في قطاع غزة.. 1000 مشعوذ يلهثون وراء المال وأجساد النساء

شعوذة غزة

زاهر فهيم

(خاص) زمن برس، فلسطين، 1 حزيران 2014:  بين أزقة مخيم  شمال قطاع غزة، هناك نهاية الممر، جمع من الناس مصطفون أمام بابٍ صغير. أطفالٌ، نساء شيوخ، وشباب بعضهم يبكي والآخر يتألم ومنهم لايعلم أين هو ولمن جاء.

الإنتظار قد يطول لساعات وقد يؤجل لليوم الآخر، الكل ينتظر بشغف. هي مطلقة وتريد الرجوع لزوجها وأولادها، ورجل مريض لم يفده الأطباء، وآخر شاب يتمنى النجاح في الجامعة، وفتاة تريد الزواج ولا أحد يطرق بابها.

خلف الباب الصغير رجل ينظمهم ويدخلهم لباحة في وسط منزل قديم لمقابلة من هو مرجو لقائه الكل يسأل "وين الشيخ" ؟

من بين إحدى الغرف المظلمة يخرج رجل ذو لحية طويلة غير مرتبة ولا متناسقة يرتدي ثوباً أبيضاً وبيده مسبحة طويلة فيها بعض الخرزات والأحجار الملونة.

"الشيخ أبو..." كما سمى نفسه ونادوه الناس يقول" انه يعالج بالقرآن ويطرد الشر والجن ويصلح أحوال من تلطمت به أمواج الحياه". بدأ مساعده بفرز الناس ومشكلاتهم، عدد منهم دخل في غرفة من غرف المنزل ليست بواسعة ولكن لا اثاث ولا بساط في الأرض ولا حتى كرسي لمن هو كبير منهم. وقفوا حلقة دائرية والشيخ أوسطهم وبدأ يتلو آيات من القرآن صوته يرتفع ويزداد كأنما يصرخ على احدهم ويتابع القراءة بالتركيز على كل منهم بشكل عشوائي، فجأة سقط احد الزوار او المرضى كما سماهم الشيخ.

هدى أم في الثلاثين من عمرها عاشت أياما تحسب أنها سنين من هول ما رأته عينيها، كانت إحدى مريضاته التي في لحظات ظنت أنها نهاية العالم وتعيش لحظاتها الأخيرة، تسمع أصوات لا ترى أصحابها لكنهم يحدثونها، ويهمسون لها وأحيانا يصرخون، فكل ما يريدونه "إرعابها وإرهابها"، فهي العدو اللدود لهم. لا بل لأسيادهم الذين غالبا ما كانوا يختبئون خلف دخان كثيف لا ترى منهم سوى سراب خلفه، فترتمي أرضا مغشيا عليها من هول ما ترى وتسمع لا تعلم ما تقول سوى"ارحموني دخيل الله ارحموني".

ذلك ما قاله الشيخ ذاته لذويها كي يستميلهم الى زاره، فاضطرت هدى مرغمة أن تذهب إلى "زارات" ظنت في بادئ الأمر أنها ذاهبة إلى مشايخ يستطيعون أن يخرجوا منها الجن بالقرآن والرقية الشرعية، لكن سرعان ما تكتشف أنها بين يدي مشعوذ كل ما يريده أن يتحسس جسدها النحيل الهامد، لا تستطيع أن تنطق ببنت شفة فهي تخشاه قد يزيد من همها، ويشعل النيران بجسدها، وتقول:" لم أكن أعرف ماذا أفعل، أهلي يريدونني أن أشفى وأعود لأطفالي وأربيهم، وأنا لا أشعر بأي تحسن، نفسيتي دمرت خاصة وأنني لم أستطع السير، ولا أتمكن من متابعة واجباتي اليومية تجاه أطفالي، فباتوا مشردين بالشوارع لا يعتني بهم أحدا أبدا".

ظروف صعبة عاشتها مع زوج غير مبالٍ اضطرت للعودة الى أهلها، مكثت عندهم عامين كاملين حاولو خلالهمها أن يجدوا لها علاجا، وتقول والدتها المسنة:" لم نترك شيخ إلا ولجأنا إليه كي يعالج ابنتنا، شربوها حليب الناقة، وأعطوها أعشاب وكتبوا لها أوراق بطلاسم وعبارات لانفهمها، وأخضعوها لجلسات تخريج الجان، وضربها على جسدها، كنا نسمع أصواتا غريبة، بعضها يتكلم اللغة العربية، وآخرون يتكلمون لغات لا نفهم منها شيئا، تستمر عمليات الضرب لساعات، تخرج من تحتها ابنتنا برضوض تحتاج لأسابيع كي تشفى منها، ولكن دون جدوى".

وتتابع:" لجأنا للذهاب للعريش بمصر، بعدما قال لنا أحد المشايخ بأن الساحر الذي حضر السحر الخاص بابنتنا هو من العريش، وعليكم الذهاب إليه كي يفكه لكم، وبالفعل تداينا نقودا وذهبنا للعريش وللساحر، ولكن لا حياة لمن ينادي، كما ذهبنا عدنا فارغين اليدين، ولم تستطع السير، بعدها شك الأطباء بأنها مصابة بسرطان في النخاع الشوكي وعلينا إجراء عملية مستعجلة لها، ولكن قبل إجراء العملية بيوم  واحد قاموا بتشخيصها كليا ولكن الفحوصات سليمة وهي لا تعاني من شيء".

احتار ذووها في إيجاد حل "لمصيبتهم" الى ان اخبرهم احد المعالجين "ان السحر الذي حضر لها من اجل تفريقها عن زوجها، ونتيجته واضحة تماما، فهي بعيدة عنه عامان كاملان، استفردت بمكانها ضرتها" "الزوجة الثانية"، فعاشت في بيتها واستحوذت على زوجها وكذلك على أطفالها الذين غالبا ما كانت تعاملهم معاملة سيئة وتضربهم، حسب ما تقول هدى، ولكي تبطل كل ذلك كان عليها أن تستعين بالله وتعود لبيت زوجها، والأهم من ذلك تنجب منه فهو الحل الوحيد وستشفى باذن الله تدريجيا، وبالفعل حملت من زوجها وتدريجيا بدأت تسير على قدميها، وما إن حان موعد ولادتها حتى أصبحت تسير بشكل طبيعي دون أي مساعدة من أحد.

وغالبا ما يتم ترشيح أحد "المشعوذين" في الجلسات النسائية، والتي يطلقون عليهم المشايخ، غير أن ذلك كله يضر بهم أكثر مما ينفعهم، وتكون للمشعوذين طرق عدة، منها أن يتم ترتيل كلمات على المريض مبهمة لا يعرف معاناها، أو أن يكتب على ورق أبيض بدم أحد الحيوانات الميتة وغالبا ما يكون الدجاج أو أحد الطيورأو ماء الزعفران وماء الورد، ويطلب من المريض أن يحملها مدة معه، أو أن يحضر المريض ويرتل على "زير" به ماء بحر ورمل كلمات مبهمة ويطلب منه أن يضع يده بذلك الزير كي يخرج السحر بيده وبالفعل يقوم بذلك المريض فيخرج عظمة ، الغريب بالأمر أن ذات الزير ونفس العظمة تتكرر مع كافة المرضى، والأغرب من ذلك أن ذلك " الشيخ" يعالج مرضاه أمام بعضهم البعض، فيسمع الآخرون الأصوات ولا تحول بينهم سوى غطاء من القماش ليفصل بينهم.

"ابو عبدالله" هو أحد المعالجين بالقرآن فضل عدم الكشف عن اسمه لزمن برس لحساسية الموضوع، يقول:" هنالك العديد ممن يدعون بأنهم مشايخ، وشوهوا صورة الشيخ الحافظ للقرآن فهم ليسوا أكثر من دجالين ومشعوذين والعياذ بالله، لا ينصرون الانسان ويفيدونه بقدر ما يضرون به وبحياته، فهم قادرون على التفريق بين الزوج وزوجه، وعلى إصابته بالعلل والأمراض غير آبهين بغضب الله تعالى".

ويضيف:" المشعوذون لهم معالم تكشفهم، حتى  وإن تخفوا وراء اللحية والعمة واللباس القريب من لبس أئمة المساجد، وظهورهم بمظاهر المتقين، إلا أنهم يقومون بتأدية بعض الطقوس والحركات ويطلقون كلاما مبهما لا يعرف ولا يفهم معناه أو مغزاه وكأنهم يحاورون أناس غير البشر، إضافة إلى أنهم يستخدمون موادا غالبا ما تكون من النجاسة أشهرها حيض النساء أو بول الانس أو الحيوان أو العرق، أو حتى يلجأون إلى عظام الموتى والمقابر".

ورغم كل ذلك يرى المعالج" أن الضرر لا يصيب الإنسان إلا بإذن الله ، ويكون ابتلاء له، لذلك على كل مبتلى أن يتوكل على الله سبحانه وتعالى ويقرأ القرآن فهو شفاء له ويعتمد على الرقية الشرعية سواء بالقراءة على نفسه أو جعل أحد ما يقرأها عليه، فهي خير دواء أو حتى قراءتها على الماء وشربها، كما يقول لزمن برس.

ويوضح أن مفعول الرقية الشرعية تعتمد على قوة إيمان القارئ وتقواه وورعه وكذلك الحال بالنسبة للمريض، مشيرا إلى أن أغلب الحالات التي تأتي إليه لمعالجتها تكون مسا بالجن أو رياح هدفها المضرة بالدرجة الأولى، مثل المنع من الحمل أو التفريق أو الحيلولة دون اتمام زواج أحد ما، أو ايقاع المريض بعلل جسدية تمنعه من العمل والنجاح. ودعا المعالج الناس إلى" تقوى الله تعالى لأن من يقوم بعمل السحر عليه أولا أن يكفر بالله كي ينجح مفعول سحره".

ومن ناحيتها تقوم تقول الحكومة المقالة في غزة إنها" تحارب السحرة والمشعوذين حيث تشن عمليات دهم وتفتيش لأوكارهم والقبض عليهم بعد التأكد من عملهم، من خلال تقديم الضحايا بلاغات، ومن ثم التحقيق معهم، وحسب الجرم الذي يقترفونه يتم توقيف الساحر وتحويله إلى القضاء" غير أنه ذلك نادرا ما يحصل، وذلك وفق تصريحات مصدر مسؤول بالمباحث العامة، فضل عدم الكشف عن اسمه.

"وتنص المادة 307 من قانون العقوبات الفلسطيني الذي يحمل الرقم 74 لسنة 1936 على أن "كل من زعم من أجل الحصول على كسب أو مكافأة بأنه يمارس أي نوع من أنواع السحر أو العرافة، أو أخذ على عاتقه فتح البخت، أو زعم بأنه يستطيع اكتشاف شيء مسروق أو مفقود ومعرفة مكان وجوده بما يملك من مهارة أو معرفة في علم التنجيم والسحر مقابل كسب أو مكافأة، يعتبر أنه ارتكب جنحة ويعاقب بالحبس مدة سنة واحدة".

وقال المصدر في داخلية المقالة والذي تحدث لزمن برس إن :" 70% من ضحايا المشعوذين هم من النساء اللاتي غالبا ما يقعن في أوكار المشعوذين، ويقعن فريسة للتحرش قد يصل للاغتصاب، ولكن عدم تقديم شكوى ضدهم يحول دون التوصل لعدد دقيق لتلك الحالات كما أن 98% من زوار المشعوذين يستدلون عليهم عن طريق المعارف والأصدقاء".

ويقدر عدد المشعوذين بـ1000 شخص في كافة أنحاء قطاع غزة، وفق تقديرات تعود للشرطة المقالة، ولا توجد إحصاءات دقيقة لثرواتهم.

 

حرره: 
م.م