دولة أبو مازن الخيالية

رؤوبين باركو

إستمع أبو مازن لشريط زعيم القاعدة أيمن الظواهري الاخير الذي يُعرفه فيه بأنه ‘خائن باع فلسطين’، ولم يحصل على شيء عوض ذلك. لكن الرئيس أدرك حتى من غير الشريط المسجل ما يخطط له عليه الاسلاميون، ويعبر تهديده بـ ‘اعادة المفاتيح’ الى اسرائيل عن جو الاكتئاب الذي أصابه الآن هو والعاملين معه على إثر الازمة في التفاوض.
كان أبو مازن ورجاله يعتقدون حتى الفترة الاخيرة أنهم يستطيعون أن يجمعوا على اسرائيل ضغوط الاتحاد الاوروبي وأن يعززوها بالدافع الامريكي الى السلام.
وحصل وهم الانجازات المجانية على تشجيع اليسار الاسرائيلي خشية ‘انتفاضة ثالثة’، أو ‘مقاطعة’، أو ‘دولة ذات شعبين’. وإن الخشية من أن يستقيل أبو مازن ‘الذي لا يوجد سواه’ ويدع اسرائيل مع فوضى في المناطق أفضت بالفلسطينيين الى شعور بأنه يمكن ابتزاز تنازلات اخرى في الطريق الى ‘دولة فلسطينية’ فعلية، دون تنازلات منهم تُصور تصويرا سيئا في الساحة الفلسطينية والعربية والاسلامية.
إن المحادثات الاخيرة وضعت الفلسطينيين في مفترق قرار كانوا يستطيعون أن يحصلوا به على دولة، لكن طُلب اليهم انهاء الصراع والاعتراف بأن اسرائيل دولة يهودية وهو اعتراف يعني ألا يوجد حق عودة. وشوشت لحظة الحقيقة الضرورية هذه على الاستراتيجية الفلسطينية المعوجة ولأن أبو مازن ورجاله لم يستطيعوا أن يبيعوا حماس والجهاد الاسلامي وأبناء اللاجئين الغاضبين ‘انهاء الصراع′ والاعتراف باسرائيل، بدأوا يتعوجون بحيل وتعلات (كالافراج عن السجناء) للتهرب من هذا القرار الحاسم.
أخذ الفلسطينيون يدركون بالتدريج بمساعدة من الامريكيين أن اسرائيل لن تستوعب أبدا في داخلها أبناء اللاجئين ووصوليين آخرين يحلمون بالقضاء عليها. وإن حقيقة أنهم سيضطرون الى استيعابهم في داخل دولتهم فقط اذا نشأت، أصبحت بالنسبة اليهم تشويشا وجوديا.
لو سيطرت الدولة الفلسطينية على معابر الاردن لساء الوضع لأن فلسطين كان سيغرقها طوفانات بشر وحركات الارهاب من العراق وسوريا ولبنان.
وبطلب تقسيم الموارد من جديد سيطلب العائدون الى فلسطين قطعة من الوطن المحرر ويُشاجرون اصحاب الاراضي. وسيُحكم المجاهدون من سوريا الشريعة الاسلامية مع الاعتماد على السكان الذين أخذوا يزدادون تطرفا. وبعد أن تزول مظلة الامن الاسرائيلية التي تحمي الرئيس سيصادر الاسلاميون الاملاك التي سرقها رجال فتح ويشنقون أبو مازن ورجاله في الميادين العامة. وينشئون بعد ذلك إمارة اسلامية موحدة مع غزة. وبعد ذلك تتنازع منظمات الارهاب السلطة بينها وفي موازاة ذلك يقوم المجاهدون بارهاب فتاك موجه علينا ويستتبع ذلك عقابا اسرائيليا مدمرا. وفي النهاية سيتم اتهام اسرائيل (كالعادة) بالمسؤولية عن المذبحة الداخلية كما حدث حقا في صبرا وشاتيلا.
يتبين أن انشاء دولة فلسطينية الى جانبنا هو داعية الى دمار فلسطيني داخلي. وسيضطر قادة الفلسطينيين بسبب قيود الامن ومساحة العيش الى رفض عودة أبناء الفلسطينيين من اماكن الجلاء.
وسيضطرون الى ادارة اقتصاد شفافية دون الاموال العربية والغربية، ويُلزمون بالكف عن السرقة ويضطرون الى تحمل المسؤولية عن مواطنيهم دون قدرة على اتهام ‘الاحتلال’ بتقصيراتهم.
لا يريد أبو مازن دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل بل بدلا منها. ولهذا استقر رأيه على التوجه مرة اخرى الى حماس شريكته في الهدف النهائي. فهو يرى أن حلم انشاء الدولة الفلسطينية الى جانب اسرائيل هو ‘تاريخ موت معروف مسبقا’، كما قال الأديب غبريئيل غارسيا ماركيز الراحل.