من الذي يشعل النار في جبل الهيكل؟

الأقصى

بقلم: اسرائيل هرئيل

حظيت بأن كنت في القوات التي احتلت الطريق الى جبل الهيكل في سنة 1967. وما زال اعلان موتي غور أن ‘جبل الهيكل في أيدينا’ يصيبني بالقشعريرة في ظهري الى اليوم. وبعد انتهاء المعارك جرى في جبل الهيكل عرض عسكري للواء، تلا فيه غور منشورا على مرؤوسيه جاء فيه: ‘كان جبل الهيكل محرما على اليهود ألفي سنة الى أن جئتم أنتم أيها المظليون فأعدتموه الى كنف الأمة’. وهذه كلمات لن تزول أبدا من ذاكرة كل من كان يقف هناك في الصفوف الطويلة التي كان يغيب عنها الـ 98 قتيلا ومئات الجرحى.

تبين سريعا جدا أن حكومة الأمة اليهودية رفضت أن تحتضن الهبة التاريخية الوحيدة التي لا ثاني لها التي منحها المظليون إياها. وقد أفضت حكومات اسرائيل على اختلاف أجيالها والمؤسسة الحاخامية الرئيسة وكل الآخرين المسؤولين عن منع الوجود اليهودي في جبل الهيكل، أفضوا بظلم منهم الى أن فقد الشعب اليهودي سيادته على الجبل. أما اولئك الذين ينجحون في الصعود الى الجبل فيشعرون بأنهم اجانب غير مرغوب فيهم في أقدس مكان للشعب اليهودي. ولهذا السبب وكي لا أُجرب التنافر البالغ بين مقام التسامي في سنة 1967 وبين الواقع المُذل السائد اليوم حيث يُحدق رجال الأوقاف بكل يهودي يعتمر قبعة دينية في عداوة ويصاحبونه لهذا السبب لم تطأ قدمي جبل الهيكل في عشرات السنوات الاخيرة.

في 1967 أصيب قادة دولة اسرائيل الكبار ورجال الدين فيها بانخساف عقولهم فهم لم يدركوا المعنى القومي العظيم للعودة الى جبل الهيكل كما أدركوا بصورة جزئية فقط معنى تحرير اراضي يهودا والسامرة. وبسبب ذلك الانخساف ولا يوجد فراغ في مثل هذه الصراعات يفضي العرب لمنع تقويم المعوج الى تثوير دائم وتفجير في جبل الهيكل مقتطعين مئات الكيلومترات منه، وهلم جرا.

إن اعمال شغب العرب الاخيرة في جبل الهيكل وهي خلية اخرى تضاف الى ما لا يحصى من اعمال الشغب السابقة هي الثمرة الفاسدة لعدم تحقيق السيادة الاسرائيلية بسبب شعور الخوف اليهودي الفطري من أنه اذا مُنح اليهود حقوقا مساوية في الجبل فان ‘ذلك سيشعل المنطقة كلها’. وهذا الأمر داحض اليوم فضلا عن أنه لم يكن صحيحا في سنة 1967.

كانت ‘المنطقة كلها’ آنذاك مهزومة ومصابة بصدمة. وكان من الممكن إقرار حقائق في جبل الهيكل مثل منح اليهود مكانة دينية مثلا دون سلب المسلمين مكانتهم وضم يهودا والسامرة الى اسرائيل. وكان ‘العالم’ الذي ارتجف منه قادة الدولة سيشعر شعور الذنب لأنه لم يهب لمساعدة الدولة الصغيرة التي كانت على شفا الفناء قبيل الحرب. وكان العالم لو فعلوا سيُسلم بالضم وكانت توجد اشارات كثيرة جدا الى ذلك. ولم يكن الشعب الفلسطيني قد أوجد بعد فاتفق الجميع على أنه منذ جلا اليهود عن ارضهم لم تكن هذه المناطق تحت سيادة أي شعب وأية أمة. وتذكرون أن بريطانيا وباكستان فقط اعترفتا بالضم الاردني في 1948.
إن تحالف قوى مذهلا يمنع تقويم المعوج وهي: حكومات اسرائيل والاوقاف الاسلامية والمؤسسة الحاخامية (وتشمل الصهيونية الدينية)، والامم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمات حقوق الانسان بالطبع. وهذه الاخيرة تناضل نضالا لا هوادة فيه من اجل حرية عبادة العرب في كل موقع، لكنها تعارض بنفس القدر من النشاط حق اليهود في الصلاة في أقدس مكان لهم. وتقف معها المحكمة العليا لدولة اليهود التي ترد بصورة آلية وبنفس الكلمات استئنافا بعد استئناف يطلب فيه اليهود الحق في حرية العبادة.

إن العرب ما ظلوا يشعرون بأن هذا التحالف يعاضدهم، فسيظل الجبل ينفجر وستظل الحمم البركانية تتدفق وتلتهم. لكن في اللحظة التي تتجرأ فيها الدولة على اعلان مساواة اليهود ولو في حق العبادة وتنفذ ذلك بكامل القوة التي تملكها قد ينشأ وضع راهن سيكون في البدء متوترا لكن سيصبح بعد ذلك وربما يطول الامر كثيرا، مفهوما من تلقاء نفسه، بل قد ينشأ على مر الايام على إثر الاختلاط المتواتر والدائم، حراك تقارب. فالذي يعارض ذلك يعارض مصالحة تاريخية بين العرب واليهود في ارض اسرائيل وامكان إحلال سلام حقيقي.

حرره: 
م.م