الاحتلال سيستمر

ليست المطالبة المرفوعة للفلسطينيين بالاعتراف بدولة يهودية صدفة أو قليلة القيمة. فهذا هو السبيل للطلب من الفلسطينيين بأن يستوعبوا هزيمتهم التاريخية وأن يعترفوا بالملكية الحصرية لليهود على البلاد بأسرها. بهذا المفهوم، في نظر الاغلبية السائدة لا فرق بين العرب مواطني اسرائيل وبين العرب سكان المناطق، فالمواطنة على أي حال تعتبر معاملا قانونيا، قابلا للالغاء، وفي كل حال متدنية عن الانتماء القومي.

وحسب هذا النهج فان القومية هي منتج تاريخي أو مخلوق الاهي آخرون سيقولون مخلوق طبيعي بينما المواطنة هي ماهية مصطنعة، ثمرة قرار تعسفي. في فكر اليمين حظيت القومية اليهودية بانتصار مطلق عندما احتلت البلاد، في سياق استمر منذ بدء الهجرة الاولى وحتى مجرد يومنا هذا. ذروتاه كانتا حرب الاستقلال وحرب الايام الستة، وكلتاهما ينتميان الى التواصل السلوكي. بهذا المفهوم لا فرق بين احتلال اجزاء من البلاد قبل 1949 وبعدها وليس للخط الاخضر اي معنى غير كونه خط وقف مؤقت للنار.

يعتقد اليمين على أصنافه بانه يعبر عن الاجماع الصهيوني وبقدر كبير الحق معه: فمنذ بداية الطريق كانت الخلافات في الرأي داخل الحركة القومية اليهودية حول الوسائل وليس الاهداف. وبين مباي والاصلاحيين دارت رحى حرب على السلطة وليس على جوهر القومية اليهودية. كما أن حركة العمل التاريخية لم تعترف بالحقوق القومية للفلسطينيين، وكذا في أوساط زعمائها ومفكريها، كانت سيطرة اليهود في البلاد مغروسة في التاريخ، وليس في الحق الطبيعي لبني البشر في أن يكونوا أسيادا لانفسهم. وعلى حد نهجهم فان التاريخ يسبق دوما ارادة، احتياجات وتطلعات بني البشر. ولم تكن القيم الانسانية في مركز التجربة الفكرية لمباي وهي حتى اليوم لم تستوعب حقا في حزب العمل.

وعليه، فمن ناحية قادة الحكم الاسرائيلي، فان اصطلاح ‘الاتفاق’ معناه استسلام الفلسطينيين بلا شروط. ومن أجل ان يكون الحق الحصري لليهود على البلاد كاملا ومعترفا به، فان الفلسطينيين ملزمون بان يسلموا بدونيتهم. وينغرس هذا المفهوم عميقا في الوعي الاسرائيلي وهو مشترك بين اليمين والوسط بكل فروعهما، وفي بلدات المحيط ومعظم سكان غوش دان، حزب العمل والليكود: كلهم يرفضون فكرة المساواة في الحقوق بالنسبة للعرب.

ولهذا فسخيف التوقع من الجيش ان يتصرف في المناطق بأدنى حد من النزاهة مثلما يصعب وصف المحكمة العليا كحريصة على المعاملة المتساوية تجاه اليهود والفلسطينيين. فمنذ بداية الاستيطان وحتى عهدنا، تتصرف هذه المؤسسة، التي يزعم أنها رمز لليبرالية والديمقراطية، مثل الجيش، الشرطة والمخابرات، كذراع من اذرع الاحتلال.
وعليه، فلا يوجد في هذه اللحظة أمل في ان تتبلور أغلبية لاتفاق نزيه. وحتى لو افترضنا بان يقع بالمعجزة انشقاق في الليكود بقيادة رئيس الوزراء الذي يقرر محاولة ان يدخل التاريخ كديغول وليس كابن البروفيسور نتنياهو وتتوفر الاغلبية اللازمة، فانه لن يعتبر شرعيا في نظر اجزاء واسعة من السكان ولن تكون لاحد الشجاعة لتطبيق السياسة الجديدة. وعليه فان احتلال البلاد سيستمر وستصادر الارض من اصحابها لغرض توسيع المستوطنات وسيطهر غور الاردن من العرب وستجد القدس العربية نفسها مخنوقة من الاحياء اليهودية وكل فعل من السلب والغباء يخدم التوسع اليهودي في المدينة سيحظى بمباركة محكمة العدل العليا. ان السبيل الى جنوب افريقيا ممهد ولن يعاق بحاجز الا عندما يعرض العالم الغربي على اسرائيل خيارا لا لبس فيه: التراجع عن الضم ولفظ دولة المستوطنين او أن تكون مقصاة لشدة النبذ.

حرره: 
م.م