بين الفقر والحرمان .. أطفال عائلةٍ تحاصرهم الأمراض وسط قطاع غزة

فقر

سعيد قديح

زمن الخير، خاص زمن برس: لم ننته بعد، فهذه المرة بيتٌ يتربع بين جنباته الفقرُ والحرمانُ والمرضْ، تترجمه العيون التي انتظرت وصولنا لنبدأ معاينة تفاصيل المعاناة التي تعيشها عائلة «مِلفي» داخل منطقة الزوايدة وسط قطاع غزة.

بدا ظاهرًا مدى تصدع الغرفة الوحيدة في البيت، وعدم تماسك جدرانها في اشارةٍ إلى طول السنوات التي انقضت دون توافر القدرة لدى رب العائلة الحاج عواد ( 54 عامًا ) على إعادة ترميم سكن العائلة كونه عاجزًا عن العمل، ولا يملك القدرة على ايجاد مصدر رزق يعين فيه أطفاله وزوجته.

تجولت زمن برس في أركان المكان، حيث المطبخ الذي يعلو أرضيته الرملية سقفٌ من الأقمشة المتسخة وألواح الزينكو الصدئة، لم يترك هذا مساحةً  تمّكن ربّة البيت الحاجة آمنة ( 40 عامًا ) من اعداد طعام الافطار في الأيام الأولى من شهر رمضان بشكل مريح، عوضًا عن أن سقف البيت الذي تكوّنه ألواح الزينكو يساهم بدرجة كبيرة في رفع حرارة البيت تزامنًا مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة في المناطق الفلسطينية هذا الصيف.

للحاج « عواد » أربعة أطفال، أكبرهم يحيى ( 7 سنوات ) المصاب بمرضٍ في الأعصاب يُفقده القدرة على الاحساس بمواطن الألم أو الوخز، بالاضافة الى التهابٍ في عظام ساقه اليمنى يعيق مشيه ويتسبب في الآمٍ كبيرة لديه في كثير من الأوقات، وتقرحات في أجزاء من جسمه ينتج منها خروج الدم.

ابنته سلمى ( 4 سنوات ونصف ) تعاني هي الأخرى من التهابٍ في مفاصل قدميها، استدعى ذلك إجراء عملية جراحية لموضع المفصل قبل فترة طويلة دون أن يترك ذلك تحسنًا على صحتها، والتنقل بين مستشفيات عدّة لعمل اللازم جاء أيضًا بلا جدوى، وقد صادف وقت وصولنا للبيت وجودها مع والدتها في عيادة قريبة بعد معاناتها من الآمٍ شديدة حسب ما يقوله والدها.

يقول الحاج عواد لزمن برس:" لا تجد أحدًا من أولادي إلا ولديه مشكلة مرضية يعاني منها، فثلاثة منهم يعانون من عدم خروج العرق من أجزاء جسمهم، وهذا الأمر يزعجني ويؤلمني كثيرًا" ويتابع قائلًا:" كلهم يحتاجون الى رعاية صحية جيدة، وأدوية لا أستطيع أن أدفع ثمنها وأنا في وضع كهذا".

يمسك يحيى بيده تقريرًا طبيًا حديثًا يفصّل معاناته مع المرض، يقاطعنا الأب قائلًا:" توقف هو عن الذهاب الى مدرسته منذ فترة، فحاله لا تسمح أبدًا ليمارس تعليمه، ليبقى بقربي يشكو آلام قدميه وأجزاء جسمه المختلفة".

وعن حلم يحيى، يجيبنا بنظرة يكسوها الألم قائلًا:" بدي الله يشفيني وأرجع لحياتي الطبيعية" ويضيف:" بدي أحضر المباراة، التلفزيون بيخرب، مبجيبش مونديال، والكهربا مبتزورناش كثير".

السكري وارتفاع الضغط رفيقان قاسيان منذ فترة طويلة على جسد الحاج عواد، الذي أخذ يقول ويكرر:" تعبت، تعبت" ويضيف:" تربية الأولاد وتوفير طعامهم ليس بالأمر الهيّن، والعثور على عملٍ في غزة هذه الأيام يشبه البحث عن ابرة في كومة قش، الجميع يعاني".

ويختم بالقول:" أتمنى أن تتغير أحوال بيتنا نحو الأفضل، وكذا أحوال أطفالي، وأن أغدو ولي القدرة على معالجتهم مما حل بهم، ويعود يحيى لمدرسته ويلتحق البقية برياض الأطفال، ولنا القدرة في نفس الوقت على اعطاءهم مصروف ولو ليوم واحد يشعرهم بالسعادة، وبأنهم بشرٌ مثلهم مِثلَ غيرهم".

 

 

حرره: 
م.م