إسرائيل: ميدان الحرب القادمة في سيناء!!

تراجعت في الآونة الأخيرة التصريحات الإسرائيلية المعادية لإيران، بالترافق مع تقييمات تشير إلى أن إيران إما ليست معنية ببرنامج نووي عسكري، أو انها حتى لو امتلكت مثل هذا البرنامج فعلاً، فإنها لن تقدم على استخدامه في مواجهة إسرائيل، وان هذا البرنامج، في حال إنجازه من قبل إيران، سيتوجه لتعزيز قدرتها على البقاء قوة يحسب حسابها في منطقة الخليج العربي، وفي مواجهة أي ابتزاز أميركي أو عربي حول هذا الدور في تلك المنطقة الحساسة من العالم، الساسة الإسرائيليون، كما كبار القادة العسكريين في إسرائيل، عادوا عن سلسلة التحذيرات من إيران وبرنامجها المزعوم، إلاّ أن ذلك لا يناسب هذا الكيان الذي استمر وواصل استمراره بفضل قدرته الدائمة على توجيه كل اهتمامه نحو عدم ما، يركز عليه، ويتوحد في مواجهته، إذ مع تراجع الاتهامات نحو إيران، برز عدو جديد، حاز على اهتمام تصريحات القادة من عسكريين وساسة، جزيرة سيناء، الحدود الجنوبية للدولة العبرية.

فها هو وزير الخارجية الإسرائيلي افيغدور ليبرمان، يفاجئ الجميع عندما أشار إلى أن ايران لا تشكل تهديداً لإسرائيل، بل هناك من شبه جزيرة سيناء، مؤكداً ضرورة أن تعتني إسرائيل بهذه الجبهة بديلاً عن توجيه الاتهامات إلى عدو غير مؤثر على مستقبل الدولة العبرية، ايران، اما رئيس الكنيست الإسرائيلي رؤوفين ريفلين، وفي لقاء مع عدد من ضباط وجنود إسرائيل بمناسبة ذكرى مقتل 22993 جنديا وضابطا إسرائيليا خلال حروبها ضد العرب، فكان أكثر وضوحاً، عندما أشار إلى أن "العدو هناك، ينطلق ضدنا من مصر ومن قطاع غزة"، ان الجبهة الجنوبية، يقول ريفلين: تنتشر بها أماكن معادية ومواقع إطلاق نار ومنصات صواريخ وتلال محصنة، وما زالت بلداتنا ومدننا خاضعة للتهديد المتواصل.

هذا على الجانب السياسي الإسرائيلي، أما في الجانب العسكري، فقد قام المستوى الامني خاصة من قبل العسكريين السابقين، بتقييم أمني يشير إلى أن سيناء، ستصبح هي ميدان الحرب القادمة مع إسرائيل، ونتيجة هذا التقييم صدرت عدة أصوات تدعو إلى الإقدام على إعادة احتلال سيناء، ورغم أن هذه الدعوة لم تجد صدى، إلاّ أن المستويات الأمنية الإسرائيلية سارعت إلى التحذير المتزايد من الأخطار العدائية القادمة من الجنوب، وان على إسرائيل أن تضع في اعتبارها المستجدات الجارية على الساحة العربية انطلاقاً من "الربيع العربي" خاصة على الحدود مع جمهورية مصر العربية.

قائد المنطقة الجنوبية العسكرية، الجنرال دان هرئيل، نائب رئيس الأركان في الجيش الإسرائيلي سابقاً، وفي حديثه مع إذاعة الجيش الإسرائيلي، تحدث مطولاً عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سيناء، فهي منطقة واسعة وشاسعة، وقليلة السكان، تجاهلتها الحكومات المصرية المتعاقبة تنموياً، ما جعل "البدو" أكثر قرباً من الجهات المعادية للحكومة، اشتغلوا في التهريب على اختلاف أشكاله، وتعاونوا في تهريب السلاح ودعم المنظمات الإرهابية، ما أوجد مناخات مناسبة "للقاعدة" وللمنظمات الفلسطينية.

ولأن إسرائيل تتوقع نظاماً سياسياً مصرياً "اقل تعاوناً" فإن الخطر قادم إليها من هناك من الجنوب، من سيناء تحديداً، يرى هرئيل ضرورة الانتهاء من الجدار الحدودي الذي تبنيه إسرائيل على حدودها مع سيناء، والتقييم المستمر لما يجري خلف الحدود الجنوبية للدولة العبرية.

أما رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي سابقاً غابي اشكنازي، الذي اتفق تماماً مع ما أشار إليه هرئيل، إلاّ أنه كان أكثر تحفظاً في تضخيم درجة المخاطر القادمة من الجنوب، من سيناء تحديداً، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي يجري تقييمات مستمرة للوضع هناك، وانه واثق أن الجيش الإسرائيلي أخذ بالاعتبار جملة المتغيرات المحتملة على حدود إسرائيل مع مصر، وان الأمر لا يحتاج أكثر من تقوية الجيش الإسرائيلي واستمرار عملية التقييم والحذر من أي مستجدات تؤثر على طبيعة وموقف هذه الحدود، ويضيف اشكنازي: "أنا أعرف جيداً أن الجيش الإسرائيلي يملك العديد من الخطط التي يمكن إخراجها إلى حيز التنفيذ في زمن الحقيقة للرد على أي استفزازات من الجانب المصري".

على أن بعض المحلّلين الإسرائيليين، اعتبروا هذه الهجمة على سيناء من قبل المستوى الأمني والسياسي في إسرائيل، هي مجرد أدوات للضغط على القيادة المصرية الجديدة لضبط عمليات تهريب السلاح في سيناء إلى قطاع غزة، ومواجهة احتمالات تمركز "القاعدة" في شبه الجزيرة، إضافة إلى أن ذلك يهدد الخطط المصرية الرامية إلى إعادة تنشيط السياحة في سيناء، واستمرار دعوة الحكومة الإسرائيلية، للسياح الإسرائيليين، بمغادرة سيناء، لا تقوم على معلومات استخبارية بقدر ما هي رسالة موجهة إلى كافة السياح من كل أنحاء العالم، على عدم التوجه إلى السياحة في جمهورية مصر العربية.

وإذا كان من الصحيح أن بعض أهالي سيناء، يعتاشون من وراء التهريب، إلاّ أن ذلك لا يبدد الحقيقة المؤكدة، بأن أهالي سيناء، كانوا في مقدمة القوات المصرية التي دمرت حصون بارليف في حرب 1973، وان الدولة المصرية اعتمدت عليهم في المجالات الأكثر أهمية وحساسية في الحرب مع إسرائيل، سلاح المخابرات، وإسرائيل من خلال محاولة تحريض القلة منهم، لن تتمكن بالتأكيد من أن تنجح في حربها النفسية في أن يرى أهالي سيناء فيها صديقاً، بل عدواً لدوداً، إلاّ أن ذلك يتطلب وبالتأكيد أيضاً، دخول سيناء بأهلها وشعابها، دائرة التنمية الاقتصادية والسياحية لدى خطط الدولة المصرية، التي تجاهلتها لعقود خلت، ان دعم أهالي سيناء هو دعم لقوة الردع في مواجهة أي عدوان إسرائيلي محتمل، وهو واجب وطني وقومي يجب أن يشكل أولوية مطلقة لأي نظام سياسي قادم في جمهورية مصر العربية.

إسرائيل التي تستغل الوضع الانتقالي في مصر، وعدم الاستقرار السياسي، وتقوم بالتهديد والوعيد، ظناً منها أن الوضع الناشئ في مصر، يسمح لها باستغلاله للضغط على القاهرة، خاب ظنها عندما تبين، وانه في ظل هذا الوضع المصري، لا يزال الجيش المصري، يجري مناوراته العسكرية وتدريباته المعتادة، وان قيامه بدور الأمن الداخلي، لم يعفه من دوره في حماية الحدود، ما فاجأ إسرائيل خاصة بعدما صدرت عن رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسين طنطاوي، في حفل تخريج دفعة جديدة من الضباط، تصريحات هي بمثابة رد على التهديدات الإسرائيلية، بقوله إن "الجيش المصري سيكسر قدم كل من يحاول الاعتداء على حدود مصر". وقد اعتبرت إسرائيل هذا القول، إشارة إلى أنه لم يعد بوسعها استغلال الوضع القائم، واعتبار هذا الوضع سبباً مبرراً لأي عدوان سهل على جمهورية مصر العربية.