التزوير وراء صفقات العقارات في الضفة

استيطان

كان يفترض أن تحل نهاية البؤرة الاستيطانية جفعات آساف ـ بعد تأجيلات متكررة ـ في تموز 2012. وقد التزمت الدولة قبل ذلك بعدة أشهر، بعقب استئناف رفعته ‘سلام الآن’، التزمت للمحكمة العليا أن تهدم البؤرة الاستيطانية التي أنشئت كلها على ارض فلسطينية.

قبل موعد الاخلاء بثمانية ايام، وأكثر من عشر سنوات سكن، إستل المستوطنون أرنبا جديدا. فقد أعلنت شركة ‘الوطن’ التي تملكها ‘أمانه’ أنها اشترت نصيبها من البؤرة الاستيطانية وأجزاءً من قسيمتين أخريين. وانضمت الدولة الى سكان جفعات آساف وطلبت تأجيل الاخلاء للتأكد هل يُغير تغيير الملكية تنظيم البؤرة الاستيطانية. واعتمد رئيس المحكمة العليا آشر غرونس على البيع وأجل الهدم.

كانت علامات السؤال على حِل الصفقة هناك من البداية. فاحتمال أن يبيع فلسطيني صاحب ارض قسيمة ارض تخضع لمداولة في المحكمة العليا قبل الاخلاء بزمن قصير يؤول الى الصفر، وليس تزوير الصفقات نادرا في الضفة. وبرغم ذلك استقر الرأي في الادارة المدنية على عدم التوجه الى الشرطة وأجازوا الصفقة. وقبل بضعة أشهر حينما علم اصحاب الارض الفلسطينيون بالشراء رأي العين، أسرعوا الى رفع استئناف الى المحكمة اللوائية طالبين تغيير التسجيل مرة اخرى. وهم يزعمون أنهم لم يبيعوا أحدا الارض قط وأن الوثائق مزورة. وفي هذا الاسبوع حلت النهاية التي كانت معلومة مسبقا، فقد أطلعت النيابة العامة المحكمة العليا على أن ‘الرأي الاستشاري الذي نقله قسم التعريف الجنائي يشير الى وجود شبهة تزوير وثيقة في صفقة شراء واحدة من القسائم الثلاث المذكورة’. وأعلنت الدولة في الحقيقة أنها ‘ستقدر خطواتها’ بسبب المعلومة الجديدة، لكن ‘الوطن’ ربحت، فقد تم تأجيل الاخلاء سنتين، وهذا زمن ربما تم استغلاله لـ ‘صفقات’ اخرى؛ وستظل البؤرة الاستيطانية تُدحرج من استئناف الى استئناف الى أن يأتي السلام أو الانتفاضة الثالثة.

إن ‘الوطن’ شركة مسجلة في المناطق بحسب القانون الاردني الذي يقضي بأن يستطيع أحد سكان المنطقة أو شركة مسجلة فيها فقط شراء اراض. وأنشئت الشركة في 2002 بغرض شراء اراض من فلسطينيين من اجل استيطان يهودي. وصاحبة الشركة هي حركة ‘أمانه’ عن طريق الشركة الفرعية ‘بنيانيه بار أمانه’ والمجلس الاقليمي متيه بنيامين (عن طريق شركة تطوير متيه بنيامين). ويوجد في ادارة الشركة زئيف حفير (زمبيش)، الذي تقف مجموعة الشركات والاجسام التي يديرها وراء انشاء البؤر الاستيطانية في الضفة. وقد بدأ حفير العمل في الشركة في 2011 مع ترك مديرها السابق اسحق مامو عمله.

يدير حفير الذي اعتبر في ثمانينيات القرن الماضي في اعضاء الجبهة السرية اليهودية وقضى 11 شهر سجن بسبب نشاطه فيها، يدير ‘أمانه’ منذ 25 سنة ويعتبر أبرز شخصية في الاستيطان اليهودي في المناطق. وهو يتمتع بصلات متشعبة في الحكومة والجيش والادارة المدنية، ويعتبر صديقا مقربا من وزير الاسكان اوري اريئيل ولمدير سلطة اراضي اسرائيل، ورئيس مجلس ‘يشع′ في الماضي بنتسي ليبرمان، وأبواب وزير الدفاع موشيه يعلون ووزيرة القضاء تسيبي لفني مفتوحة له وكذلك ايضا أبواب مكتب رئيس الوزراء ووزارة المالية. وكان حفير في الماضي من المقربين لرئيس الوزراء اريئيل شارون. وقد نشر قبل سنة في صحيفة هآرتس تحقيق كشف عن مقدار البناء غير القانوني الذي تقوم به ‘أمانه’ في المناطق، وأثار علامات سؤال عما يبدو أنه اغماض سلطات فرض القانون أعينها عن نشاط الشركة.

لما كان سجل الاراضي في يهودا والسامرة (الطابو) ممنوعاً النظر فيه، فلا طريقة لمعرفة كم اشترت الشركة من الاراضي، لكن نظرة في مجموع خطط البناء التي قُدمت الى الادارة المدنية في السنوات الاخيرة تدل على أن نشاط ‘الوطن’ مقتصر على شراء اراض في بؤر استيطانية شُهر سيف الهدم فوقها، وهو شراء يتبين سريعا أنه مريب. وبرغم ذلك لا تُعلم الى الآن كل الاجراءات الجنائية التي اتخذت على الشركة.

في سنة 2006 قدمت ‘سلام الآن’ بواسطة المحاميين شلومي زخاريا ومخائيل سفراد، استئنافا الى المحكمة العليا طالبة هدم البؤرة الاستيطانية ‘ميغرون’ التي كانت آنذاك أكبر بؤرة استيطانية في الضفة، وكان يسكنها نحو من خمسين عائلة. وجندت ‘الوطن’ نفسها للمساعدة، فقد زعمت الشركة في جواب للمحكمة العليا أنها اشترت قسيمتي ارض في البؤرة الاستيطانية قبل ذلك بسنتين. بيد أن تحقيق الوحدة القطرية لتحقيقات الاحتيال في الشرطة بين سريعا أن الحديث عن تزوير. وقد وقع على تفويض البيع في 2004 في كاليفورنيا، وقعه شخص مات قبل ذلك بأربعين سنة في رام الله، وقال كاتب العدل الامريكي الذي وقع على الوثيقة للمحققين الاسرائيليين إن الختم سُرق منه قبل ذلك بعدة اشهر.

لم تعق نتائج تحقيق الشرطة الواضحة ‘الوطن’ عن التمسك بالوثائق الوهمية محاولة منع اخلاء البؤرة الاستيطانية. ففي سنة 2001 قبيل مداولة حاسمة في مصيرها في المحكمة العليا، رفعت ‘الوطن’ الى المحكمة اللوائية دعوى طلبت فيها تسجيل الاراضي باسمها، وكانت الأدلة هي الوثائق المزورة نفسها. وزعموا في المداولة في العليا أنه ينبغي انتظار بت الامر في اللوائية. وفي هذه الحال لم يستجب القضاة للطلب، وفي كانون الثاني الاخير حينما انقضت قضية ميغرون، سحبت ‘الوطن’ دعواها القضائية.

حينما سُد المسار الاول توجهوا في ‘الوطن’ الى مسار آخر، فقد زعمت الشركة في طلب سريع سري الى المحكمة العليا، وجود صفقتين جديدتين في ميغرون. ومن المفارقة أن احداهما متعلقة بالقسيمة التي زعمت الشركة من قبل أنها اشترتها في 2004. وصرخت الصفقة الثانية تقول إنها مزورة فقد كان البائع شخصا عمره 100 سنة، توفي في شيخوخة طيبة قبل ابلاغ الادارة المدنية عن البيع بنصف سنة. وكان ذلك الرجل في سنواته الاخيرة راقدا في بيت إبنه لا صلة له بالعالم الخارجي. وبرغم ذلك أجازت الادارة المدنية الصفقة.

بلغت الحيلة هدفها هذه المرة. فقد أجلي سكان ميغرون في الحقيقة في صيف 2012 لكن المباني أُبقيت في ذلك المكان حتى انتهاء تحقيق الشرطة في تلك القضية. وفي الاسبوع الماضي، على أثر نتائج تحقيق الشرطة، أبلغ المحامي عنار هلمان، من النيابة العامة مفوضي ‘الوطن’ أن الوثيقة التي عرضوها دليلا على حِل الصفقة، مزورة، ويتوقع أن تُخلى المباني في هذا الاسبوع. وسألت صحيفة هآرتس وزارة القضاء هل بدأ تحقيق جنائي لاستيضاح من زور الوثائق. وجاء في الرد على ذلك من الوزارة أنه ‘تم بدء تحقيق شرطة في شأن المعلومة الجديدة وجد في اطاره أن الوثيقة مزورة. ولا نستطيع التفصيل أكثر من ذلك لاسباب مفهومة’.

استعملت ‘الوطن’ طريقة عمل مشابهة في قضية ‘جفعات الاولبانة’ حينما حظيت الشركة بمعاونة النيابة العامة. في صيف 2012 هددت المباني الخمسة التي بنيت بلا رخصة على اراض خاصة لفلسطينيين، استقرار الائتلاف الحكومي. وبعد أن التزمت الدولة باخلائها زعمت ‘الوطن’ أن الاراضي لها وعرضت عقد شراء، دليلا على ذلك.

وبين تحقيق الشرطة أن اسم البائع ليس هو اسم المالك، وأن البائع كان في السابعة من عمره وقت تسجيل الاراضي باسمه وهو شيء غير ممكن بموجب القانون الاردني. حتى إنهم في ‘أمانه’ لم يصدقوا الشراء الوهمي، فقد أضاف عضو الكنيست دافيد روتم الذي كان مفوض الشركة آنذاك، الى عقد الشراء مادة تقضي باتمام العقد حينما يعرض البائع الوهمي أدلة على أنه صاحب الارض. ولم يفعل الرجل ذلك قط.

وتكرر السيناريو مرة اخرى، فقد قُدم الى المحكمة اللوائية قبل المداولة المصيرية في المحكمة العليا ببضعة ايام، استئناف يطلب تسجيل الارض باسم ‘الوطن’. وبعد عدة ايام زعمت الدولة في المحكمة العليا أنه ينبغي الانتظار الى نهاية استيضاح الدعوى وهدم المباني آنذاك فقط، لكن القضاة رفضوا الطلب. وبعد اخلاء جفعات سحبت ‘الوطن’ الدعوى القضائية.

يزعمون في ‘الوطن’ شراء اراض في عمونة ايضا، بعد انشاء البؤرة الاستيطانية في ذلك المكان بـ 17 سنة. وعلى أثر ذلك قبل القضاة التزام الدولة الرجوع عن نية الهدم. وتجري في هذه الايام في المحكمة اللوائية في القدس دعوتين قضائيتين لاصحاب الارض الاصليين الذين يزعمون التزوير.

وفي حالة اخرى لم تُبحث في المحكمة العليا قضت المحكمة اللوائية بأن الوثائق التي عرضتها الشركة في 2003 دليلا على شراء بيت من فلسطيني في قرية دير دبوان قرب عوفرا ليست أصلية. وعلى أساس هذه الوثائق دخل الى البيت بالقوة جماعة ‘مخون مشبتي آرتس′، وهم موجودون فيه الى اليوم برغم قرار الحكم.

إن صفقات الارض في الضفة معرضة للعدوان على القانون والتزوير. وبسبب الحكم بالاعدام الذي تقرر في السلطة الفلسطينية على من يبيعون اليهود اراضي (برغم أنه لا ينفذ في الضفة في مدة ولاية أبو مازن)، تتم صفقات حقيقية ايضا بوساطة سلسلة ناس وهميين. وقد زعم مسؤول كبير سابق في ‘الوطن’ في حديث ليس للنشر أن الشركة هي في الحقيقة ضحية وليست محتالة لأن محتالين يستغلون تحمسها لشراء اراض في مناطق متنازع عليها ويبيعونها قطا في كيس. بيد أنه يبدو أن الحديث عن ادعاء سذاجة، فالشركة ليست لها مشكلة في أن تقع ضحية لحيل من هذا النوع تُمكنها من أن تعرض على المحكمة وثائق شراء. وتدل التجربة على أن الادارة المدنية والنيابة العامة والقضاة يميلون الى التعاون.

إتهم أمين سر ‘سلام الآن’ ياريف اوبنهايمر أمس بأن ‘النيابة العامة تُظهر تسامحا زائدا ولا تستعمل عشر الوسائل التي تملكها لمحاكمة المسؤولين ولوقف الظاهرة فلا اعتقالات ولا تجنيد لشهود ملكيين ولا تحقيقات مع تحذير في تقديم تصريحات كاذبة مزورة الى الادارة المدنية والمحكمة. إن ارض اسرائيل تشترى بتزويرات بطرق مأخوذة من العالم الاسفل، ولا يوجد في النيابة العامة من يحقق ويجد المسؤولين’.

وجاء عن زئيف حفير ردا على ذلك باسم ‘الوطن’: ‘شركة الوطن تجري صفقاتها بنزاهة. لكن من الطبيعي أن ينكر باعة الارض من الطرف العربي أمر البيع بل أن يقدموا شكاوى عن ذلك في الشرطة، في حين يوجد في السلطة الفلسطينية بموجب القانون حكم بالموت على من يبيع اليهود ارضا. واقترح على جميع المتسرعين الى استخلاص استنتاجات أن ينتظروا الحكم النهائي للمحكمة ليبتوا أمرهم آنذاك’.

وجاء عن منسق اعمال الحكومة في المناطق أمس ردا على ذلك أن ‘الادارة المدنية تستعمل في الموافقة على طلبات تسجيل صفقات الاراضي في المنطقة المعايير المطلوبة منها في هذا الشأن. وكلما ثار شك في صدق طلب حُول الامر الى استيضاح قبل إتمام التسجيل. وفي الحالة المذكورة اتخذت الاجراءات المطلوبة حينما ثار الشك’.

حاييم لفنسون

هآرتس