الشقق السكنية الباهظة تقوض ما تبقى من أحلام شباب غزة

الشقق السكنية بغزة

غزة - يوسف حماد

ليس هناك مجال للشك بأن الشباب هم صبغة المجتمع في الرقي والعلو، وأوضاع الشباب هي الشغل الشاغل لصناع القرار، حتى يتمكنوا من الاستفادة من قدرة العطاء التي تأتي في مثل هذا العمر البهيج والمنتشي بالقدرة على البذل والتقديم اذا ما توفرت الإمكانات المتاحة والجيدة.

في قطاع غزة تجد فئة الشباب وهي الاكبر بمجتمع يعاني أزمات على مستويات مختلفة (سياسية  اقتصادية وحتى معيشية) لا تعرف طريقا سوياً الى المستقبل وحتى بأقل الاحلام تواضعا.

يجتمع الشباب أحمد الراعي( 26 عاما)، وأقرانه من نفس العمر في مقهى شعبي، وسط مدينة غزة لمشاهدة مباراة كرة قدم، عل ذلك يزيل بعض التقرح الفكري والمعيشي الذي أصابهم من واقع الحياة، كما يقول.

ويضيف "آتي إلى هنا، لأني خاطب منذ عامين ولم استطيع أن أجمع سعر شقة سكنية متواضعة وصغيرة في مكان بغزة، جميع الشقق تحتاج أقل شيء مبلغ 40 ألف دولار وشاب مثلي له عامين يعمل فقط في مهنة جيدة، قطعا لا يستطيع أن يجمع هذا المبلغ".

ويقول الراعي والحصرة تملئ وجهه، "سوف اضطر بآخر المطاف ان استأجر شقة سكنية وادفع نصف راتب اجرا لها، حتى اكمل حياتي الطبيعية".

ولكن عندما يصبح الفقر يطال الكثير من الشباب غير المتزوجين والذين اجتازوا عقدهم الثالث، فان الأمر يكون كثير الاحباط قليل الأمل، محمد بشير (31 عاما) يقول، " أنا لن اتزوج لأني لم أحصل على فرصة عمل، ولكن اذا قررت أن أدخل القفص الذهبي بمساعدة من هنا وهناك، فان الامر يحتاج أمر مهم ألا وهو الشقة السكنية، وهذا امر التفكير فيه من المحال لأن الشقق السكنية باهظة للغاية".

ويكمل بشير وهو خريج جامعي منذ عام 2006 حديثه "اذا أردت أن تخرج من مخيم للاجئين الى قلب المدنية فانك تحتاج الى اقل تقدير 50 الف دولار، هذا المبلغ الهائل، لا يستطيع شاب بالاستدانة يتزوج أن يجلبه، هل رأيت لماذا لا أريد الزواج؟".

وعن مشاريع زواج الشباب يوضح بشير بالقول" للآسف ليست من المرضي عنهم(...)وليس هناك من يكفلني في حال قررت أن آخذ قرضاً".

وأما الشابة غدير فتقول" لقد ساعد والدي خطيبي وتكلف بشراء شقة سكنية لي، وهذا أمر جميل للغاية، خطيبي حديث الحصول على عمل بالكاد يكفيني مستقبلا، لذلك ابي منّ الله عليه بالمال، وقرر أن يشتري لنا شقة في قلب المدنية(..) شعور جميلة وأتمنى حياة سعيدة لكل الخاطبين".

ولكن في قطاع غزة، قد لا يجد معظم الشباب والد مثل والد غدير، حتى يساعدهم ولكنهم يواصلون شق طريقهم في صخور الحياة في واقع لا يساعد كثيرا بفعل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها القطاع في أوج حصاره الذي يدخل عامله الثامن في شهر تموز القادم.

أبو رامي الحصري  صاحب عمارة سكنية، في منطقة النصر غرب غزة يقول، "الشقق باهظة، نعم أنا أعرف هذا ولكن دفعت دم قلبي حتى ابني هذه العمارة، كل التجهيزات غالية الثمن، ضرائب البناء غالية وباهظة مواد البناء صعبة المنال، ماذا تتوقع اخر المطاف لقد مضيت 5 اعوام وأنا اجمع سعر هذه البناية حتى أكلمها".

وأضاف:" لقد طلبت سعر معقول للشقة ولكن وضع الناس صعب لذلك يعتقد البعض ان مبلغ 50 الف دولار غالي الثمن لشقة مساحتها 90 مترمربع، لقد كلفتني العمارة قرابة الـ250 الف دولار أمريكي، وليس حرام أن أدخر ربحاً بعد الجهد الكبير الذي بذلته في ظل انقطاع الاسمنت ومواد البناء وشراءها بأسعار فلكية". يقول ابو رامي "الحياة هنا صعبة ويجب أن نعتاد ذلك".

ويؤكد وزير الأشغال العامة والاسكان في الحكومة المقالة يوسف الغريز أن" الاحتياجات السكنية لقطاع غزة كبيرة بسبب التسارع البشري والبنائي للمواطنين في منطقة جغرافية صغيرة"، ففي دراسة قامت بها الوزارة مؤخرا تم تقدير العجز في الوحدات السكنية حتى منتصف 2011 بـ 75,334 وحدة سكنية، و بالاعتماد على معدل الزيادة الطبيعية المتناقص حسب تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (6%) فان الاحتياجات من الوحدات السكنية يتراوح (800 – 1,100) وحدة سكنية سنويا".

ويعلل الغريز سبب المعيقات الى الإغلاق المتكرر للمعابر، والاجتياحات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، اضافة الى عدم وجود مصادر تمويل كافية لتنفيذ مشاريع الإسكان التي تحتاج إلى تكاليف عالية جدا ولا يستطيع الاقتصاد الفلسطيني المترنح تغطية هذه التكاليف، مشيرا في ذات الوقت الى ندرة الأراضي السكنية المتوفرة وارتفاع أسعارها وسوء الوضع الاقتصادي وزيادة أعداد الحالات التي تقع تحت خط الفقر.

يذكر ان اسرائيل تمنع دخول مواد البناء الى قطاع غزة منذ صيف عام 2007 باستثناء ادخال بعض الكميات لمشاريع تنفذها مؤسسات دولية،  وكان قطاع غزة يعتمد على مواد البناء الموردة إليه من مصر عبر أنفاق التهريب، لكن إغلاق الجيش المصري للانفاق بداية من يوليو من العام الماضي، تسبب بأزمة كبيرة في قطاع الإنشاءات والبناء الذي يضم الاف العمال الفلسطينيين.

ويخضع قطاع غزة لحصار مشدد، فرضته إسرائيل منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة صيف 2007، ويشتمل على منع وتقنين دخول المحروقات ومواد البناء والكثير من السلع الأساسية، ومنع الصيد في عمق البحر لما بعد الـ3 أميال.

حرره: 
م.م