لماذا توجه الفلسطينيون الى الامم المتحدة؟

بقلم: بن درور يميني

في الاسابيع الاخيرة انشغل جون كيري ومحللون وسياسيون في اسرائيل في محاولة تبرير الخطوة الفلسطينية للتوجه الى منظمات دولية كخطوة رد على تأخير تنفيذ النبضة الرابعة من تحرير السجناء والاعلان عن البناء في غيلو.
وتأتي وثيقة فلسطينية لتوضح بأن القصة مختلفة تماما. الوثيقة هي خلاصة للمفاوضات وتوصيات. والكاتب هو صائب عريقات. وكانت الوثيقة قدمت في شهر آذار ويوضح الموقف وخطوط العمل المذكورة فيها بأن الخطوات الفلسطينية كان مخططا لها مسبقا دون أي صلة بالمسرحية الرابعة.
الوثيقة التي صيغت لتبرير الخطوة الفلسطينية نشرتها دائرة المفاوضات التي يترأسها عريقات، وتقول الوثيقة بالنسبة للتوجه الى المؤسسات الدولية: ‘هذا تنفيذ لحقوق فلسطين ولا صلة لذلك بالمفاوضات أو بالوصول الى اتفاق’. وثيقة اخرى، استمرارا لطلب الانضمام الى جهات دولية، تكرر الطلب الذي لا مساومة فيه لتحقيق ‘حق العودة’.
ثمة أمر مقلق في هذه الوثائق. فهي تكشف موقفا فلسطينيا متطرفا، يوضح بأن احتمالات تحقيق حل وسط مع الفلسطينيين كانت قريبة من الصفر. هكذا، مثلا، المادة 4 في توصيات الوثيقة الاولى تقول: ‘معارضة الاقتراح الاسرائيلي في أن تكون الكتل الاستيطانية جزءاً من اسرائيل في كل تسوية دائمة’.
بمعنى أن الفلسطينيين لم يصروا فقط على رفض كل تواجد اسرائيلي في غور الاردن، بل اعترضوا ايضا على ما كان يُخيل كموضوع اجماعي. فابقاء الكتل في يد اسرائيل منصوص عليه سواء في مبادىء كلينتون، أم في صيغة جنيف، أم في اقتراح اولمرت، وكانت تلميحات حتى من جهة الجامعة العربية، بأنه سيكون اعتراف بتبادل الاراضي، بشكل يتضمن الكتل في نطاق اسرائيل.
ولكن ها هو يتبين أن الموقف الفلسطيني، كما يصوغه المسؤول عن المفاوضات هو موقف حتى يوسي بيلين وزهافا غلئون سيرفضاه رفضا باتا. في الماضي، تجدر الاشارة، عرض عريقات نفسه مواقف أكثر سواءً للعقل، في الوثيقة التي عرضها على الاتحاد الاوروبي. وحتى في محادثات طابا كان تقدم نحو توافق على ابقاء الكتل. بحيث أن الموقف في الوثيقة يبعث على القلق.
الوثيقة التي تحمل تاريخ 2/4/2014، تعنى بالسبب لتوجه السلطة الى المؤسسات الدولية، في ظل الخرق الفظ للاتفاقات السابقة التي أتاحت بدء المفاوضات: فالوثيقة توضح على النحو التالي: ‘هذا تحقيق لحق فلسطين وليس لذلك أي صلة بالمفاوضات أو بالوصول الى اتفاق’. بمعنى أن ليس تأخير الدفعة الرابعة فقد كانت هناك صفقة تضمنت تحرير عدد أكبر من الفلسطينيين، ويتبين أن ليس هذا ايضا الاعلان عن مزيد من البناء (الاعلان الزائد بحد ذاته).
وها هم الفلسطينيون أنفسهم يوضحون بأن التوجه الى المؤسسات الدولية كان مخططا مسبقا، دون أي صلة بما فعلته أو تفعله اسرائيل. الوثيقتان، كما كشف النقاب عنهما وترجمتا على يد الباحث يونتان دحوح هليفي، من المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية.
على هذه الخلفية، فان التساؤلات تتسع فقط. أولا، هذه سخافة اسرائيلية. وذلك لأنه بدلا من تنفيذ كشف دراماتيكي للموقف الفلسطيني الذي في رمته رفض تسببت اسرائيل في القاء المسؤولية على نفسها، في أنها لم تنفذ الدفعة الرابعة. مرة اخرى كانت اسرائيل محقة، ولكنها لم تكن حكيمة. مرة اخرى يعلن الفلسطينيون، في وثيقة خاصة بهم، بأن موقف الرفض بقي على حاله، ولكن اصبع الاتهام موجهة الى اسرائيل.
وثانيا، عندما تتهم حتى محافل المعارضة في اسرائيل، بمن فيها حزب العمل، نتنياهو في أن المسيرة السلمية كانت مجرد عرض عابث، فانها تكرر ذات الخطأ الذي يطيب لها: فهي تتجاهل اقوالا صريحة من الطرف الفلسطيني. يمكن ويجب النزول باللائمة على استمرار البناء في المناطق في اثناء المفاوضات. وقد فعل الموقع أدناه ذلك المرة تلو الاخرى، بما في ذلك في الاشهر الاخيرة. ولكن هذا لم يكن السبب في الازمة في المفاوضات. السبب مزدوج: الموقف الفلسطيني ايضا الذي لا يقبله معظم اليسار بل وخُطط مسبقا للتوجه الى المؤسسات الدولية في ظل خرق الاتفاقات.
هذه هي الحقائق، ولكن لدى الكثيرين من بيننا، كما هو معروف، توجد عادة نكراء. محظور تشويش العقل بالحقائق التي تتضارب والأوهام.