولية عن تلك المساحة من الارض التي أصبحت كيس مرارة هذه البلاد.

والرؤيا واضحة وهي خطة «مارشل» مقابل نزع السلاح، لكن من الواضح ايضا أن الطريق الى الرؤيا طويل ومليء بالعقبات ويحتاج الى مهادنات. فهل لا يمكن أن يُعطى الفلسطينيون ميناءا الآن؟ يجب أن نبني معهم محطات توليد طاقة ومصانع تحلية مياه البحر وأن نهب لهم أفقا اقتصاديا في شمال سيناء، أولا يمكن أن نحصل من الفلسطينيين على نزع سلاح رسمي؟ ينبغي أن نضمن في واقع الامر عدم زيادة قوتهم.
علينا أن نمنع حفر انفاق تجتاز السياج الحدودي وعلينا في الوقت نفسه ايضا أن نرى آخر الامر البشر الذين يعيشون وراء السياج الحدودي. فلن يكون لاسرائيل أمن دون رفاه يقبله العقل في غزة، واذا لم يوجد أمل لجيراننا فسيبقى ماضيهم وحاضرهم ايضا يطاردان مستقبلنا.

هآرتس