في خانيونس..عائلة تعيش على الخبز فقط وحُلم طفلهم.. بنطال

عائلة محتاجة

سعيد قديح

زمن الخير / خاص زمن برس

قبل مجيء الشهر، لم يكن محمد أبو الحصين ( 34 عامًا ) يسوّق للأحلام قَدَرَ أنه فقط كان يبيع الشاي والقهوة على عربة خشبية معطوبة، ومركونة على شاطئ بحر خان يونس جنوب قطاع غزة، يقتات منها ما لا يكفي لسد حاجة عائلته، ما لا يكفي لجعل أحد أطفاله يكتب أحلامًا بسيطة على ورق الرسم، ويعمل على تحقيقها واحدًا بعد الآخر.

زارت زمن برس البيت الذي لا يملكه أساسًا، ليتضح لنا حجم المعاناة التي يعيشها أفرادُ عائلته والجدرانُ من خلفهم تكسوها مرارةُ الوجع والحرمان، ففي غرفة واحدةٍ  يتجمع ثمانية أفراد كل ليلة، ويلقون بأنفسهم نائمين على فراشٍ غير صحي، يتقلبون من قرصات البعوض والحشرات الضارة في مكان لا يصلح أبدًا ليكون منَامًا لأطفالٍ في عمر الزهور.

 

يركنُ محمد ظهره للجدار قائلًا:" لدى أطفالي أحلام، وهموهم كثيرة، ومع هذا الظرف الصعب الذي أعيشه منذ سنوات لم نجد رعاية من أحد ولا أدنى اهتمام". ويتابع:" حين أتأمل حال الأولاد واليأس من الحياة في عيونهم، أعجز عن اقناعهم أن حالنا سيغدو أفضل".

كانت عائلته قبل هذا الوقت تعيش في بيتٍ للايجار في مدينة غزة، إلا أن عدم قدرته على توفير أجرته، أجبره هذا على مغادرته برفقة زوجته وأطفاله إلى بيت غير قابل للعيش يسكنون حاليًا تحت سقفه المتصدع الذي لا يتحمل عوامل الطقس المختلفة وسط مشروع خان يونس شديد الازدحام بالسكان، تاركًا وراءه ديون كثيرة عليه دفعها لصاحب البيت الأول.

تفتح زوجته ( 31 عامًا ) والتي تعاني من مشكلة نفسية  غطاء الثلاجة لتفحّص ما بقيَّ من خبزٍ قائلةً:" كما ترى، نخافُ أن يفرُغَ الخبز، ونبقى متروكين بلا قدرة على جلب كيس جديد من الطحين في ظل هذه الأوضاع الصعبة". وتضيف:" الخبز هو وجبة الأطفال الأولى، الخبز وحده لأننا لا نستطيع في كل وقت شراء كيلو واحد من الخضار ولا الفاكهة حتى، فنضطر لإعداد الشاي وغمسه بالخبز في كل صباح مع شيء من الزعتر، وهذا فطورنا" وتختم بالقول:" بدنا نعيش زي الناس .. بكفّي هيك مرض ".

محمد لا يعمل في وظيفة، والذي كان يجنيه من بيع الشآي والقهوة لم يكن يكفيه لشراء البامبرز لأطفاله الصغار كل أسبوع، حتى أنه أضطر لسحب أصغر أطفاله من روضة قريبة لعجزه عن دفع رسومها، وحين سألنا شادي أكبرهم عن مستواه الدراسي نظر في عينّي والده للحظة، واغرورقت عيناه بالدمع، لنعرف أنه لم يوّفق في السنة الدراسية التي انقضت قائلًا:" شو بدك مني وأنا بطلع على مدرستي وملابسي مش ملابس دراسة أصلًا، وأنا بسهر مع والدي وهو ببيع قهوة وشاي على البحر الى الساعة الثالثة فجرًا" وعن حلمه تابع قائلًا:" بنطلون بس، بنطلون منيح أتباهى فيه قدام العالم".

مطبخ البيت لا يصلح لإعداد وجبة صحية، كون جدرانه مُغبرّةً ومتصدعةً من حرارة الموقد وتراكم الغبار وتشقق الحائط، وسقف البيت المتكون من القرميد الذي تغزوه ثغرات كثيرة تجعل من النوم تحته بهدوء أمرًا صعبًا بفعل  القطط الضالة التي تجده مكانًا مناسبًا للتحرك عليه في الليل.

أمام كل هذه الحال يرجع « الأب » قائلًا لزمن برس:" ننتظر فرج الله القريب، وآمل ممن يعنيهم أمرنا أن ينظروا لحالنا فعلًا، أن يوقفوا شلال اليأس الذي يداهمنا ببزوغ كل فجر وبحلول كل ليلة، أن يجعلوا منا قادرين على الوقوف من جديد على أقدامنا لأعملَ على تحقيق أحلام أطفالي، ويختم بالقول:" لا أريد الذين جاؤوا من صلبي أن يتوهوا فيما بعد بين طرقات المدينة ويتحولون إلى أطفال لصوص، وطالما تمنيت من الله أن يبقيني حيًا لأرى أحد أولادي وهو يدرس في الجامعة لا يشكو من شيء".

حرره: 
م.م