«الجرف الصامد» ـ أهداف الحملة والاستراتيجية لتحقيقها

عملية "الجرف الصامد"

بقلم: عاموس يدلين

مساء أول أمس، 7 تموز 2014، تبين نهائيا أن حماس لم تتعاون مع سياسة التجلد التي اتخذتها حكومة إسرائيل ومع محاولات الوساطة المصرية والعودة الى وقف النار والتفاهمات التي تحققت بعد حملة «عمود السحاب». مطالبها للاتفاق مختلفة، تقيد اسرائيل في عملها مثل مطالبها ايضا لفتح معبر رفح وتحرير سجناء صفقة شاليط ممن اعيدوا الى السجن وكذا وابل الصواريخ الذي لم يتوقف، رغم التجلد الاسرائيلي، أجبرت اسرائيل على الدخول في معركة لا ترغب فيها. وهاكم دزينة مفاهيم عن أهداف المعركة الحالية – «الجرف القوي»، وما تختلف فيه عن «الرصاص المصبوب» و «عمود السحاب».

1.الغاية الاستراتيجية للعمل مفترضة من أداء الواجب الاساس للدولة لحماية مواطنيها والسماح لهم بنمط حياة طبيعي. هدف ترميم وتثبيت الردع – لتحقيق فترة هدوء اخرى، هو انجاز استراتيجي مركزي لحملات سابقة. ردع يعالج الدافع والرغبة في اطلاق النار على اسرائيل. والحملة الحالية من الصحيح أن تعالج ايضا قدرات حماس ومنظمات الارهاب الاصغر – الجهاد الاسلامي ولجان المقاومة. وعلى الحملة أن تكون موجهة في أساسها ضد الذراع العسكري لحماس وباقي منظمات الارهاب، الضرب الشديد للقيادات والاشخاص وكذا لقدرة اطلاق الصواريخ وانتاجها. هدف هام آخر للحملة لم يطرح وبالتالي لم يتحقق في الماضي، هو منع قدرة التعاظم لدى حماس بعد الحملة. حقيقة أن الانفاق التي تعاظمت من خلالها حماس بعد «الرصاص المصبوب» و «عمود السحاب» دمرها وأغلقها المصريون، تسمح – بعد أن تنفذ ضربة هامة لمنشآت الانتاج في غزة نفسها – بالتأكد من أن التعاظم بعد الحملة سيكون محدودا وبطيئا، اذا كان على الاطلاق.
2. الهدف العسكري – مثلما في الحملات السابقة – لا يجب أن يكون احتلال غزة لغرض «انهيار حماس». فدولة اسرائيل فكت ارتباطها عن غزة ونزعت عن نفسها المسؤولية عن هذا الاقليم بمليون ونصف من سكانه الفلسطينيين. حماس ضعيفة جدا من ناحية سياسية واقتصادية، وصحيح اضعافها ايضا عسكريا. وضربة شديدة لحماس لتحقيق الردع وحرمانها في القدرات وتعاظم القوة في المستقبل – هو الهدف الصحيح. أما جعل غزة مجالا بلا عنوان سلطوي فهو خطأ استراتيجي.
3.أحد عناصر القوة المركزية لحماس، والذي يفترض أن يعطي جوابا للتفوق الاسرائيلي في الاستخبارات النوعية وقدرة النار هو المنظومة التحت أرضية. لقد بنت حماس قدرات تحت أرضية بحجم واسع للدفاع والهجوم على حد سواء. وغزة مشبكة بانفاق وملاجيء تحت أرضية والى هناك تنزل ليس فقط قيادة حماس بل وايضا الكثير من رجال الذراع العسكري. والاحباط الذي نفذ في الاسبوع الماضي حيال النفق الهجومي لحماس في جنوب القطاع والذي كان يفترض أن يكون المفاجأة الاستراتيجية لحماس، هو انجاز هام للغاية للجيش الاسرائيلي. هكذا ايضا تصفية الخلية التي حاولت تحت ستار واسع من النار النزول على الشاطيء وتنفيذ عملية في زيكيم. سرية المخربين التي تخرج من النفق الهجومي الى الاراضي الاسرائيلية، وصحيح الافتراض بانه توجد أنفاق اخرى كهذه، يمكنها ان تنفذ عملية واسعة النطاق ذات مغاز شديدة. من المهم أن يتمكن الجيش الاسرائيلي من اكتشاف الانفاق الهجومية الاخرى وايجاد السبل الابداعية لجعل الانفاق الدفاعية شركا حفرته حماس لنفسها.
4. من المهم الانتباه الى ضياع «حملة المفاجأة» – في الحملتين السابقتين تمكن الجيش الاسرائيلي من تحقيق مفاجأة تكتيكية وضرب القيادات المأهولة (حملة «الرصاص المصبوب») ورئيس الذراع العسكري لحماس ووسائل الاطلاق بعيدة المدى (حملة «عمود السحاب»). في مساء السابع من تموز أثبتت حماس بانها منظمة تتعلم ونجحت في املاء توقيت المعركة – بينما مختبئة جيدا ومنكشفة أقل مما في الماضي. لقد حاولت حماس وتحاول المفاجأة بقدرات اخرى – صواريخ بعيدة المدى الى ما وراء تل أبيب، اجتياحات برية، طائرات غير مأهولة. حتى الان لم تنجح حماس في مفاجأة الجيش الاسرائيلي، الذي أحبط القدرات «الجديدة». الى جانب ذلك من الصحيح الافتراض بان حماس ستواصل محاولة المفاجأة.
5.صمود الجبهة الداخلية الاسرائيلية – قدرات الجبهة الداخلية الاسرائيلية للصمود في المعركة التي تستمر لاكثر من اسبوع، هو عامل اساسي في نتائج المعركة. أنماط سلوك الجمهور في اثناء المعارك العسكرية التي ادارها الجيش الاسرائيلي في العقد الاخير ضد منظمات الارهاب شبه الدول (حزب الله وحماس) مشابهة ومتوقعة هذه المرة ايضا. فالجمهور يجتاز عددا من التحولات: في البداية – يوجد اجماع للخروج الى المعركة؛ لاحقا، في الايام الاولى من المعركة – يكون هناك تأييد جارف بشكل خاص اذا كانت هناك انجازات بارزة؛ مع تراكم الاصابات في الجبهة الداخلية وبالجنود ومع الفهم بانه لا يوجد انتصار مطلق، يصبح الجمهور عديم الصبر وانتقادي جدا. يجب على نجاح الخطوة العسكرية أن تستند الى أ. شرعية عالية (سياسة التجلد للحكومة أتاحت البدء بالحملة وهي تحظى بمستوى عال من الشرعية). ب. دفاع جيد عن الجبهة الداخلية (والقبة الحديدية هي عنصر اساسي في الدفاع، ولكن ايضا قدرات سلاح الجو والقوات المناورة للهجوم وضرب وسائل اطلاق الصواريخ هامة للغاية). ج. الى الانجازات المثبتة التي لا لبس فيها حيال العدو. الجمهور الاسرائيلي مستعد لان يتحمل اذا كان يرى انجازات استراتيجية ذات مغزى.
6.عنصر الزمن – خليط الصبر القصير في أوساط الجمهور الاسرائيلي، الضغط الدولي، خطر التصعيد والخوف من اصابة بالصدفة بالمدنيين غير المشاركين كفيل بان يملي وقف الحملة قبل أن تكون تحققت الاهداف الاستراتيجية. وعليه فيجب الامتناع قدر الامكان عن النهج التدريجي واستخدام كل القوة منذ الايام القريبة القادمة. وثمة للهجمات وجودة الاهداف اهمية كبيرة في تحقيق اهداف الحملة.
7. خطوة متداخلة جوية وبرية، مسنودة بالاستخبارات. يميل الجمهور لان يرى فقط نموذجين للعمل – جو أو جو مع خطوة برية واسعة لاحتلال القطاع. حتى لو لم تكن لدينا نية لاحتلال غزة، لا تزال واجبة وشبه ضرورية خطوة برية. هناك تداخل عال بين الخطوة الجوية والخطوة البرية. فبدون خطوة برية تبقى حماس «تحت الارض». أما خطوة برية الى نقاط ذات قيمة فستخلق احتكاكا مع رجال الذراع العسكري لمنظمات الارهاب وتسمح سواء للقوة الجوية أو للقوة البرية أن تضربهم وتضرب البنى التحتية التي تخدمهم. في كل الاحوال، فان الخطوة البرية وبالتأكيد الجوية ايضا مشروطتان بالاستخبارات النوعية. فكلما كانت الاستخبارات اكثر نوعية – تكون المناورة البرية اقل.
8.المسؤولية السياسية. في الحملتين الاخيرتين كان يمكن التعاطي مع غزة كدولة تحت سيطرة حماس وضرب مبنى الحكم، بالقيادة السياسية بل وبالبنى التحتية – تبعا للقانون الدولي. حملة «الجرف القوي» تنطلق بعد وقت قصير جدا من تحلل حماس ظاهرا من مسؤوليتها عن غزة ونقل المسؤولية بشكل رسمي الى أبو مازن. مريح لحماس أن تتبنى نموذج حزب الله في أنها صاحبة «جيش خاص» في دولة ليست هي مسؤولة عنها. واسرائيل ملزمة بان تعود لتوضح بانها ترى في حماس المسؤولة عن كل ما يجري في غزة. وقد اطلقت اقتراحات لضربة عسكرية للبنى التحتية السياسية في غزة. اما برأيي فلا يوجد منطق سياسي أو عسكري لعمل ذلك. اذا كانوا يريدون ممارسة الضغط على حماس، التي تسيطر في غزة، فلدى اسرائيل القدرة على وقف توريد الكهرباء، الوقود والغذاء دون اطلاق رصاصة واحدة – المعابر ومفاتيح الكهرباء في ايدينا. وكلما تطورت المواجهة وطالت، ينبغي الانتباه الى الا تنتشأ في غزة أزمة انسانية. وسيحاول الفلسطينيون خلق عرض كهذا، يخدمهم، ويجب التأكد باننا نقرأ الخريطة جيدا ولا نسمح بضر زائد للسكان غير المشاركين في القتال.
9.رقابة التصعيد الاقليمي – بينما تتطور المواجهة في غزة مطالبة محافل التقدير بان تقدم تقديرها بالنسبة لمدى حرية العمل في ساحة غزة مقابل الخطر في التصعيد في جبهات اخرى، اكثر خطرا. احد اسباب تجلد الحكومة في الاسبوع الاخير كان الخوف من اشتعال الاضطرابات في مناطق السلطة وبين عرب شرقي القدس وعرب اسرائيل. هذا الخطر لم يختفِ ومن شأنه أن يعود بحجم واسع اذا ما ارتكبت اخطاء عملياتية تمس بالمدنيين غير المشاركين. خطر آخر اكثر جسامة ولكن باحتمالية منخفضة هو اشتعال جبهة الشمال مع حزب الله أو مع سوريا. احتمال مثل هذا السيناريو متدن جدا، حزب الله وسوريا منشغلان بالحرب الاهلية ولن يردا على ما يعتبر في السنوات الاخيرة كعمل اسرائيلي موجه مباشرة ضدهما. ومع ذلك، فان مفهوم الاحتمالية المتدنية مشحون وخطير: امكانية خطيرة جدا لاشتعال جبهة الشمال تستدعي الفحص والتناول الدائم لفرضة العمل وصورة الوضع.
10.مصر- عملت مصر في الماضي كوسيط وآلية انهاء لحملات اسرائيل حيال حماس. كما ان مصر هي هدف غير مباشر لنار حماس بطلبها تخفيف الحصار عن غزة اي فتح معبر رفح والانفاق. مصر 2014 تختلف عن مصر مبارك التي كانت حساسة جدا للشارع المصري ورد فعله على الحملة وعن مصر مرسي التي رأت في حماس حليفا. مصر السيسي لم تنجح في منع المواجهة واستئناف تفاهمات «عمود السحاب». ويعود عدم نجاح مصر الى عدائها لحماس ورغبتها في أن تضربها اسرائيل ولكن ايضا بسبب ضعف صلاحيات القيادة السياسية لحماس على ذراعها العسكري الذي يعمل بشكل مستقل. ومع ذلك، يجدر بالذكر أن مصر تميز بين حماس التي ضربها ليس اشكاليا بالنسبة لها وضربة واسعة للفلسطينيين في غزة الامر الذي لا تقبل به.
11.ايران – احدى الحجج للتجلد الطويل لحكومة اسرائيل هي سلم الاولويات الاستراتيجية لديها. فلا حاجة للجلوس في غرفة المجلس الوزاري كي نفهم بان رئيس الوزراء يرى في التهديد النووي الايراني التهديد الاخطر بكثير من تهديد الارهاب في غزة. والمفاوضات بين القوى العظمى وايران توشك على الانتهاء والتوقيع في 20 تموز 2014. ورئيس الوزراء ليس معنيا بان يكون الانتباه السياسي، الاستراتيجي والاعلامي ينحرف عن الموضوع الذي يراه الاهم. ومع ذلك، فالتقدير هو أن المفاوضات مع ايران لن تنتهي قريبا الامر الذي يعطيه مجالا زمنيا لتوفير رد على تهديد الارهاب من غزة.
12.آلية الانهاء – في كل دخول في مواجهة عسكرية من واجب القيادة العسكرية والسياسية أن تتأكد من أنها تخطط وتستطع استخدام آلية انهاء للمواجهة. وهذه قدرة على استخدام عناصر دولية مثل مجلس الامن، آليات الوساطة والمفاوضات غير المباشرة عبر دولة ثالثة (مصر، تركيا، قطر) وآليات عسكرية للتصعيد او الخروج أحادي الجانب. حملة «الرصاص المصبوب» توقفت من جانب واحد – حماس قبلت وقف النار لانها ضربت بشدة. «عمود السحاب» توقفت بوساطة مصرية. من المهم جدا أن يكون واضحا لاصحاب القرار ما هي الالية التي من خلالها يرغبون في الخروج من المعركة وأن يتم الخروج مع تحقيق الهدف الاستراتيجي الذي من أجله انطلق الجيش الاسرائيلي للحملة.

رئيس معهد بحوث الامن القومي

نظرة عليا 

 

حرره: 
م.م