قدس الذهب والقمامة والطين

بقلم: نير حسون

مسألة النظافة (أو القذارة) لشوارع القدس وقفت في مركز حملة الانتخابات الاخيرة لرئاسة البلدية. موشيه ليئون، المرشح الذي حاول اسقاط نير بركات من رئاسة البلدية، لاحظ في موضوع النظافة البطن الطرية لبركات. ‘عندما يكون السكان قبل كل شيء فان المدينة ستكون نظيفة’، أعلن السطر الاول في برنامج ليئون الذي وعد بمئات عاملي النظافة الجدد في المدينة.

ومع أن ليئون خسر في الانتخابات، الا ان هذا القسم من الحملة بالذات اصاب مشاعر السكان: فالعديد من المقدسيون يشعرون بان مدينتهم قد تكون تتطور فقد بنيت فيها السينما سيتي وقصر الرياضة ‘هأرنيه’، في شوارعها يجري الماراثون والسباقات، وطرق جديدة وواسعة تشق فيها. ولكن في الطريق اهملت الشوارع القديمة، حدائق الالعاب والمراكز التجارية حيث لا تزال تسود القذارة. وحتى بركات نفسه اعترف في الحملة الانتخابية بانه ليس راضيا على مستوى النظافة في المدينة (واتهم الهستدروت في افشال مساعيه للتصدي للمشكلة من خلال خصخصة خدمات النظافة). وفي الولاية التالية، كما وعد بركات، سيكون تغيير حقيقي. اما الان، بعد سنة من الانتخابات فقد حان الوقت للفحص اذا كان ثمة تحسن أم ان القدس لا تزال مدينة قذرة.

المشكلة هي أنه من الصعب قياس مستوى القذارة في مدينة من 800 ألف نسمة بحيث أنه عمليا هذا سؤال ذاتي يبين اساسا ما هي توقعات سكان المدينة وزوارها. وفي البلدية يستخدمون مقياس عدد الشكاوى الهاتفية الى المركزية البلدية بالنسبة للقذارة. ولكن هذا المقياس منحاز الى مستوى التوقعات: فاذا كان السكان اعتادوا مستوى قذارة معينة، وفهموا بان لا مجال للتوقع من الجهاز البلدي فانهم لن يكلفوا أنفسهم عناء الاتصال.

توجد أماكن ليس في شأنها شك من ان القذارة ليست موضوع توقعات بل رائحة: الاحياء الفلسطينية من شرقي القدس وعلى نحو خاص تلك التي بقيت خلف جدار الفصل. في الطرف الاخر من السور، حيث يسكن 70 – 100 الف نسمة انهار تماما جهاز توفير الخدمات البلدية، بما في ذلك النظافة وجمع القمامة. وقد اتسع عدد السكان في هذه الاحياء بوتيرة سريعة وباتت الشوارع تبنى بلا تخطيط. وتوجد في الشوارع حاويات قمامة قليلة جدا والمقاولون المحليون الذين تشغلهم البلدية لا يستوفون الوتيرة. والنتيجة هي أكوام متجمعة من القمامة، تحرق في احيان كثيرة لتنشر رائحة فظيعة. اما الوضع في باقي احياء شرقي القدس فأقل سوء بقليل، ومع ذلك من السهل ملاحظة الفرق بين شطري المدينة حسب كمية القذارة في الشوارع، حسب عدد حاويات القمامة وعمال النظافة.

في محاولة للاجابة على السؤال اذا كانت القدس ملوثة واذا كان ثمة تغيير ايجابي او سلبي، وزعنا استطلاعا على الانترنت. الاستطلاع كما ينبغي التشديد، ليس علميا فالعينة لا تستجيب للقواعد الاحصائية ولا تمثل كل سكان المدينة ومع ذلك يمكنها أن تشكل مؤشرا على احساس السكان. 119 مستطلع اجابوا على الاستطلاع، ونحو ثلثهم تطوعوا باسمائهم.

نحو نصف السكان (57) اجابوا بان القدس ‘قذرة’ او ‘قذرة جدا’. اغلبية مطلقة من المشاركين في الاستطلاع يعتقدون أيضا بان القدس تحمل عن حق اسمها كمدينة قذرة وانها ملوثة اكثر من مدن اخرى في البلاد. ثلاثة اعتقدوا بانها المدينة الاقذر في الدولة.

ومع ذلك، فان معظم المجيبين يشعرون بان القذارة تتعلق أساسا باجزاء في القدس لا يسكنون فيها، وذلك لان فقط 25 منهم اجابوا بان شارعهم قذر أو قذر جدا. أي اجزاء؟ الاغلبية تعتقد بان شرقي القدس، الاحياء الاصولية ومركز المدينة هي المناطق الاكثر قذارة.

ولعل نير بركات يمكنه أن يجد شعاع ضوء في أن قدرا اكبر من المستطلعين يعتقدون بانه طرأ في السنة الاخيرة تغييرا ايجابيا طفيفا (29) من اولئك الذين يعتقدون انه طرأ تغيير سلبي (6). ولكن الاغلبية (70) يعتقدون انه لا يوجد تغيير على الاطلاق.
وفي الغالب يوجه اصبع الاتهام الى البلدية، على الاهمال المتواصل في تنظيف المدينة. من احاديث مع السكان ومع اصحاب مناصب يتبين بان للبلدية توجد مشكلة نقص في عمال النظافة، رغم اضافة بضع عشرات العمال مؤخرا. اضافة الى ذلك توجد مشكلة نقص في الرقابة على العمال وفي معاقبة المخالفين في مجال النظافة. وفي صالح المقدسيين يقال انهم لا يتهمون البلدية فقط، بل ويتهمون انفسهم فقط. فالكثيرون يحتجون على النقص في ثقافة النظافة بين سكان المدينة والاستهتار بالمجال العام. ويشكو الكثيرون من اصحاب الكلاب الذين لا ينظفون وراء حيواناتهم، وآخرون من ملقي أكياس النايلون ومن المستجمين في الحدائق. وكتبت احدى المشاركات في الاستطلاع تقول ان ‘حان الوقت لفرض غرامات ليس فقط على ايقاف السيارة بل وايضا على القاء القمامة في الساحة العامة، بما في ذلك على اصحاب الكلاب، مثل كل مدينة سليمة في العالم’.

وفضلا عن القذارة المعروفة بواقي السجائر، اكياس النايلون والاغلفة المختلفة تعاني المدينة أيضا من قذارة المادة اللاصقة والسوداء التي ترفق بطوب الارصفة الذي ترصع به اجزاء واسعة من البلدة القديمة والمناطق المحيطة بها. ومع أن القذارة تنبع اساسا من السير الكثير على الارصفة، الا أنها كونها حساسة للقذارة ويصعب ازالتها تعطي المكان احساسا بالنتن. فحدائق الالعاب الكبرى تعاني من روائح قذرة تبث في كل صوب (حديقة الجرس مثلا) أو من بقايا المعلبات (حديقة الاستقلال مثلا). ويبدو أن البلدية تجد صعوبة في التغلب على ذلك.

‘القدس ليست قذرة’، يقول مدير عام البلدية الجديد (شهرين في المنصب) أمنون مرحاف، ‘توجد مناطق نظيفة في مستوى معقول زائد، مثلا سوق محنيه يهودا، وتوجد مناطق قذرة. أنا لا اقبل الوصمة التي تقول ان سكان القدس يتسببون بقذارة اكبر. فالقدس بسبب تميزها والاف سنواتها، تبدو في صورة جيدة أقل بقليل. كما أني لا اسارع الى أن القي بالمسؤولية على المقيم ولا أدعو الى تغيير السكان. هذه مسألة البيضة والدجاجة: اذا كان مستوى النظافة أفضل، فان دافع الناس للحفاظ عليها سيكون أعلى’.

1100 عامل يعملون في قسم الصحة العامة في المدينة، الذي بلغت ميزانيته هذه السنة 390 مليون شيكل، مقارنة بـ 360 مليون شيكل في السنة الماضية. في ايار سيضاف نحو 40 مليون شيكل آخر، بحيث أن ميزانية كل السنة ستبلغ 430 مليون شيكل بفضل منحة حكومية عالية تلقتها البلدية، ضمن امور اخرى بسبب عاصفة الثلج في بداية الشتاء والتي اضرت جدا بالرحاب العام في المدينة وتطلبت ترميما باهظ الثمن. وفي البلدية يشيرون الى سلسلة اصلاحات ستحسن الوضع تجميد عشرات عاملي النظافة الجدد وعشرات مراقبي النظافة، نصب حاويات وحملات نظافة في الاحياء وكذا تغيير تنظيمي في تقسيم المدينة الى احياء جغرافية. ويرمي التقسيم الجديد الى منع الوضع السخيف الذي ينظف فيه عامل في قسم ما الحديقة وعامل من قسم آخر القذارة التي على الرصيف المجاور للحديقة، دون أي تنسيق.

ويشير مرحاف الى عدة مشاكل أساسية في القدس تفرض مصاعب على نظافة المدينة: كثرة السكان، ولا سيما في الاحياء العربية والاصولية، حقيقة أن هذه مدينة تاريخية بلا تخطيط حديث وكذا اخفاقات في التخطيط الحديث الذي جرى في المدينة. ‘عندنا مناطق مع تخطيط تاريخي من عهد هيرودوس وقبله والادخال الى هناك سيارات النظافة وسيارات الكناسة هو أمر متعذر’، يقول مرحاف. ‘ولكن حتى في حي راموت الذي خطط له في السبعينيات ارتكب اخفاق تخطيطي باعث على الصدمة إذ بنوه دون غرف للقمامة ولهذا فانك ترى ‘الضفادع′ (حاويات على شكل ضفادع) البشعة والاشكالية على التشغيل’. ويرى مرحاف في ‘الضفادع′ التي تميل الى الانزلاق وتلويث محيطها ‘عقب أخيل لتحدي النظافة في المدينة’. في السنوات الخمسة القريبة القادمة تخطط البلدية لاستبدال 1.800 ضفدع بحاويات قمامة مدفونة في الارض.

‘اضفنا سبعة مسارات اخلاء جديدة للقمامة. استوعبنا 100 عامل نظافة في السنة الاخيرة، نحن ننتقل الى مغروسات القمامة وبدلا من الضفادع، نضيف حاويات قمامة في الشوارع ونؤهل محبي النظافة ونشدد انفاذ القانون، ولن نكتفي بالغرامات بل وسنرفع لوائح اتهام’، كما يعد المدير العام. ‘اعتقد ان الناس سيرون تحسنا دراماتيكيا في غضون سنة سنتين.

حرره: 
م.م