احتكار نتنياهو للكارثة

بقلم: تسفي برئيل

قال محمود عباس الأمر الصحيح في الموعد الصحيح، حين وصف الكارثة بانها ‘الجريمة الابشع ضد الانسانية في التاريخ الحديث’. الدليل، أثارت أقواله على الفور آليات الرد التلقائية لدى رئيس وزراء اسرائيل، الذي سارع الى منع أقوال عباس من الدخول الى قلب الوعي الاسرائيلي. وتفوه نتنياهو قائلا انه ‘بدلا من نشر تصريحات ترمي الى ارضاء الرأي العام الدولي كان ينبغي له أن يختار بين حماس وبين السلام الحقيقي مع اسرائيل’.
منطق نتنياهو باعث على الانطباع من حيث سخافته. فبموجبه، ميز بين عباس ‘نافي الكارثة’ ولكن بدون حماس، وعباس ‘المؤكد لقتل’ المفاوضات السياسية. هكذا يوضح نتنياهو، ليست اكثر من وسيلة سياسية. استخدامها ساري المفعول من أجل تجنيد العالم ضد ايران، أو لتصوير عباس كنافٍ للكارثة ولكن حذار أن يستخدم أحد، فما بالك عباس، هذا الاحتكار الاسرائيلي عليها من أجل ‘ان يجند في صالحه’ الرأي العام العالمي.
من هنا، فان كل ثناء لاقوال عباس هو مس عميق بالرواية التي نسجتها اسرائيل ضده. بالضبط مثلما استقبلت بالاستنكار كما كان متوقعا تصريحات وزير الخارجية الايراني جواد ظريف الذي وصف الكارثة بانها ‘الجريمة الابشع وقتل للشعب’. إذ فقط رئيس الوزراء هو من يقرر من هو مندد أصيل بالكارثة ومن هو الذي يستخدم التنديد لاغراض سياسية. عباس، كما يجدر التشديد، لم ينفِ الكارثة ابدا. كان شك في عدد اليهود الذين قتلوا فيها. ‘إن احداً لا يمكنه أن يؤكد أو أن ينفي بان ستة ملايين يهودي ابيدوا’، كتب في رسالة الدكتوراة، ‘بحيث أنه يحتمل أن يكون عدد الضحايا بالفعل ستة ملايين، ولكن في نفس الوقت يحتمل أن يكون هذا العدد اقل من ذلك، اقل من مليون’.
هذا هو ذات نتنياهو الذي في 1998، في ولايته السابقة كرئيس للوزراء، ذعر من مبادرة أرون ميلر، مستشار كلينتون الكبير في شؤون المسيرة السلمية، لدعوة ياسر عرفات الى متحف الكارثة في واشنطن. والضغط الذي مارسته اسرائيل على ادارة المتحف وعلى المنظمات اليهودية نجح، فالغيت الدعوة التي كانت صدرت. ورغم ذلك، فان الضغوط السياسية للادارة الامريكية أدت الى أن ترفع دعوة جديدة الى عرفات، ولكنها لم تخرج الى حيز التنفيذ.
‘ينبغي الاعتراف أنه حتى اولئك المسؤولين عن حفظ ذكرى الكارثة من شأنهم أن يتعرضوا للضغط لاستغلال هذه الذكرى تحقيقا لاهداف سياسية او دبلوماسية’، قال وولتر رايخ، الذي كان مدير المتحف وعارض بشدة زيارة عرفات. يحتمل أنه لو كانت الزيارة خرجت في حينه الى حيز التنفيذ، ان يكون عرفات هو الزعيم الفلسطيني الاول الذي يندد بالكارثة. وفي الوقت نفسه، يمكن التخمين بانه حتى لو كان عرفات ندد بالكارثة، ما كان ليلغي بذلك المقارنة التي عقدها نتنياهو بين م.ت.ف والنظام النازي.
‘حماس تنفي الكارثة في ظل محاولات خلق كارثة اخرى من خلال ابادة دولة اسرائيل. ومع حماس هذه اختار ابو مازن أن يعقد حلفا الاسبوع الماضي’، هكذا اتهم نتنياهو أمس. وبالفعل، بعد أن ملص من بين يديه ‘نافٍ للكارثة’ واحد، عباس، بقيت حماس المشجب الاخير الذي عليه يمكن تعليق تهديدات الكارثة الجديدة. وفضلا عن عزو قدرة ايقاع كارثة على اسرائيل بحماس وهو تهديد سخيف بحد ذاته يرسم نتنياهو بذلك اسس رفضه للمفاوضات السياسية. فالاعتراف بالكارثة هو شرط مسبق، بعد الاعتراف بدولة يهودية، وأخيرا الاعتراف بحق الدولة اليهودية في الجلوس في اقاليم البلاد كما تشاء. هذه شروط متراكمة غير قابلة للانفصال. عباس يعرفها جيدا، وتنديده بالكارثة لن يجعله شريكا الى أن يعترف بالدولة اليهودية وحتى هذا الاعتراف لن يكون كافيا لاقناع اسرائيل للبحث أولا في حدودها. مشوق أن نعرف كيف سيرد نتنياهو اذا ما اعترف خالد مشعل ايضا بالكارثة.
 

حرره: 
م.م