أعدوا حجرة الاعتقال

تسفي برئيل

لدرء لسوء الفهم في المستقبل، وبالاساس، لضمان ان تكون حجرة المعتقل مريحة، فاني أسعى الى الاعلان باني اذا ما تلقيت دعوة لزيارة ايران، السعودية، غزة او لمقابلة حسن نصرالله، فسيسرني الاستجابة لذلك. هذا الاعلان، بالمناسبة، معنون ايضا للسلطات في تلك الدول. فاذا كان بودهم أن يدعوني، ووحده الخوف مما ينتظرني لدى عودتي يمنعهم حتى الان، فليزيلوا القلق من قلوبهم: فالصحفيون الاسرائيليون اليهود لا يعتقلون، فقط العرب الاسرائيليون.

في سنوات عملي زرت غير قليل من دول العدو، وفي كل مرة شعرت من جديد بالاهانة. فأنا ليس فقط لم اعتقل بل ان احدا لم يكلف نفسه عناء الفضول للاستطلاع عما رأيته وسمعته. أربع مرات زرت العراق، بعد سقوط صدام حسين. ومن قلب بغداد بعثت بالتقارير التي نشرت في ‘هآرتس′، من كردستان العراقية أطلقت تحية للعائلات الكردية في اسرائيل. ولم أخفي الزيارات في اي حالة من الاحوال.

وبناء على دعوة ياسر عرفات، حتى قبل أن يوقع اتفاق اوسلو ولم تكن وصمة الارهابي قد ازيلت عنه، سافرت مع زميلي داني روبنشتاين الى تونس. تجولت في لبنان وان كان تحت رعاية عسكرية، ولكني التقيت بمواطنين كثيرين وكأن لا شيء. لم يقتادني اي مندوب للمخابرات الى غرفة ضيقة ومظلمة ولم يمطرني بسؤال واحد. لو كنت عربيا اسرائيليا لكان من المحتمل ألا أتمكن حتى اليوم من الخروج من البلاد. ولست حالة استثنائية. صحفيون اسرائيليون مثل رون بن يشاي، ايتي آنجل، بوعز بسموت، اوري افنيري، عنات سارغوستي، عميرة هاس وآخرون، زاروا مناطق العدو، رفعوا التقارير ورووا، ولكن احدا منهم لم يعتقل ولم يحاكم.

صحيح، القانون يمنع الدخول الى دول العدو. كما أن القانون يحظر على المواطنين الاسرائيليين الدخول الى مناطق أ في السلطة الفلسطينية. الجيش، وليس القانون، يمنع منذ نحو سبع سنوات دخول الصحفيين الى غزة الا اذا رافقوا قوات الجيش الاسرائيلي في أثناء حملة عظيمة المجد. القانون لا يسمح بمقابلة سجناء سياسيين في السجون، كما ان القانون يفرض الرقابة العسكرية، وهكذا يعفي الصحفيين من التردد في مسألة المس بأمن الدولة. ولكن القانون لا يحظر معرفة ما يحصل في دول العدو. انه النظام الذي يجب احتكاره على نشر المعرفة من تلك الدول ويحرص على الدفاع عنها.

في العراق مثلا اخترع الجيش الامريكي ابتكار ‘زرع الصحفيين’ داخل قوات الجيش، وهكذا منع في معظم الحالات التقارير عما يجري في المجال المدني، عن اخفاقات في اداء الجيش او عن القتلى المدنيين الذين لا يعرف عددهم حتى اليوم. والحرص على سلامة الصحفيين في ارض العدو، وبالاساس الخوف الا يختطفوا او يقتلوا، مفهوم وجدير. ولكن مئات الصحفيين اختطفوا أو قتلوا في ميادين التقتيل في سوريا، في الباكستان، العراق، الشيشان ومواقع ظلماء اخرى. هذه هي الحقيقة التي محظور أن يكون لها حدود، وهذه هي مخاطرها.

ولكن ليست الرسالة الصحفية هي التي تقف هذه المرة قيد الاختبار، بل التهمة. في اسرائيل تتبع مقاييس مختلفة لمنح الصلاحية لتغطية دول العدو من داخل أراضيها. والصحفيون العرب مشبوهون منذ البداية في أن كل زيارة يجرونها الى دولة عدو هدفها واحد: التجسس، نقل معلومات او ‘الاتصال بعميل أجنبي’. الصحفي العربي الاسرائيلي هو قبل كل شيء عربي وفقط عربي. اسرائيليته تختبر بعناية في غرف تحقيق المخابرات، وبعد ذلك في المعتقل وأخيرا في المحكمة ايضا.

كما ان الصحفي العربي الاسرائيلي لا يحق له أن يتوقع من زملائه اليهود ان يخرجوا للتظاهر او يطالبوا بتحريره، ينددوا باخفاء ‘سر’ اعتقاله والاقامة الجبرية التي فرضت عليه. كان يكفي الاستماع الى التقرير المحوط بالدراما عن ‘الكشف’ عن اعتقال مجد كيال، الذي زار لبنان، كي يفهم المرء بانه لا يوجد اي شك في اتهامه. عربي اسرائيلي، لبنان، عميل اجنبي ومخابرات هي كوكتيل يؤكد كل المخاوف. كوكتيل يميز بين الصحفيين الشرفاء، الوطنيين، المخلصين للوطن و ‘لاسرة التحرير’، وبين اولئك الجواسيس الذين يحملون عبثا وبنية مبيتة اسم المهنة.

 

هآرتس