الارهاب والفقر: العلاقة الموهومة

بقلم: بن درور يميني
في ضوء صخب النقاش الجماهيري عن ‘من المذنب’ في افشال المفاوضات مع الفلسطينيين، ينبغي الانتباه الى تصريح آخر لجون كيري، يدل على سياق التفكير الاشكالي لوزير الخارجية الامريكي. فقد تحدث كيري عن الارهاب المستشري، عن ‘بوكو حرام’، المنظمة الاسلامية التي تذبح دون توقف في نيجيريا وعن 276 فتاة اختطفتها ولا علم بمصيرهن. لماذا يحصل هذا؟ انه الفقر، شرح كيري. فهل حقا؟ سنحاول الوقوف عند هذه النظرية في اختبار الحقائق.
أولا، احد من منفذي العمليات التفجيرية في الولايات المتحدة لم يأتِ من خلفية فقر، بل العكس: كلهم كانوا شبانا ناجحين، اعضاء نادي النخبة في العالم الاسلامي. اسامة بن لادن، بابا الارهاب، كان ابن لعائلة مليونيريين. مئات الشبان الذين يأتون من اوروبا الى منظمات الجهاد في سوريا ليسوا أبناء الطبقة الفقيرة وبشكل عام هم من الاكاديميين والطلاب.
ثانيا، كيري، على حد قوله، بلور نظريته عن العلاقة بين الفقر والارهاب في اعقاب سلسلة محادثات مع زعماء افريقيا. هذا مشوق، لانه في افريقيا يوجد ملايين المسيحيين الفقراء الى جانب ملايين المسلمين الفقراء. وحسب نظرية كيري، فانهم كان يفترض بهم أن ينتجوا الارهاب بقدر متساوٍ. ولكن الواقع مختلف قليلا. ومثلما كتب محرر الشرق الاوسط السابق، عبدالرحمن الراشد: ‘ليس كل المسلمين ارهابيين، ولكن تقريبا كل الارهابيين مسلمون’.
ثالثا، في العقود الاخيرة وقع أمران. حسب معطيات البنك الدولي، من العام 1990 حتى العام 2013 تقلص عدد السكان الفقراء في العالم بـ 50 في المئة انجاز عظيم لمكافحة الفقر. وبالتوازي، في العقود الاخيرة كان صعود وهبوط في مستوى الارهاب، ولكن لا يوجد بحث جدي يشير الى علاقة مباشرة بين الارهاب وبين الفقر.
المشكلة هي أن كيري يتبنى بايمان عميق يتميز به اليسار العالمي والاكاديمية الغربية، وبموجبه فان معالجة اكثر ودا وسخاء للمضطهدين على وجه الارض سيؤدي الى تراجع في العداء وبالتالي فان الشباب لن يجتذبوا الى الارهاب. حبذا لو كان هذا صحيحا. وبدلا من وحدات الكوماندو لمكافحة الارهاب، كان ينبغي للولايات المتحدة أن تبعث بكتائب العاملين الاجتماعيين مع جيوب عميقة لكل بؤر الفقر في العالم. كان هذا سيكلف المليارات ولكنه سيكلف اقل بكثير من الحرب ضد الارهاب.
ما الذي يؤدي بالناس الى الارهاب؟ 250 مليون مسلم في الصحارى يميلون الى مدرسة الاسلام الصوفي المعتدل. أفغانستان كانت ذات مرة، في الستينيات، دولة سوية العقل. وكانت النساء يسرن دون حجاب ولم يزعجهن أحد. في مرحلة معينة، بدأ يتدفق الى هناك المال السعودي، الذي استخدم لاقامة شبكة من المدارس الدينية حيث نشأ جيل جديد من الجهاديين.
تدفق المال السعودي في العقد الاخير ايضا الى الجامعات في بريطانيا لغرض اقامة ‘مركز الدراسات الاسلامية’ وكانت النتيجة مشابهة. التطرف. بكلمات اخرى: المشكلة ليست النقص في المال، المشكلة هي في فائض المال، الذي يستخدم لغسل الدماغ وللتحريض. ودرء للشك، فان معظم المسلمين ليسوا ارهابيين. هم الضحايا. ولكن لا حاجة الى الاغلبية. ثمة حاجة الى اقلية عنيفة تدب الرعب.
لا علاقة للإرهاب بالفقر، هذا ما يمكن لمسلمين شجعان ان يروه، غير أن كثيرين من المتنورين يصعب عليهم أن يروه. والسلامة السياسية تشوش لهم العقل السليم. وما هو محزن أكثر: تحت تصرف كيري يوجد عدد لا يحصى من الباحثين والخبراء كان يفترض بهم أن يعرضوا عليه معطيات حقيقية. الحقائق وليس الاوهام. ثمة تخوف، تخوف فقط، من أن السلامة السياسية اياها تفشل مصادر المعلومات لدى كيري حتى بالنسبة للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني. هذه أنباء سيئة عن اداء الادارة الامريكية، وانباء سيئة اكثر عن فرص السلام.